حزب التحرير ولاية الأردن

حقيقة المــعركة بين الداعين الى الحق وكل ما في الأرض من قوى مضادة

د. خالد الحكيم

بسم الله الرحمن الرحيم

خبر وتعليق

حقيقة المــعركة بين الداعين الى الحق وكل ما في الأرض من قوى مضادة

 

يتساءل كثير من أبناء الامة الإسلامية وخصوصا في سوريا والدول العربية المجاورة لسوريا و المحيطة بكـيان يـهود، بعد طـوفـان الأقـصى وتخاذل الأنظمة العربية عن نصـرتها، وبعد سقوط طاغية الشام مجـرم العصر، وعن واجباتهم ومواقفهم اتجاه المستجدات المتسارعة في المنطقة وعما ينبغي أن تقوم به القيـادة الجديدة في سوريا فيما يخص الحكم في الداخل والخارج وما بعد التمكين في سوريا وخصوصاً من قبل الحاضنة الشعبية والسند الطبيعي للثـورة التي تمتد إلى أبناء البلاد الاسلامية المجاورة في الأردن ولبنان وتركيا التي وقفت مع الثورة في شعاراتها ومشاعرها وعمتها الفرحة بانتصارها واعتبرته نصرا لها على أساس أنها أمة واحدة.

وتساءل الناس، وأدلى بوجهات النظر سياسيون من كافة المشارب وخصوصا من الداعين للإسلام، واختلفوا في المواقف، فيما يجب أن يتم عمله، والواجبات التي يمليها عليهم الواقع الجديد، على ضوء ما حدث وعلى ضوء الاجراءات التي تقوم بها القيـادة الجديدة في سوريا من اتصالات مع الدول الأجنبية والعربية والجدل حول طبيعة الدسـتور وصياغته ومشاركة كافة ما يسمى بمكونات المجتمع، وما تنويه في ما يسمى بالحوارات الوطنية والحكومات الانتقالية حتى يكون النصـر المتحقق كاملا، وحتى لا يلتف عليها بثـورة مضادة، في الوقت الذي يغيب عن هده الشعوب حقوقها كأمة واحدة وأهمها سلطانها المغتـصب منذ سقوط دولة الخـلافة أكثر من قرن من الزمان وكيفية إعادته لها محميا من الزوال مرة أخرى.

فها هي الثـورة تحقق سقوط الطـغاة والفراعنة المستبدين في الشام، ويقف الذين مكنهم الله في الأرض أمام خيارات ومفترق طرق أمام واقع يعلمون فساده ويعلمون من فرضه عليهم، وقد انطلقوا بهدف استبدال الإسلام به، ولكنهم بدل ذلك هالهم الواقع فباتوا يحسبون له الحسابات ويستمدون منه الحلول، لكل ما يظنون من مآلات مستقبلية غيبية، فيضعون العلاجات والحلول حسب أهوائهم وما يسمى بالعقلانية، ويخيبون ظن أبناء الأمة فيهم ويقودونهم إلى التيه والاختلاف والضبابية والدعوة الى حوارات وطنية تجمع كل وجهات النظر من حق وباطل، مع أن الله عز وجل قد بين لهم الصراط المستقيم القويم بقوله سبحانه: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)، فالله تعالى يبين عمل الذين تم لهم التمكين، وبين لهم قبل ذلك التمكين الحقيقي الذاتي الذي لا يوالون به الكـفار ولا الأنظمة التي توالي الكـفار وتدور في فضائها،(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ)، حتى يكون أمان المسلمين والقوة التي تحمي سلطان الأمة خالصة بيد المسلمين فعندئذ يتحقق لهم التمكين الذي يرضي الله عملياً.

