مقال: الأبعاد المراد تحقيقها من خطة ترامب لقطاع غزة
الأبعاد المراد تحقيقها من خطة ترامب لقطاع غزة
تتلخص خطة ترامب، والمكونة من عشرين نقطة، في هذه الأبعاد الأربعة:
- بُعد ثقافي
- بُعد أمني
- بُعد استثماري أو اقتصادي
- بُعد تنظيمي أو هيكلي
وهي من أخبث وأخطر ما تم طرحه من قِبَل الإدارات الأمريكية على الإطلاق.
ولو نظرنا إلى الشخصيات التي ستكون فاعلة في هذا المشروع الخطير، لأدركنا مَكْمَن الخطر وأين هو.
إن أي مشروع يحتاج لمجموعة عوامل تكون هي ركيزة نجاحه. فمثلًا، حينما قرر الغرب الكافر التمدد في المنطقة، كان لا بد من التخلص من الدولة العثمانية، فعلى الرغم من ضعفها وهَوَانها واستئثار الولاة بولاياتهم، إلا أنها بهيكليتها كانت عقبة كأداء في وجه مشروع تمددهم وسيطرتهم على المنطقة. يتضح هنا الهدف الذي تم وضعه، ثم كان يجب أن تكون هناك عوامل للمساهمة في إسراع وتسهيل عملية الهدم. لذلك، رُسِم المخطط كالتالي:
- بث الأفكار التي تساعد في إيجاد القلاقل في جسم الدولة، مثل النعرات الطائفية، والقوميات، وخاصة القومية العربية والطورانية وغيرها كثير، وهذا سبق انهيار الدولة بقرن من الزمان.
- ثم رسم مخطط إحلالي لأملاك الدولة؛ بحيث تكون القطع المُرَسَّمَة شبه دُوَل، تجعل من بداخل خطوطها المَسْطَرِيَّة شعوبًا مستقلة عن مفهوم الأمة الواحدة.
- ضرب أفكار الإسلام وبث أفكار مناوئة له، وبناء مدارس فكرية وأكاديمية تعمل على ذلك، وتُخرِّج أجيالًا تحمل فكر التغريب.
- إنشاء كيان في مرحلة لاحقة يكون هو سيدًا على الكيانات المصطنعة، ومُنَسِّقًا معها في ضبط إيقاعات الشعوب؛ بحيث لا تخرج عن سياق المشروع الكبير.
- وهذا يضمن بقاء المشروع الغربي واستمراريته في السيطرة على المنطقة برمتها، وهو ما حصل وتَمَّ ونُفِّذَ على الواقع، كيانات هزيلة عميلة وظيفية للمحافظة على بقاء سيطرة الغرب، وجسم مانع من عودة الأمة لوحدتها، ولو حتى بكيان علماني. فكانت اتفاقية سايكس بيكو، وقلبها كيان يهود.
الذي يجري الآن أن أمريكا بأفعالها وتصرفاتها تعمل على هدم هذه الكيانات، وإعادة ترسيم جديد لها يضمن هيمنة الكيان المَسْخ في السيطرة على هذه الكيانات الجديدة والمُعاد تشكيلها، بحيث تكون المنطقة خالصة صافية لأمريكا وحدها، وهو ما رأيناه من خطة ترامب بأبعادها الأمنية والهيكلية والثقافية والاقتصادية.
الخطة ليست لغزة، وإنما لمنطقة الشرق الأوسط. ومشروعها الأمني هو نزع أو تجريد المنطقة – ولو بالقوة – من السلاح الاستراتيجي والقوة العسكرية البشرية؛ بحيث تكون المنطقة عبارة عن مراكز أمنية وخَدَماتِيَّة، وليست دُوَلًا بمعنى الدول. أي كَنْتُونَات جغرافية يُعاد تشكيلها شيئًا فشيئًا، وهذا ما صرَّح به وزير خارجية أمريكا الهالك هنري كيسنجر لضمان ديمومة أمريكا وسيطرتها على العالم. فلا بد من أن تُحكِم قبضتها على منطقة الشرق الأوسط، وأن تُعيد صياغتها من جديد؛ ما يضمن بقاءها وسيطرتها عالميًا، مُبَيِّنًا ذلك في تصوره. فهذه المنطقة فيها من العوامل الكثيرة ما يجعلها من أخطر البقاع؛ فهي تملك الممرات العالمية، وتملك الطاقة والمواد الخام والسوق الاستهلاكية والطبيعة الجاذبة، وأمة حية إذا ما استيقظت ستكون الأخطر في العالم، ولذلك لا بد من إعادة تشكيلها من جديد.
البعد الاقتصادي جعل غزة مركز جذب اقتصادي أعظم من دبي، وجعلها منطقة استثمارية، وإحياء مشروع سكة الحديد الخليجي المتوسطي وقناة بن غوريون. ولذلك، كان إبقاء القصف والتدمير والإبادة الجماعية أمرًا مُقَرَّرًا ومَحتومًا؛ لجعل الحياة في غزة مستحيلة، وتحتاج لعشرات السنين لإعادة إعمارها. ولذلك، وُضِعَ في الخطة التهجير القسري وإجبار الدول على قبول الغَزِّيِّين. إلا أن الصمود الأسطوري للمجاهدين، وفَتْكَهم بجيش كيان يهود، وتكبيده الخسائر الهائلة والكبيرة التي يستحيل على أمريكا تحملها، مع استعداد وتآمر الأنظمة العربية مُجتمعة في تنفيذ هذا المشروع؛ مما جعل تنفيذ الخطة يكون بالتدريج، وإلا فالقصف والقتل والإبادة والتدمير لن يتوقف.
إن تغيير المفاهيم والأفكار، والديانة الإبراهيمية التي تتسابق الكيانات العربية على الانخراط بها، لهو من أبرز الصور الواضحة في هذا المشروع، والذي يُعتبر رأس الحربة في مشروع أمريكا للشرق الأوسط الجديد والكبير.
إن الأمة الإسلامية بصمتها وسكوتها عما يجري، وعدم وقوفها بوجه هذه المخططات الشيطانية التي تعمل على اجتثاث الإسلام من جذوره – عقيدة وأحكامًا – لهو إثم ما بعده إثم، يستجلب سخط الله وعقابه في الدارين، والخسران المبين. فإلى مشروع الإسلام الكبير، الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، يجب أن تَنصَبَّ الجهود والعمل؛ ليرضى الله عن عباده المؤمنين.
قال تعالى: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ).
كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية الأردن
أ. سالم أبو سبيتان