مقال: الذهب والأسعار الجنونية!
الذهب والأسعار الجنونية!
إن ارتفاع أسعار الذهب بهذه الطريقة الجنونية غير معهود في أسواق المال العالمية، إذ إن السعر الطبيعي يزداد حسب العرض والطلب وحاجة الأفراد والدول إلى سلعة معينة، والتي منها الذهب الذي أصبح، للأسف، سلعة تُباع وتُشترى في الأسواق والبورصات والبنوك. ومن ينظر إلى سعر الذهب منذ بداية معاهدة بريتون وودز وما قبلها بقليل، يجد أن قيمة الأونصة كانت تتراوح حول 35 دولارًا للأونصة الواحدة. ومنذ ذلك الوقت، تعهدت أمريكا باستبدال أي قيمة من دولاراتها التي تجوب العالم بكمية من الذهب، وكانت على استعداد لذلك الاستبدال. وبقي الأمر صعودًا ونزولًا في سعر الذهب ضمن الحد المعقول حتى وصل إلى ما يُسمى صدمة نيكسون عام 1971، إذ ألقى خطابه الشهير الذي سُمِّي بخطاب الصدمة وأنهى بموجبه استبدال الذهب بالدولارات الأمريكية، معلنًا أن أمريكا غير مستعدة لاستبدال جديد للدولارات به. وهذا نكث لأحد مقررات مؤتمر بريتون وودز الذي تعهدت به أمريكا بأن تستبدل الذهب لمن يريد استبدال الدولارات بالذهب.
وعليه، أُقصِيَ الذهب عن موقعه كملاذ آمن عالميًا ورصيد لكل نقد متداول، وأصبح سلعة مثل أي سلعة أخرى تُباع وتُشترى، وهو قابل للمضاربة وللزيادة والنقصان في السعر بناءً على الأحداث السياسية والجيوسياسية، والمضاربات في عالم البورصات وبين تجار الذهب والدول عندما تشتد الأزمات السياسية، وكان هذا جليًا في الألفية الثالثة وظهر واضحًا مع أحداث سبتمبر 2001 وضرب أبراج نيويورك وحرب أفغانستان والعراق، ومن ثم أزمة الرهن العقاري عام 2008. وعليه، استمر الذهب في الصعود بشكل غير طبيعي، إذ كان من المحتمل أن يصل ثمن الأونصة الواحدة إلى 1000 أو 2000 دولار، لكنه الآن تجاوز ثمن الأونصة الواحدة 4000 دولار. وهذا السعر هو بيت القصيد في هذا المقال؛ إذ إن هذا السعر لا يتطابق مع العرض والطلب في أسواق المال، لا اقتصاديًا ولا سياسيًا، مما يدل على أن هناك أحوالًا سياسية مضطربة وغير مستقرة أفضت إلى هذا الارتفاع الجنوني في سعر الذهب ومضاربات كبيرة على المستوى العالمي والدولي.
ونستعرض هنا بعض العوامل المؤثرة في ارتفاع أسعار الذهب:
1- الأسباب الجيوسياسية، مثل: الحرب الأوكرانية، وحرب غزة، والتوتر بين الصين وأمريكا حول تايوان.
2- تقلبات قرارات ترامب السياسية والاقتصادية.
3- التضخم العالمي.
4- ضعف الدولار الأمريكي كعملة تداول أولى عالميًا.
5- ضعف النمو الاقتصادي العالمي.
6- الهروب نحو الذهب كملاذ آمن.
7- أسعار الفائدة على القروض.
8- ازدياد الطلب من البنوك المركزية على شراء الذهب.
وبالنظر في مجمل العوامل آنفة الذكر، نرى أن للمستثمرين والبنوك المركزية دورًا كبيرًا في ازدياد الطلب على شراء الذهب. وبناءً على قاعدة العرض والطلب، واعتبار الاقتصاد الرأسمالي أن الذهب سلعة تُباع وتُشترى، فإن ذلك ساهم بشكل كبير في زيادة سعر الذهب لأسعار غير متوقعة. ولكن، هناك، في عالم الأسواق الرأسمالية العالمية، غالبًا ما تلعب المضاربات بشكل خفي في ارتفاع الأسعار أو انخفاضها بشكل جنوني وغير طبيعي، بما لا يتناسق مع قواعد السوق المعروفة للمتابعين.. وهذا ما يدفع الكثير من المستثمرين والبنوك المركزية وغيرهم التحوُّط والذهاب لشراء الذهب؛ لأنه، في حقيقته، الملاذ الآمن عالميًا.
وفي النهاية، لا بد من استعراض أحد أهم الحلول لارتفاع أسعار الذهب، بل ومكانة الذهب الحقيقية تاريخيًا من وجهة نظر الإسلام كمبدأ عالمي لديه حلول لمشكلات العالم سابقًا ولاحقًا، ومنها واقع الذهب كملاذ آمن للعالم أجمع واحتياطي لكل دولة تقرر طباعة أوراق نقدية بديلة، أي نائبة عن الذهب للتداول في الأسواق عالميًا بين الناس. وعليه، فإن من يستطيع ذلك فقط هو دولة الخلافة الإسلامية التي ستعيد، حال قيامها، للذهب مكانته كاحتياطي ونائب للنقد الدولي، أي إن كل نقد يُصك ويُطبع يجب أن يمثله مثقال وغرامات معينة في البنك المركزي، أي بيت مال المسلمين. وهذا ليس اجتهادًا شخصيًا واقتصاديًا، وإنما هو حكم الشريعة الإسلامية ودستور دولة الخلافة الإسلامية.
كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية الأردن
ا. وليد حجازي