ولقد سبق قوله تعالى: (الذين إن مكناهم…) قوله سبحانه: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) فأعمال الذين تم لهم التمكين هو شرط شرطه الله – عز وجل – على من آتاه الملك وهو تطبيق الإسلام كاملاً غير منقوص في كل أحكامه ( أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ)، والتعامل مع المستجد في الواقع الجديد حسب الأحكام الشرعية، فإن لم يفعلوا ذلك ولو في جزء يكونوا قد حكموا بغير الإسلام، فلنا أن نقول أن هذه الفئة ليست هي التي مكنها الله في الأرض، وينتفي عنها صفة التوكيد والتقرير بأنها الجماعة التي أنعم الله عليها بالتمكين، لأن تمكينها يشوبه خلط بين الإسلام وغيره، لأن الآية الكريمة ربطت التمكين الذي هو من عند الله بإقامة الدين كله في المكان الذي تم فيها التمكين.

قال صاحب الظـلال في تفسير هذه الآية: (وللنصر تكاليفه وأعباؤه حين يتأذن الله به بعد استيفاء أسبابه وأداء ثمنه، وتهيؤ الجو حوله لاستقباله واستبقائه، فوعد الله المؤكد الوثيق المتحقق الذي لا يتخلف هو أن ينصر من ينصره. فمن هم هؤلاء الذين ينصرون الله، فيستحقون نصر الله، القوي العزيز الذي لا يهزم من يتولاه؟ إنهم هؤلاء الذين ينصرون الله، إذ ينصرون نهجه الذي أراده للناس في الحياة، معتزين بالله وحده دون سواه، وهؤلاء هم الذين يعدهم الله بالنصر على وجه التحقيق واليقين. فهو النصر القائم على أسبابه ومقتضياته؛ المشروط بتكاليفه وأعبائه. إنه النصر الذي يؤدي إلى تحقيق المنهج الإلهي في الحياة؛ من انتصار الحق والعدل، وهو نصر له سببه، وله ثمنه، وله تكاليفه، وله شروطه. فلا يعطى لأحد جزافا أو محاباة ولا يبقى لأحد لا يحقق غايته ومقتضاه..)

فما بال بعض عموم الناس بل بعض من آل اليهم التمكين ويتبوؤون مقاعد الحكم يتخلون عن أحكام هذا الدين القطعية التي هي من المعلوم بالضرورة من مثل الحكم بما أنزل الله، وتبريرات عقلية تجعل تطبيق أحكام الدين الشرعية بين أخذ ورد ومساومة وظروف دولية ومستعـمرون يسمحون أو لا يسمحون بالإفراج عن أموال المقاطعة وهي بالأصل أموال أهل سوريا مشروطة بمراقبة عدم أسلمة المجتمع، ويـهود الأذلاء والذين ضربت عليهم الذلة والمسكنة، يحتلون مزيدا من أراض المسلمين ويستمرون في حـرب الإبـادة في غـزة، وأناس يضعون مقاييس المنفعة والمضرة بعقليات تستقرىء المستقبل والغيب المظلم الذي لا يعلمه الا الله إن هم طبقوا الإسلام، وما بين الجدل الدائر حول ما إذا كان من الحكمة تطبيق الشرع في ظل هذه الظروف التي لم تصنع إلا بأيدي المستعـمرين الكـفار وعملائهم، مستبعدين جبروت الله وانتقامه بل ونصره على من هم من دونه إن هم أقاموا الدين واستجابوا لله ولطريقة رسوله صلى الله عليه وسلم في إقامة الدولة وتطبيق أحكام الإسلام منذ اليوم الأول في المدينة المنورة.

