همسات
وفضل العمل بالقرآن أعظم من تلاوته
قررت وزارة الأوقاف خطبة الجمعة الموحدة المفروضة على الخطباء ليوم غد 2/07/2024 بعنوان “فضل قراءة القرآن الكريم”.
في نهجها المعوج لا تزال وزارة الأوقاف تنتهج مواضيع لخطبة الجمعة الموحدة تتعلق بالعبادات الفردية، بعيدا عن مواضيع تتعلق بأحوال الامة والمسلمين وقضاياها والمصائب التي تنزل عليها من قبل أعدائها كيان يهود وحرب الإبادة التي يشنها بالتعاون مع رأس الكفر أمريكا وأوروبا، وتخاذل حكامها عن نصرتها امتثالا لقول الله تعالى: (وان استنصروكم في الدين فعليكم النصر)، وتكتفي بالدعاء وصلاة الغائب منذ عشرة أشهر، لتتجنب الحكم الشرعي بحقها ولسان حالها يتمنى لو أنها تستطيع الغاء هذه الخطبة ولا تتحمل عناء الحرج المفضوح أمام الناس، في توافقها مع النظام واصطفافها الى خندق أعدائها.
ولنا مع هذه الخطبة على أي حال هذه الوقفات:
أنزل الله عز وجل القرآن العظيم في شهر رمضان المبارك كاملاً من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، ثم أنزله سبحانه حسب الوقائع منجماً على رسولنا ﷺ، قال الله عز وجل: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)، فالقرآن هو هدى للناس من الضلالة وبينات من الهدى، فيه الحلال والحرام والمواعظ والأحكام، وفيه التفريق بين الحق والباطل، فالقرآن خاطب كل مناحي الحياة، وما يتعلق بالإنسان من مطعومات وملبوسات وعبادات وما هي أحكام الميراث والطلاق، ما هي العلاقات الداخلية وما هي العلاقات الخارجية، والمعاملات بين الناس، وكيف يكون القضاء وكيف يكون الحكم، ما هي أحكام الاقتصاد والمال، ما هي أحكام الجهاد والقتال، فكانت هذه الآية فاصلة بينة واضحة.
إن الاشتغال بالقرآن الكريم من أفضل العبادات فهو كلام الله تعالى وأساس الإسلام، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ)، وقد وصى رسول الله ﷺ أبا ذر بذلك فقال: “عليك بتلاوة القرآن فإنه نور لك في الأرض وذخر لك في السماء” وقد حذر الرسول الكريم من هجر القرآن فقال: “إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب” لذلك وجب تعاهد القرآن الكريم والحذر من تعريضه للنسيان لحديث الصحيحين: “تعاهدوا القرآن فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها”، وكان من عادته ﷺ أن يأمر أصحابه بحسن قراءة القرآن وكان يقرأ لهم ويقرئهم بحضوره، قال ابن مسعود: “أخذت من في رسول الله ﷺ سبعين سورة من القرآن”.
وكان الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: “كنا نأخذ عشر آيات من رسول الله لا نتجاوزهن فنتعلمهن ونعمل بهن وندعو إليهن”، وإن من التعلم إحسان التلاوة والتدبر ومعرفة الأحكام، والمرتبة الثانية هي وجوب العمل بالقرآن، فهو قد أنزل لذلك وليس للتلاوة والصلاة به فحسب. ولا يكتمل العمل بالقرآن إلا بالدعوة إليه، فكل مسلم داعية، قال رسول الله ﷺ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً».
غير أن عملنا تجاه القرآن، لا يتوقف عند حد التلاوة، بل لا بد من التدبر بالوقوف على مراميه وما يطلبه منا، ففي القرآن العقيدة والأحكام والتبشير بالجنة ونعيمها والإنذار من النار وجحيمها، وفيه قصص الأمم السابقة للعظة والاعتبار، فهذه الامور ما يجب أن يلتزم بها المسلم كل حسب ما يجب عليه فيها، وبذلك وجب العمل بعد التدبر.
فأيهما أعظم أجرًا قراءة القرآن أم العمل بالقرآن؟ وأيهما أعظم مصيبةً أن نترك قراءة القرآن أم أن نقرأ القرآن، ولا نطبق منه حرفًا، ونحملُه، ولا نفقه منه كلمة واحدة؟
فعلى قارئ القرآن وحامله أن يتقي الله في نفسه، وأن يخلص في قراءته، ويعمل به، وأن يحذر من مخالفة القرآن، والإعراض عن أحكامه وآدابه، لئلا يلحقه من الذم ما لحق اليهود الذين قال الله فيهم (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارا)،
فيا أيها المسلمون.. الذين تتلون آيات الله والذي تحثكم خطبة الأوقاف الى فضله، ألم تقرأوا قول الله تعالى: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)؟ وقوله: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)؟ وقوله: (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ)؟ وقوله :(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا)؟ وقوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)، فتعلموا أن حكامكم لا يحكمون بما أنزل الله وأنهم يصطفون الى جانب أعدائكم اليهود في حربهم على إخوانكم في فلسطين، وهم يوالون الكفار المستعمرين أمريكا وأوروبا عندما يشاركون حلف الناتو عدو الإسلام والمسلمين عندما يسخرون لهم بلاد المسلمين وقواتهم في حربها عليكم.
نعم أنزل الله عز وجل القرآن على رسوله ﷺ ليحكم به وتحكم به أمته من بعده، فالإسلام هو الدين الذي ينظم علاقة الإنسان بربه وبنفسه وبغيره من الناس. والإسلام هو الاستسلام لله عز وجل بوحدانيته والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله. فأين نحن من العمل بالقرآن بالاحتكام وبالدعوة إليه؟! وهي الذي تصرفه خطب الجمعة عن أذهانكم ومسامعكم.
فإلى أهل الله وخاصته، أهل القرآن، إلى قارئيه وحامليه والمقبلين على حفظه، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ (..والقرآن حجة لك أو عليك كلُّ الناسِ يَغدو فبائعٌ نفسَه فمُعتِقُها أو موبِقُها)، أي يَكونُ بتِلاوتِه والعملِ به حُجَّةً مع صاحبِه يومَ القيامةِ، ويَكونُ بِتَركِه دُونَ عَملٍ أو تِلاوةٍ حُجَّةً وخُسرانًا على صاحبِه، وكلُّ إنسانٍ يَسعى بنفسِه إلى طاعةِ اللهِ، فيكونُ مُنقِذًا لها منَ النَّار، أو يَسعَى بنفسِه إلى طاعةِ الشَّيطانِ وهَواه، فَيُهلِكُها بدُخولِها النَّارَ.
فالواجب علينا أن نعمل بالقرآن نطبقه في حياتنا لا أن نقف عند حد تلاوته رغم فضلها كما تركز عليه خطبة الأوقاف دون لفت النظر الى أهمية العمل بالقرآن وفضله بالتأكيد واجب وأعظم، وكان لابد وحتى نحتكم للقرآن كاملا أنه لا يمكن أن نعيش في ظل نظام علماني يقصي الدين والقرآن عن الحياة ولا بد أن يكون النظام أساسه العقيدة الإسلامية وتشريعه مصدره القرآن والسنة وما أرشدا إليه من إجماع الصحابة والقياس الشرعي.
وحتى يتم ذلك لا بد أن نعيد الحكم بما أنزل الله من جديد مع رجل يبايَع على كتاب الله وسنة رسوله؛ خليفة للمسلمين، فهو السبيل الوحيد الذي نرفع به الإثم من أعناقنا. فإلى القرآن والعمل به ندعوكم أيها المسلمون..
(إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا)