الأردن والاستعداد للمرحلة القادمة
بعد خطاب الملك في افتتاح الدورة العادية لمجلس النواب وردت فيه جملة لا بد من الوقوف عندها وفهمها بدقة، وهذه الجملة هي: (نحن دولة راسخة الهوية، لا تغامر في مستقبلها وتحافظ على إرثها الهاشمي وانتمائها العربي والإنساني، فمستقبل الأردن لن يكون خاضعا لسياسات لا تلبي مصالحه أو تخرج عن مبادئه.) قناة المملكة.
وعبارة: “لا تغامر بمستقبلها” تحمل حقيقة مفهوما خطيراً ودقيقا وهو أنه لن يكون للأردن أي موقف يخاطر فيه بمستقبل النظام، بل السلامة له والمحافظة عليه، والتعبير بدولة مقصده فيها النظام وليست الدولة، وهذا يعني أنه لن يلغي اتفاقية وادي عربة بل سيحافظ عليها لأنها على حد قولهم اعترفت بالحدود الشرقية لكـيان يـهود ولن يلغي العلاقات التجارية والسياسية والأمنية، وكل العلاقات مع كـيان يـهود، ولن يغامر برفض أي مخطط يتعلق بالتسوية ومستقبل المنطقة، فهي رسالة واضحة للغرب على رأسها الولايات المتحدة وإدارة ترامب القادمة وكذلك رسالة للداخل لمن يفهم ويعقل الخطاب، بعيدا عن محاولة تجميل الكلمة بقوله (فمستقبل الأردن لن يكون خاضعا لسياسات لا تلبي مصالحه أو تخرج عن مبادئه.)
فالأردن كـيان وظيفي معلوم للجميع كيف نشأ وما هو الدور الوظيفي له، وهو منفعل بكل مخططات الغرب، وليس له موقف معارض فضلاً أن يكون له موقف ذاتي أو مبدئي فهو من سّلم الضفة الغربية لليـهود، وحمى هذا الكـ يان بكل ما أوتي من قوة، وكان المطبخ السياسي للإنجليز في المنطقة ووكرا لعقد المؤامرات، فعن أي مصالح أو مبادئ يتحدث! إلا إن قصد مصالح الغرب والدور الوظيفي له فيكون الكلام مطابقا لواقعه.
ولعل هذا الكلام يراه البعض غريبا ومستبعدا وأن الحديث هو نوع من التهم والتجني، فأقول: أن الواقع المشاهد والأدوار التي قام بها النظام معلومة غير مجهولة في تاريخه والكل شاهدها وأدركها عياناً والتدليل على معلوم قطعي مدرك حسا هو إهانة للمخاطب والعقل السليم. “فهذا طوفان الأقصى المبارك؛ معلوم موقف النظام منه، ودوره في مد كـيان يـهود بكل الأسلحة الغربية وخاصة الأمريكية من قواعدها في الأردن وكذلك الممر البري التجاري …
فالمرحلة القادمة مرحلة حرجة وخطيرة في ظل يمين أمريكي متصهين وآخر يـ هودي متطرف وهناك مخططات ومؤامرات تستغل الظروف السياسية لمصلحة حل القضية لصالح كـيان يـهود الذي يرى في الظرف السياسي الحالي مناخاً جيدا لتنفيذ أجندته حيث قال وزير المالية الإسـرائلي بتسلئيل سموتريتش وتعهد خلال كلمة ألقاها لتهنئة ترامب بفوزه بانتخابات الرئاسة الأمريكية، خلال ترأسه لاجتماع حزب “الصهيونية الدينية” في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، بأن يكون “2025 عام السيادة الإسـ رائلية على يـ هودا والسامرة (الضفة الغربية)”.