ألم يسمع الذين يجادلون في الإبطاء من تطبيق الإسلام بعد نصر الله لهم وتمكينهم قول الله تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ)، إنه عتاب مؤثر من الله تعالى للصحابة في حينها؛ واستبطاء للاستجابة الكاملة من تلك القلوب التي أفاض عليها من فضله ؛ فبعث فيها الرسول يدعوها إلى الإيمان بربها، ونزل عليه الآيات البينات ليخرجها من الظلمات إلى النور؛ محذراً من عاقبة التباطؤ والتقاعس عن الاستجابة لأمر الله وتطبيق شرعه، وما تنتهي اليه من القسوة حين تغفل عن ذكر الله وهو كل ما جاء به الإسلام من عقيدة وأحكام، فما وراء القسوة وطول الأمد عن هذا الخشوع والإخلاص الخالص لله سبحانه، ومشاركة أحكام الطـاغوت لأحكام الإسلام إلا الفسق الذي انتهى اليه أهل الكتاب.

لقد آن الأوان لأمة الإسلام وأبنائها، كما آن الأوان للذين مكنهم الله في الأرض، بعد ما رأوا تدبير الله في خلع الطــغاة ونصر الذين انطلقوا في ثـورة هي لله وشعارها “الشعب يريد تطبيق الإسلام” آن الأوان لأن يترجموا معنى الإيمان بالله ترجمة حقيقية، بأن يحققوا ما انطلقوا من أجله من الاستجابة لله، إيمانا يقينيا بأن الحكم خالصا له، وأن النصر من عنده، وأنه وحده الرزاق الكريم، وأن الايمان بالله لا يكون مع الخوف ممن هم دونه، مهما بلغت هذه القوى من عداوة مضادة سواء كانت الولايات المتحدة أو أوروبا أو كـيان يـهود، ولا يتناسب مع الخوف من الأنظمة العمـيلة التي تحـارب الله ورسوله وتعمل على تقويض الإسلام بعلمانية مدنية تطبقها في بلدانها المجاورة لهم، وهم يرون أنها لم تحقق لهم إلا الذل والخسران، وأن الايمان بالله في حقيقته لا يكون إلا بنبذ كل مظاهر الكفر والمعاصي وليس في مراضاة أهل الكـفر والعصـيان، كما يقتضي من من أنعم الله عليهم بالتمكين أن عليهم واجب الدعوة والقدوة لإخوانهم في بلدان الجوار لتطبيق الشـريعة الإسلامية ويعودوا كما كانوا وحدة واحدة في بلاد الشام، استعدادا لطرد كل قوى الكـفر والاستعـمار ودحر كـيان يـهود المنهك في إجرامه لأهل فلسطين وغـزة.

يخاطب الله رسوله صلى الله عليه وسلم وهو خطاب لأمته في قوله تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)، بلى! فمن الذي يخيفه إذا اتخذ مقام العبودية وقام بحق هذا المقام، فمن يشك في كفاية الله لعبده وهو القوي القاهر فوق عباده؟ إن هذه الآيات تصور حقيقة المعـركة التي يجب أن تكون في أذهان كل الذين التبس عليهم الخوف ممن يظنونه يثير الخوف الذي يتمثل بالذين هم من دون الله، إنها تصور المعـركة الحقيقية بين الداعين الى الحق وبين كل ما في الأرض من قوى مضادة، كما تصور الثقة واليقين والطمأنينة في القلب المؤمن بعد وضع هذه القوى في مكانها ووزنها الصحيح.

إن دولة الخـلافة التي يعمل لها حـزبُ التحرير، وينبغي أن يعمل من أجلها من قامت ثـورته وحاضنته الشعبية من أجل تطبيق الإسلام، إنما هي الخـلافة الحقة غير المشوَّهة ولا المشبوهة، والتي تقوم على موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين، أي الدولة التي تُعلي كلمةَ الله حقيقةً وتطبق الإسلام تطبيقاً حقيقياً يُنهي نفوذ الغربِ في بلاد المسلمين، ويمنع دخوله في الأمة مجدداً. هي الدولة التي ستجسد وحدةَ المسلمين وتُحسن الرعايةَ وتعيد للأمة عزتها ورفعتها، هي الدولة التي تُذل الكـفرَ وأعوانه وتُعز الإسلامَ وأهله.

كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية الأردن

د. خالد الحكيم