هكذا يكون الحديث عندما تكون حدود سايكس بيكو مقدسة
أوردت صحيفة السوسنة الإخبارية بتاريخ 2/11/2024 خبراً تحت عنوان: “الأردن يحذر من تزايد الاضطرابات الإقليمية ويؤكد على حماية أجوائه”، ورد فيه على لسان الناطق الرسمي باسم الحكومة، الدكتور محمد المومني (.. وشدد على أن القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، تؤدي واجبها المقدس في حماية الحدود براً وبحراً وجواً، مؤكداً أنها ستوظف كافة إمكانياتها لضمان أمن وسلامة الوطن ومواطنيه، ولن تتردد في تطبيق قواعد الاشتباك تجاه كل من يحاول الإضرار بأمن الأردن. كما حذر المومني من تزايد الاضطرابات الإقليمية، معيداً التأكيد على أن الأردن لن يكون ساحة صراع لأي طرف، ولن يسمح بمرور الطيران الحربي أو الصواريخ أو المسيرات عبر أجوائه.)
عندما تكون حدود سايكس بيكو أقدس من دماء المسلمين الذين يقتلون على مرأى ومسمع العالم أجمع، هكذا يكون حديث وفعل الأنظمة القائمة في بلاد المسلمين، كيف لا وقد أقيمت بهذه الكيفية لإبقاء انقسام الأمة وبقاء هيمنة الكافر المستعمر، فهو -المستعمر- الذي قام بهدم دولة الخلافة وأقام على أنقاضها هذه الأنظمة العميلة وسَنَّ لها دساتير وضعية تُقدِّس الحدود التي حدَّها لها، وجعل الرابطة الوطنية فوق كل اعتبار، وغذّى بقاءها وكرسها في مناهج التعليم لأبناء الأمة، بل وجعل علماء السوء يروّجون لها بتحريف الأدلة وتجييرها لهذه الفكرة. ورد في كتاب التكتل الحزبي لحزب التحرير: ولم يكتف الاستعمار بهذه الثقافة بل سمم الجو بأفكار وآراء سياسية وفلسفية أفسد بها وجهة النظر الصحيحة عند المسلمين، وأفسد بها الجو الإسلامي، وبَلبَل الفكر لدى المسلمين بَلبَلة ظاهرة في مختلف نواحي الحياة وكذلك سمم المجتمع بالوطنية، وبالقومية، وبالاشتراكية، كما سممه بالإقليمية الضيقة فجعلها محور العمل الآني، وكما سممه أيضاً باستحالة قيام الدولة الإسلامية، وباستحالة وحدة البلاد الإسلامية، مع وجود الاختلاف المدني والعنصري واللغوي، مع أنها جميعها أمة واحدة، تربطها العقيدة الإسلامية التي ينبثق عنها نظامها.
هذه هي حقيقة هذه الأنظمة العميلة للغرب والتي صُنعت بيديه، أنظمة محدودة بالحدود التي حدَّها لها أسيادها، وظيفتها فقط حماية هذه الحدود ومنع أي مشروع نهضوي للأمة، وسلخ الأمة عن عقيدتها التي بطبيعتها أنها لا تعترف بحدود، بل تعمل على صهر الشعوب ببوتقة الإسلام مهما كانت لغاتهم وألوانهم وأعراقهم، فلا فرق بين عربي ولا أعجمي وأحمر أو أسود بين الناس، بل المعيار المعتبر هو الإسلام والالتزام بأحكامه.
لكن هيهات هيهات أن تبقى هذه الفكرة -الوطنية- وقدسيتها في نفوس المسلمين لأنها ليست من عقيدتهم، بل هي فكرة فاسدة وهابطة لا تصلح لربط البشر بعضهم ببعض، فلا تنفع الإنسان حين يسير في طريق النهوض، وهي رابطة عاطفية تنشأ عن غريزة البقاء، فهي رابطةٌ مُؤقتة تُوجد في حالة الدفاع، أما في حالة الاستقرار فلا وجود لها، ولذلك لا تصلح لأن تكون رابطة بين الناس.
فالأمة اليوم في واد وأنظمتها في واد آخر، فها هي الأمة قد رفضت بشكل عملي هذه الفكرة، بل ترجمت بشكل عملي قول الله تعالى: (إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (الأنبياء 92))، وقوله ﷺ بوحدة الأمة، فعن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”، فأدلة ذلك تُرى كل يوم من الأمة تجاه إخوانهم المنكوبين، سواء كان سبب بلائهم الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات أم كانت بفعل احتلال أراضي المسلمين في فلسطين أو كشمير وغيرهما.
فعلى سبيل المثال في الناحية الاقتصادية، فقد قاطعت الأمة كل الشركات التي تتصل بكيان يهود، بل قدمت من أموالها التبرعات ولم تبخل لمساعدة من تضرروا بالزلازل في تركيا وسوريا، بل إن بعض الناس قام بعرض بيته للبيع قربة لله ونصرة وتخفيفا عن أهله الذين تقطعت بهم السبل وخذلهم من يملك القوة في بلاد المسلمين في غزة. ومن الناحية الإعلامية، فقد عمل المسلمون على استثمار الإعلام البديل لنقل الصورة الحقيقية للعالم وفضح جرائم يهود في غزة على جميع الصعد، حتى أصبحت شعوب العالم تشمئز وتنكر على أنظمتها دعمها لهذا الكيان المجرم.
ومن ناحية عملية أخرى، فقد أدى ماهر الجازي، وعامر قواس وحسام أبو غزالة رحمهم الله ومن قبلهم مشهور الجازي ومحمد صلاح وغيرهم ما يؤكد أن هذه الحدود إنما هي وهمٌ يجب إزالته، وأن هذه الأمة مهما اشتد عليها أعداؤها فإنما هي تتهيأ لتعود لعزها ورفعة شأنها، فهذه الارهاصات التي تزلزل المسلمين إنما هي مقدمات لوحدة الأمة في ظل خلافة راشدة على منهاج النبوة التي توحد المسلمين وتزيل الحدود وتُجيّش الجيوش لتحرير البلاد والعباد المقدسات من رجس الاستعمار.
قال تعالى: (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (الروم 5)).
كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية الأردن
الأستاذ محمد محمد الأحمد