خبر وتعليق: احتلال قناة بنما أسلوب بلطجي لكنه عمق استراتيجي.
بسم الله الرحمن الرحيم
الخبر: اقترح الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، خلال عطلة نهاية الأسبوع، أن تستعيد الولايات المتحدة قناة بنما، وهي الفكرة التي رفضتها على الفور حكومة بنما، التي سيطرت على الممر المائي الحيوي لعقود..
وفي منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي وتصريحات لمؤيديه، اتهم ترامب بنما بفرض “أسعار باهظة” على الولايات المتحدة لاستخدام القناة، وألمح إلى تزايد النفوذ الصيني على الممر المائي الحيوي، وكتب ترامب على موقع “تروث سوشال”، السبت: “الرسوم التي تفرضها بنما سخيفة، خاصة مع الأخذ في الاعتبار الكرم الاستثنائي الذي منحته الولايات المتحدة لبنما”.CNN
التعليق:
أولا: تعتبر قناة بنما ثاني أهم ممر مائي صنعه الإنسان بعد قناة السويس، وتقع القناة في بنما بأمريكا الوسطى، وتربط بين المحيط الهادئ ومنطقة بحر الكاريبي والمحيط الأطلسي.
كانت السفن التجارية قبل إنشائها مضطرة للإبحار حول الطرف الجنوبي لأمريكا الجنوبية عبر رأس هورن في التشيلي، وهو طريق خطير يضيف نحو 13 ألف كيلومتر إلى الرحلة، ويستغرق من 20 إلى 30 يوماً إضافية حسب الظروف الجوية وسرعة السفن.
ثانيا: مطالبة ترامب وتهديده بالسيطرة على قناة بنما هو لاعتبارات إستراتيجيّة فقد اشترت الولايات المتحدة مقاطعة ألاسكا من الإمبراطورية الروسية وحازت من خلالها موقعا استراتيجيا خطير فضلا عن البعد الجغرافي والثروات والبعد العسكري ولو كانت روسيا تعقل ما أقدمت على هذه الخطورة التي تعتبر بمفهوم الدول اليوم خيانة، فقناة بنما تشكل موقعًا استراتيجيا خطير من خلال السيطرة على ممر مائي كبير وخطير جدا، مع العلم أن جيمي كارتر وقّع في 1977 معاهدة مع الزعيم العسكري البنمي عمر توريخوس منحت بنما سيطرة حرة على القناة لكن احتفظت الولايات المتحدة بحقوق وامتيازات ضخمة فضلا عن النفوذ السياسي لها ليس في بنما وإنما لمبدأ مونرو سيء الذكر حيث قال الجمهوري فورد أوكونيل إن ترامب “يتحدث عن إعادة فرض مبدأ مونرو، أي سيطرة الولايات المتحدة على نصف الكرة الغربي”..
لم يكتف ترامب بهذا وإنما طالب بشراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك لهدف استراتيجي خطير وهو أن القطب الشمالي منطقة رئيسية وخطيرة ومحل صراع حاليا بين القوى المحيطة به حيث تتطلع الولايات المتحدة إلى مواجهة روسيا والصين هناك، خاصة مع ذوبان الجليد الذي يفتح طرق شحن جديدة كما أن المنطقة غنية بالموارد الطبيعية، لذا قال ترامب: أن ملكية الولايات المتحدة للجزيرة “ضرورة مطلقة”.
ولم يقف الأمر عند هذا بل وصف ترامب رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو بأنه “حاكم” كندا، قائلا إنه في حال أصبحت كندا “ولايتنا الرقم 51، فإن ضرائبها سوف تنخفض بأكثر من 60%” و”سوف تتضاعف أعمالها على الفور”.
ولعل الأمر حاليا يقف عند حدود الابتزاز والضغط فقط وأن ترامب يهدف إلى تحقيق تنازلات ضخمة من هذه الدول وليس مقصده توسعة الولايات المتحدة والدخول في مشاكل دولية مع حلفاء لها مثل كندا والدنمارك حيث أكد الكاتب والخبير التركي قدير أوستون “أن تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب حول كندا وبنما وغرينلاند تشير بوضوح إلى أنه سيواصل اتباع أسلوب الضغط على الحلفاء الذين يعتبرهم أضعف، بهدف انتزاع تنازلات تجارية وسياسية، تمامًا كما فعل خلال فترته الرئاسية الأولى.”
ويقول ستيفن فارنسورث؛ أستاذ العلوم السياسية في جامعة مارى واشنطن في فريدريكس بيرج- فيرجينيا، إن كندا لن تصبح جزءا من الولايات المتحدة، لكن تعليقات ترامب تتعلق أكثر بالتأثير لتقديم تنازلات من كندا.. خاصة في ظل البيئة السياسية الهشة حاليا في كندا، فربما يحصل على فوز في التنازلات التجارية أو تشديد الرقابة على الحدود أو أمر آخر.
وختاما: إن فكرة السيطرة والضم حاليا بعيدة، ونادى باحتلالها بعض ساسة الولايات المتحدة خاصة أيام دعم بريطانيا لهم، واعترفت الولايات المتحدة بكندا بحكم الأمر الواقع.
وإن خلف أسلوب ترامب البلطجي سياسية ابتزاز كبيرة تجعل من الدول تقديم كافة التنازلات دفعا لخطر كبير قد لا تستبعده الدول عن عقلية مثل عقلية ترامب ويبدو أن هذا الأسلوب قد حقق لأمريكا الكثير من الامتيازات والمكاسب السياسية والاقتصادية.
كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية الأردن
الاستاذ عبد الحكيم عبد الله