حزب التحرير ولاية الأردن

مقال: الحاجة إلى القيادة الواعية المخلصة أهم من الحاجة إلى الماء والغذاء والدواء!

الحاجة إلى القيادة الواعية المخلصة أهم من الحاجة إلى الماء والغذاء والدواء!

 

         عصفت بالأمة الإسلامية أحداث عظيمة وكبيرة منذ هدم الخلافة الإسلامية عام 1924م-1342هـ، وما زالت الأحداث الجسام تتوالى وتتابع كضربات المطرقة على رأس الأمة، وليس آخر تلك الأحداث مجازر يهود في غزة وفلسطين وغيرهما، ولا جرائم الإبادة والقتل الجماعي والاغتصاب والتشريد في السودان؛ ذلك أنّ الأمة بفقدان الخلافة فقدت الراعي الحقيقي الواعي المخلص، وبفقدانه فقدت كثيراً من الأمور المهمة، منها:

1-وحدتها، فصارت مقسمة في عشرات الكيانات الهزيلة التي لا يقوى أحدها على الدفاع عن نفسه، وتمزقت إلى وطنيات وقوميات جاهلية، وفقدت أخوة الإسلام، ولم تعد حربها واحدة ولا سلمها واحدة.

2-سيادة الشرع، فلم تعد تُحْكَمُ بالإسلام، وصارت تُحْكَمُ بأنظمة مستوردة من الغرب والشرق، فوقعت في غضب الله تعالى، وفقدت توفيقه ونصرته وعونه.

3-سلطانها، ففقدت إرادتها، وأصبحت الدول الكافرة المستعمرة تتحكم في إرادتها، وتنصّب عليها من الحكّام ما يناسبُ مقاييس الغرب، فينفّذون مخططاته، ويتآمرون معه على الأمة، فينهبون ثرواتها ويمنعونها من السعي نحو النهضة والتغيير.

4-ثرواتها، فلم تعد هي المتحكّمة فيها وفي استخراجها والانتفاع منها، فانتشر فيها الفقر انتشار النار في الهشيم، وتسير أوضاعها من سيئ إلى أسوأ، ولم يعد لديها أمل في وقف هذا الانحدار المتسارع.

5-الفكر الصحيح وطريقة التفكير الصحيحة، ويبدو أنّ هذه الخسارة هي أكبر الخسائر، ذلك أنّ الأمة الإسلامية مرّت عبر تاريخها الطويل بأحداث جسيمة كتلك التي نراها اليوم؛ لكنها -بفضل امتلاكها الفكر الصحيح وطريقة التفكير الصحيحة- سرعان ما استعادت عزّتها وكرامتها ووحدتها ومكانتها.

         لقد كانت الأمة الإسلامية أمّة واحدة من دون الناس كما أرادها الله سبحانه وتعالى، حربها واحدة وسلمها واحدة، تطبّق رسالة ربها في الداخل، وتحملها إلى الناس كافة لإخراجهم من الظلمات إلى النور، تحمل إليهم مشاعل النور والهدى والعدل، والقيم السامية الراقية.

         شتان بين الأمس واليوم، لو نظرت إلى بلاد المسلمين لرأيت أنموذجاً واحداً متكرراً فيها جميعها دون استثناء:

1-حاكماً بأمره؛ بل بأمر أسياده، يصنع من نفسه إلهاً من دون الله، فهو خطٌّ أحمر لا يجوز الاقتراب منه أو المسّ به، يفعل ما يشاء دون رقيب أو حسيب، يمكّن الغربَ الكافر من ثروات الأمة، ويتمتّع هو وحاشيته بما يتركه لهم الغرب من فتات، يحسبون البلد مزرعة لهم ولاحتكاراتهم.

2-سفارات للدول الكبرى المتحكّمة في البلاد والعباد، وكثيراً من القواعد العسكرية الغربية في أكثر بلاد المسلمين، يصولون ويجولون ويفعلون ما يشاؤون.

3-حدوداً رسمها الكافر المستعمر جعلت كل بلد من بلاد المسلمين كالحظيرة التي يتحكّم (مالكها) في هذا الجزء من الأمة، ممزّقاً الأمة إلى مزق ضعيفة، يفرض هذا (المالك) على الناس بأنْ يتغنّوا بكذبة (الوطن) التي جعلوا كثيراً من الناس يصدّقونها، ويمكن أن يحارب بعضهم بعضاً للدفاع عن (الوطن).

4-جيوشاً لحماية الحاكم بأمره وحماية نظامه، تفعل ما يأمرها به الحاكم حتى لو كان البطش بالناس، وحُجّة أحدهم أنّه عبد مأمور، ظانّاً أنّ هذا القول ينفعه عند الله تعالى، وينجّيه من عذاب الله، وكأنّه لم يسمع قول الله تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)، [سورة النساء/93].

