مقال: من ينتصر… القوة المادية أم قوة الفكرة؟ وهل تُهزَم الفكرة والعقيدة؟
من ينتصر… القوة المادية أم قوة الفكرة؟ وهل تُهزَم الفكرة والعقيدة؟
منذ بداية حرب غزة الأخيرة، أي منذ عامين تقريباً، يجمع كل المحللين السياسيين والمفكرين والاستراتيجيين على أن الفكرة لا تُهزَم، حتى لو قُتِل صاحبها.
إن الجهاد حكم شرعي منبثق عن الفكرة الأساسية، وهي العقيدة الإسلامية، التي تُشكّل أساس صمود مجاهدي غزة وسائر أهلها.
برغم تدهور أحوال المسلمين في غزة المحاصرة من القريب قبل الغريب، ورغم ضيق المساحة وقلة العتاد والسلاح ووجود كل الصعوبات، فقد صمد أهل غزة صموداً أسطورياً علّم العالم الغربي قبل الإسلامي ماذا تعني العقيدة الإسلامية والموت في سبيل الله تعالى.
لقد رأى العالم مشاهد قتالية تكاد تكون أشبه بالخيال (المستحيل) وهي واقع حقيقي ومُشاهد ومحسوس. ولم يستطع المحللون العسكريون تفسيرها تفسيراً عسكرياً مادياً؛ لغلبة الفكر المادي المعاصر عليهم. مع أنها حقيقة ثابتة يعلمها كل من آمن بالله ورسوله ﷺ.
يقول تعالى: (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ) البقرة: {249}
لأن الغلبة، منطقياً أو على غلبة الظن، تكون لأسباب القوة المادية في أي مواجهة بين طرفين بعيداً عن معية الله. ولكن إن كان أحد الأطراف مَعَ الله، فستكون له الغلبة بإذن الله تعالى، حتى لو قلَّ العتاد والسلاح أو كانوا على ضعف؛ لأن هذه الفئة القليلة هي الغالبة لما نالت من تأييد الله ونصره؛ لنصرها دينه، واستحواذها على شروط النصر؛ لأنها أعدت ما استطاعت وتوكلت على الله وصبرت. ويقول تعالى: (وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) البقرة: {153}
وكل هذا يؤسس ويؤكد انتصار الفكرة (العقيدة الإسلامية) بداية ونهاية، سواء في غزة وهي محور الحديث، أو في أفغانستان والعراق والشام، وكل بؤرة ساخنة يُذبَح فيها المسلمون بدم بارد، لا لشيء سوى لأنهم مسلمون.
إن الأصل هو وحدة المسلمين في حربهم وسلمهم. المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه. يجب أن تجمعهم دولة واحدة وراية واحدة وخليفة واحد، وأن أي اعتداء على مسلم هو اعتداء على الأمة جميعاً، ويجب نصرته بتحريك جيوش الأمة، وحُرمة التخلي عنه.
وهذا هو الحل الشرعي الوحيد لنصرة أهلنا في غزة وفلسطين وغيرها، لحديث رسول الله
ﷺ: “المسلمُ أخو المسلمِ لا يظلِمُه ولا يُسلِمُه” (متفق عليه).
لكن اليوم، الأمة دول متعددة ورايات وحكام عملاء، ظهرت خياناتهم للقاصي والداني. وزرع بينهم الكافر القوميات والوطنيات والمشاكل والفتن، وحدوداً مصطنعة تُقسِّم أبناء الأمة نفسياً وجغرافياً.
نعم، لقد انتصرت الفكرة، ولم يستطع الكفر تحقيق مراده ولا أهدافه عسكرياً، برغم مشاهد القتل والدمار.
نعم، انتصرت الفكرة الإسلامية، وباتت دولة اليهود وأمريكا والغرب في مأزق كبير، برغم كل الدعم غير المحدود وعلى كافة المستويات. وظهرت خيانة هذه الأنظمة أمام شعوبها، وظهر للعالم كله والرأي العام العالمي أنها حرب إبادة بالحصار والقتل والتجويع ومنع كل مقومات الحياة.
ومع ذلك، بقي المجاهدون صامدين ويوقعون الخسائر بجيش اليهود المدجج بالسلاح والعتاد والعُدّة، حتى لجأ الكفر لخطة تحفظ ماء الوجه لكيان اليهود – مشروع الغرب – (كخطة ترامب الأخيرة للسلام). وأخذ يهدد ويصرخ صراخ المجنون الخائف على مشروعه في المنطقة، كل ذلك ليُخرج دولة اليهود من مأزقها الذي هي فيه، ولإيقاف الصراع الداخلي في المجتمع اليهودي، المتمثل بين المتطرفين والعلمانيين وبين القيادة العسكرية والسياسية، وكذلك الانهيار الاقتصادي وفقدان التأييد العالمي.
وانتهت صورة اليهود وأمريكا والغرب الوردية، وانتهى التغني بالحريات وحقوق الإنسان، خصوصاً أمام الشعوب الغربية التي كانت مخدوعة إعلامياً ومضللة فكرياً وسياسياً.
وأخيراً نقول: لقد انتصرت الفكرة الإسلامية بل وترسخت عند كل المسلمين، وأنه مهما بلغت الخسائر فلا تعني النهاية والهزيمة والاستسلام، وإنما الصبر والثبات والتضحية، والإيمان بأن النصر من عند الله تعالى وحده، وهو الناصر لعباده إذا أخلصوا وثبتوا وتوكلوا على الواحد الأحد الفرد الصمد.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُم) محمد:{7}
وقال تعالى: (وَلَا تَهِنُواْ فِي ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) النساء: {104}.
كتبة للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية الأردن
أ.وليد حجازي