وهذا يعني ضمنا أن مسألة التهجير أمر قائم ومحتمل، وهذه المسألة مسألة التهجير واضح جدا طرحها بقوة لدى اليمين و يتحدث عنها يـ هود ويعتبرونها أمراً ضروريا واستراتيجيا الآن، خاصة أن علاقة إدارة ترامب مع الأردن ليست جيدة كما بين الدكتور مروان المعشر أن لقاء الملك مع ترامب كان فقط في السنة الأولى من ولايته السابقة، ويتحدث كذلك الدكتور محمد أبو رمان في مقال له (وبالرغم من أنّ ترتيب لقاء بين الملك عبد الله وترامب لم ينجح (لأسباب لوجستية) خلال آخر زيارة للملك واشنطن (سبتمبر/ أيلول الماضي)، لكن هنالك اتصالات جرت بين مسؤولين أردنيين وشخصيات بارزة في حملة ترامب الانتخابية حينها …….بالرغم من أن علاقة الملك بترامب في العامَين الأخيرَين من ولايته الأولى اتّسمت بالجمود والفتور الشديد، وغياب أي لقاء شخصيّ مباشر.) العربي الجديد
والنظام في الأردن متفق أصلا مع صفقة القرن ومنسجم معها ولكنه لاعتبارات شعبية وخطورة الأمر عليه يتحدث بخلاف ما يبطنه خوفا على نفسه، ولكن الوثائق والتصريحات، والاعترافات الغربية، والأحداث على الأرض، ومنع نصرة جـيش الأردن وأهله لإخوانهم في فلسطين، والدفاع المستميت عن مبنى سفارة كـ يان يـ هود بآلاف الجنود وحمايته فارغاً، فكيف لو كان فيه السفير وفريقه؟! تكذبه وتجعل تصريحاته كذبا يخالف مجريات الأحداث.
لقد قام النظام بعدة خطوات مهمة وضرورية للتحضير للمرحلة الخطيرة القادمة منها على سبيل المثال انتخاب مجلس النواب والتنوع الكبير في الأطياف السياسية وإدخاله الإسلاميين في مجلس النواب بحصة مقبولة لشرعنة القرارات الخطيرة، كما حدث في اتفاقية وادي عربة مثلا واتفاقية مدريد.
وحتى ندرك حقيقة هذا الفهم انبرى كتاب الصحف اليومية بعد الخطاب يتحدثون عن استقرار الدولة والنأي بالأردن عن المجازفة والمخاطرة وأن الأردن السليم خير لفلسطين، بل أظهر وسط النظام وأزلامه حقيقة الموقف الذين يستعدون له فمثلا بيّن الكاتب الصحفي ماهر أبو طير في مقال له بعنوان (كلام عن أخطر تيارين في الأردن) حيث يقول في مقاله:
“هناك تياران في الأردن يتحدثان بصوت خافت في الغرف المغلقة…..
التيار الأول يقول إن الأردن ليس قادرا على الوقوف في وجه المخططات ولن نستطيع تحدي واشنطن ولا تل أبيب ولا مَن معهما في الإقليم.. وأن إسـرائل في نهاية المطاف ستفرض على الأردن التعامل مع ملف أهل الضفة الغربية إما بالتهجير الكامل إلى الأردن، أو إجبار الأردن عبر واشنطن على إدارة سكان أهل الضفة من خلال حل شكلي بين الأردن وما تبقى من السلطة ….
التيار الثاني يقول إن الحل في وجه التحديات والضغوطات وأزمات الإقليم، إغلاق الأردن وعزله، فلماذا سندفع ثمن قضية شعب آخر، ولماذا نتفاعل مع الوضع بشكل زائد، ولنعتبر أن ما يجري في غـزة والضفة شأن قد يحدث في جنوب “اشكوزيا العظمى”، أو في جزر “الويكي ويكي” حيث إن حماية مصالحنا الوطنية تفرض اليوم الانسحاب من ملفات كثيرة، وليخلع الفلسطينيون شوكهم بأيديهم، أو كمال يقال “فخار يكسر بعضه…. جريدة الغد
وللعلم فقد تحدث عن وجود هذين التيارين وما يقولونه في الغرف المغلقة بعض الكتاب منهم الدكتور محمد أبو رمان وحسين الرواشدة كذلك.
صحيح أن الحديث عن تيارات في الأردن ليس هو موقف رسمي، ولكن هذه الطروحات هي لأصحاب رأي وقوى وعلاقات قوية بالنظام، وتعبر عما يدور في عقله، فضلا أن كلمة لن يغامر بمستقبله لم تأت من فراغ؛ فالأردن الآن يدفع الأمور باتجاه مؤامرة جديدة تتعلق بمصير فلسطين لكنها بتوقيع برلماني متعدد الأطياف والنخب ليكون شريكا في هذه المؤامرة.
كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية الأردن
الأستاذ نادر عبد الرحمن