مصالح الأردن وأهله هي غير مصالح النظام
عندما تتباين مصلحة النظام الحاكم مع مصلحة بلده وشعبه بحيث يقتضي سيرهما باتجاهين متعاكسين، وفي محاولة السير لتحقيق هذه المصالح، يستوجب أن يعمل كل منهما على تقويض عناصر التمكين للطرف الآخر، من هنا يجب فهم أهداف ومصالح النظام الحاكم والخطط السياسية التي ينتهجها والاستقواء على شعبه بالاستناد إلى أعدائه واستخدام أجهزة الدولة في إرهـابه، كما يجب فهم مكامن القوة لدى المحكومين وبلدهم وثرواتهم، كجزء من أمة عريقة صاحبة قيادة عقدية سليمة، وصاحبة سلطان الحكم، كما أنها صاحبة أهل القوة والمنعة، وكيف يمكن أن تهتدي إلى السبيل في تحقيق مصالحها.
لا حاجة للتذكير بما حققته عملية طـوفان الأقصى من بيان ساطع لحقيقة أنظمة الحكم في بلادنا وتبعيتها للغرب الكافر المستعمر وخذلانها لأهل غـزة، وماهية القانون الدولي الطاغوتي وأذرعه، وأكدت للمسلمين عداء وحقد أمريكا وأوروبا الشديدين لهم، ووحشية أداتهم كيـان يـهود. وقد استشعر النظام في الأردن، الخطر على حكمه من جراء حـرب الإبادة الجماعية التي يشنها يـهود في غـزة، وتجسد شعوره بالخطر بشكل أوضح مع تصريحات زعماء يـهود بفرض السيادة على الضفة الغربية ورفض حل الدولتين، ومع مجيء ترامب لحكم أمريكا وموافقته على مطالب كيـان يـهود، ما شكل كابوسا لدى النظام وتهديدا حقيقيا لم تكتمل أركانه في فترة حكم ترامب الأولى عبر ما يسمى بصفقة القرن.
فما يطرح في الإعلام، وما يتحدث به من يسمون بالخبراء والأوساط المحلية يشير إلى أن الأردن جزء من تطلعات نتنياهو وحكومته، واغتنام فرصة عودة حليفه ترامب إلى البيت الأبيض لتنفيذ مشاريعه التوسعية، التي يظن أنها ستعزز من أمن وجود كيـانه الذي تضعضع بعد عملية طـوفان الأقصى والذي تتماهى معه أمريكا، ليس بالضرورة بالتوسع شرقاً، ولكن لربما بتفسير جديد للدولة الفلسطينية لتكون خارج فلسطين، ليشمل فرض التعامل مع الضفة الغربية وبناء جدار عازل وتهجير أهل الضفة إلى الأردن طواعية أو قسراً، مع إدارة أردنية للسكان المتبقين، وربما بإعادة تركيب الأردن سياسياً، بما يتناسب مع المشروع الأمريكي لما بعد غـزة وما يطبخه ترامب بعد مباشرته للحكم.
فهذه المخاوف الحقيقية لدى النظام، استدعت الملك لزيارة بريطانيا بيت الطاعة السياسية للنظام الهاشمي، حيث اجتمع مع الملك تشارلز الذي منحه أعلى وسام ملكي فيكتوري على غير عادة التقاليد البريطانية، كما اجتمع مع رئيس الحكومة كير ستارمر للمرة الثانية خلال أربعة أشهر، وشهدا معاً نتائج فوز ترامب وسارعا بتهنئته كإجراء دبلوماسي، رغم تدني مستوى العلاقات بين بريطانيا وأمريكا، ما يشير إلى أن بريطانيا وعملاءها في توجه للانحناء والتماهي مع سياسة ترامب الأقوى في فترته الثانية، رغم الحديث التاريخي المتكرر بعد الحـرب العالمية الثانية عن العلاقة الخاصة بينهما، وهي إنما علاقة أمنية عسكرية مخابراتية، وليست علاقة سياسية ولا اقتصادية حيث تتسم بالتنافس والصراعات الدولية.
فعلاقة النظام الأردني مع الإدارات الأمريكية هي علاقة إملاءات أمنية عسكرية اقتصادية وخدمة مصالحها وبالتالي مصالح كيـان يـهود، مع التذبذب ارتفاعاً وانخفاضاً بين الإدارة الجمهورية والإدارة الديمقراطية، وعلاقات سياسية ظاهرها الإذعان والتبعية وباطنها الترقب والحذر والتشويش ما أمكن، تماماً كما هو دور بريطانيا السياسي مع الولايات المتحدة، حيث إنها صاحبة الولاء السياسي للنظام الهاشمي، وإرثه منذ نشأته، بقرار بريطاني شكل أبعد نقطة في تاريخ الأردن، حيث سلخته عن تاريخه العريق الذي ينتمي إليه أهل الأردن وهو الدولة الإسلامية وعقيدته الإسلامية.
هنا تبرز أهمية إدراك وتصنيف التهديدات التي تواجه الأردن وأهله ومقدراته الهائلة، فالمخاطر والتهديدات قسم منها يتعلق باحتماليات زعزعة النظام وتقويض استقراره، مع احتمالية استبداله إذا دعت ضرورة المشاريع الاستعمارية الغربية وعلى رأسها أمريكا، وهذه الضرورة تتعلق بموقف النظام في الأردن من المشروع الأمريكي القادم للمنطقة تحت إدارة ترامب، وهنا لا بوادر من النظام بأنه سيتحدى هذا المشروع أو أي حل إذعاني آخر، وربما كان هذا ما عبر عنه الملك في خطابه البرلماني بقوله: “نحن دولة راسخة الهوية، لا تغامر في مستقبلها وتحافظ على إرثها الهاشمي”، فهو بالضرورة يتحدث عن مصلحته في بقائه كنظام حاكم وما يسميه الإرث الهاشمي، كثمن بخس لانخراطه مع المشروع الأمريكي وخدمة مصالح كيـان يـهود، وهي بعيدة كل البعد عن مصالح الأردن ومبادئه وانتمائه، فهذه المخاطر هي التي زج بها النظام نفسه والتي يسخر بها البلاد في مواجهتها.
أما القسم الآخر من المخاطر وهو الأهم فهو الذي يتعلق بالأردن وأهله وثرواته، وتسخير البلاد والعباد والجيـش والأمن منذ نشأة النظام في خدمة المشاريع الاستعمارية الغربية الكافرة ومشاريع تمكين كيـان يـهود ومده بأسباب القوة من مثل معاهدة وادي عربة والاتفاقيات الاقتصادية والأمنية معه، فهذه وظيفة النظام التي أصبحت واضحة كالشمس لكل أهل الأردن، مع وقوفه إلى جانب يـهود في حـرب الإبادة المستمرة في غـزة، والنأي بنفسه عن العمليات البطولية لأبناء الأردن ضد كيـان يـهود وتلفيق التهم الباطلة لكل من يحاول إيذاء كيـان يـهود، وسلخها عن المواقف المشرفة التي ترتبط بانتماء الأمة لعقيدتها الإسلامية، ليؤكد لأهل الأردن أن بقاء الحال على ما هو عليه، ينذر بما هو أسوأ سواء وضع أهل الأردن ومقدراته تحت سيطرة أمريكا وكيـان يـهود، ومصير حالك إذا لم يتم تدارك هذا الوضع والخطر القادم من كيـان يـهود وأمريكا والنظام.
أيها الأهل في الأردن: رغم ما تتهامس به الأوساط السياسية والشعبية في دوائرها المغلقة والتي يرتفع صوتها شيئاً فشيئاً، حول مصير الأردن وأهله والمخاطر التي يتعرض لها من أعدائه وعلى رأسها أمريكا وأوروبا وكيـان يـهود، وتصفية قضية فلسطين، ورغم أزماته الاقتصادية ومديونيته التي تزداد سوءاً يوماً عن يوم، التي يقابلها ما ينطق به أبواق النظام وأجهزته من إعلام ونواب وأعيان ومنتفعين، من إشادة بالنظام على سوء أعماله، لإضفاء هالة من الرهبة والاستبداد على الجو العام، لا يجد أهل الأردن من يتبنى حلاً عملياً يخرج الناس من دائرة سيطرة النظام وإرهـابه واستبداده، رغم ضعفه البادي للعيان، ويقودهم نحو الخلاص الجذري مما يعانون منه من ذل واستكبار واعتداء من قوى الظلم والعدوان على مر الأجيال.
إنكم يا أهل الأردن لن تخرجوا من دائرة المكر والمؤامرات والدسائس التي ينسجها المستعمر الكافر وأذنابه من حكامكم الذين باتوا معروفين لكم، إلا بالعمل لعودتكم الى دولتكم راسخةِ الهوية التي تنتمون إليها، وهي يقيناً دولة الخلافة على منهاج النبوة التي بها عزكم وهي حامية بيضتكم، وطاردة أعدائكم، فلا يغرنكم افتراءات حكامكم وكذب خطاباتهم.
﴿لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾
المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية الأردن
الخميس، 26 جمادى الأولى 1446هـ
الموافق 2024/11/28م