5-فقراً مدقعاً يئنّ الناس تحت وطأته، وبطالة عامة شاملة، بينما ينهب الغرب ثروات الأمة، وينهب الحكام وحاشيتهم وأزلامهم ما تبقّى منها.

6-خوفاً شديداً من بطش الأجهزة الأمنية، فقد ضمن الكافر المستعمر بوجود الحكام الرويبضات وأجهزتهم الأمنية- ضمن سيطرته على الأمة الإسلامية كي لا تقوم لها قائمة من جديد.

7-جهلاً وانحطاطاً فكرياً، فلم يعد الفرد في بلاد المسلمين يفكّر بأكثر من لقمة عيشه وعيش أسرته، وبالبعد عن سطوة الأجهزة الأمنية حتى لا تؤذيه ولا (تقطع رزقه) على حدّ ما هو شائعٌ بين الناس، وغابت عنهم عقائد الأجل والرزق والقضاء والقدر وغيرها.

         أمام هذا الواقع المرير للأمة الإسلامية كان واجباً على كل مسلم أن يفكّر بشكل صحيح، وأن يبحث عن طريقة التفكير الصحيحة المثمرة، فإذا كان أي عملٍ -مهما صغر- يحتاج لفكرة صحيحة عنه ليتم بالشكل الصحيح؛ فما الظنّ بالأعمال الكبيرة؟ وما الظنّ بأعمال النهضة والتغيير الشامل؛ التي تحتاج إلى أفكار مبدئية وشاملة؟

         ومع أنّ الأمة الإسلامية لم تيأس، وحاولت تغيير هذا الواقع الفاسد، وليس أدلّ على ذلك مما سُمّي بـ (ثورات الربيع العربي)؛ لكنّها كانت في كل محاولة تفتقد الأفكار الصحيحة للتغيير والنهضة، وتفتقد أمراً أخر لا يقلُّ أهميةً عن الأفكار الصحيحة؛ وهو القيادة الواعية المخلصة، التي تتمثّل فيها تلك الأفكار الصحيحة، وتتّسم بالإخلاص الخالص الذي لا تشوبه شائبة، تضحّي بنفسها وبكل ما تملك حفاظاً على الأفكار الصحيحة، ولا تبيع نفسها ولا أمتها بثمن مهما كان غلا ذلك الثمن، وتتمتّع بالوعي السياسي، فيتّسع أفقها لتنظر للعالم كله من زاوية مبدئها الصحيح، مبدأ الأمة الإسلامية: الإسلام، فتتخذ من العقيدة الإسلامية ومفاهيمها منظاراً تنظر به إلى الواقع، ومقياساً تقيس به الأحداث والأعمال، وتقوم بتنزيل أفكار الإسلام وأحكامه على هذا الواقع لأجل تغييره التغيير الصحيح وإحداث النهضة الشاملة للأمة الإسلامية، لتعود أمة واحدة من دون الناس، تقيم أحكام الإسلام، وتحمل الإسلام إلى الناس كافة.

         إنّ التغيير والنهضة في الأمة الإسلامية لا يمكن أن يكون إلا بالمبدأ الإسلامي، وهو العقيدة العقلية الصحيحة التي ينبثق عنها النظام الصحيح، ولا بد للتغيير والنهضة من قيادة واعية مخلصة، فالحاجة إلى القيادة الواعية المخلصة أشد من الحاجة إلى الماء والغذاء والدواء، ليكون عمل هذه القيادة الواعية المخلصة وعمل الأمة كلها خالصاً لله سبحانه وتعالى، فإنّ من المسلّمات عند المسلمين أنّ النصر من عند الله، ولم ينتصر المسلمون يوماً إلا بالله وبنصر الله إياهم، فإنْ نصروه نصرهم، وإنْ ابتعدوا عنه خذلهم ولم يجدوا لهم ناصراً غيره: ]إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ[ [سورة آل عمران/160].

فيا أيها المسلمون: قد آن لكم أن تنفضوا عن أنفسكم غبار الذل والهوان والضعف والاستسلام، وقد آن لكم أن تتخذوا قراركم وتستعيدوا وحدتكم وعزكم برضوان ربكم، فهو أمر يستحق التضحية، ويستحق أنْ نرمي بالدنيا وراء ظهورنا، وأن نوجّه أبصارنا إلى رضوان ربنا، ففيه سعادة الدنيا والفوز بالجنة في الآخرة والنجاة من النار، ولن نكلّفكم عناء البحث عن القيادة الواعية المخلصة، فهذا حزب التحرير بينكم ومنكم، نذر نفسه لتحقيق النهضة على أساس الإسلام، فانصروه وبايعوه على الحكم بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

 

كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير- ولاية الأردن

أ. عبد الله أحمد