الديمقراطية فكرة خيالية وخرافة سياسية (فاسدة عقلا وباطلة شرعا)
عبد الحكيم عبد الله
بسم الله الرحمن الرحيم
تعليق صحفي
الديمقراطية فكرة خيالية وخرافة سياسية (فاسدة عقلا وباطلة شرعا)
كتبه: الأستاذ عبد الحكيم عبد الله
يقول الدكتور محمد أبو رمان في مقال له بعنوان وماذا عن سمعة “الديمقراطية الغربية” عربياً؟
((بعيداً عن الدليل الهشّ غير العميق الذي يقترحه دايموند في مقاله ( كيفية إنهاء الركود الديمقراطي) لمواجهة حالة الركود الديمقراطي، فإنّ أكثر ما يثير الاستغراب فعلاً في هذا المقال الذي يأتي بعد عام على “طـوفان الأقـصى” وما تلاه من إبادة للشعب الفلسطيني في غـزّة، من إسـرائيل وبدعم أميركي، وما أثاره ذلك من حـ راك جامعي وشبابي ودولي، واهتزاز كبير في القيم الإنسانية والأخلاقية والديمقراطية العالمية، ذلك كلّه لم يأت البتة على سرده أو تحليله المؤلف، بالرغم من أنّه يشكّل الأزمة العالمية الكبرى في مدى مصداقية الخطاب الأميركي والغربي نحو الديمقراطية، ومدى الثقة فيه، فعن أيّ ديمقراطية يمكن أن تتحدّث الإدارات الأميركية مع الشعوب العربية والمسلمة ومع جيل الشباب، الذي، كما يقرّ تقرير مسرّب من السـفارة الأميركية في الأردن، لوزارة الخارجية الأميركية، بأنّ الأميركيين قد خسروه بسبب مواقفهم في حـرب الإبـادة في غزّة!).
نشر في العربي الجديد العدد الصادر أخيراً لمجلة الشؤون الخارجية الأمريكية (Foreign Affairs)).
وتعليقاَ على ذلك نقول:
الديمقراطية خرافة سياسية، لكن، قبل بيان كونها فكرة خيالية وخرافة سياسية لا بد لنا من بيان واقعها كما هي عند مفكريها.
فالديمقراطية هي حكم الشعب للشعب وبتشريع الشعب، وقد انبثقت عن عقيدة فصل الدين عن الحياة بعد صراع طويل ومرير بين مفكري الغرب حول الدين في الحياة نتيجة تحكّم رجال الدين في أوروبا بكل مفاصل الحياة، وقتل العلماء والمفكرين. …. فخرجوا بعقيدة الحل الوسط وهي فصل الدين عن الدولة التي قامت على أساس فكرتي:
1- السيادة للشعب.
2- الشعب مصدر السلطات.
ونادت بالحريات الأربع وهي:
1- حرية الاعتقاد.
2- حرية التعبير.
3- حرية التملك.
4- الحرية الشخصية.
هذه نبذه قصيرة عن الديمقراطية عند أصحابها وليس كما يروج لها في بلاد العالم الإسلامي.
أما بيان كونها فكرة خيالية؛
فالفكرة إما أن تكون مطابقة للواقع، أي لها واقع متصور بالذهن، بغض النظر عن صحتها وفسادها، وإما أن تكون فكرة خيالية لا واقع لها، نتيجة فسادها في أساسها الفكري، فهي لم توجد ولن توجد أبدا، وبالتالي غير قابلة للتطبيق، فإن اجتماع الشعب كله في مكان واحد على الدوام للنظر في كل أمر من شؤون الحياة مستحيل، وأن يتولى الشعب كله الإدارة والحكم كذلك مستحيل، لذا احتالوا على فكرة الديمقراطية بما يسمى رئيس الدولة والحكومة والبرلمان المنتخب من قبل الشعب، وهم في أحسن الأحوال في ظل انتخابات نزيهة حكم الأقلية.
أما كونها خرافة سياسية؛
فالخرافة هي فكرة قائمة على تخيلات دون وجود تصور ذهني لها بل الواقع يكذبها، والخرافة وسيادتها تعود لأسباب كثيرة جدا وقد تكون للأسف في بعض الحالات أقوى من الحقيقة، وكونها سياسية لأنها تمارسها السلطة لمحاولة إقناع الشعوب بدورها في الحكم والإدارة، وأنها صاحبة السيادة ومصدر السلطات لإعطاء هالة من القداسة على تلك الخرافة.
هذا من ناحية عقلية أما بطلانها شرعا وحتى لا نطيل الحديث، فإن السيادة في الإسلام على تنوع تعريفها كما جاء في كتاب (قواعد نظام الحكم في الإسلام) هي: “السلطة العليا المطلقة التي تفردت وحدها في إنشاء الخطاب الملزم بالحكم على الأشياء والأفعال”.
فالسيادة في الإسلام للشرع وليست للأمة، فالله تعالى وحده المشرع، ولا تملك الأمة كلها أن تشرع حكماً، وهذه المسألة معلومة من الدين بالضرورة ونذكر للتدليل عليها قوله تعالى: (ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان: إن الحكم إلا لله، أمر ألا تعبدوا إلا إياه، ذلك الدين القيم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون).
وقال تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله). وقد جاء في تفسير هذه الآية عن عدي بن حاتم ــ رضى الله عنه ــ قال: أتيت رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: «يا عدي، اطرح هذا الوثن من عنقك!»، قال: فطرحته؛ وانتهيت إليه وهو يقرأ في سورة «براءة» فقرأ هذه الآية: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله)، قال، قلت: يا رسول الله، إنا لسنا نعبدهم!، قال: «أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟ ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟» قال قلت: بلى، قال: «فتلك عبادتهم».
والحديث هنا حول محاولة تضليل الأمة، وإظهار المشكلة أنها مشكلة سلطة وإساءة تطبيق وتناقض بين الفكرة والسلطة وأنها مشكلة خطاب، وعدم بحث أساس المشكلة وهو فساد الفكرة الرأسمالية والنظرة الغربية.
صحيح أن هناك مشكلة في الخطاب ومشكلة في التطبيق، فالولايات المتحدة اليوم انقلبت على مبدأها، وأصبح الاستـعمار غاية بحد ذاته وليس طريقة نشر المبدأ، فهي انقلبت على مبدأها في أكثر منّ قضية وخاصة مرحلة ترامب الذي قام بالتدخل السافر لحماية الاقتصاد الأمريكي، ورفع التعرفة الجمركية، وتهديد الدول، وأما مسألة حقوق الإنسان فجعل منها ترامب نكتة سمجة فضلا عن دعمه المطلق لأنظمة دكتاتورية لأجل مصالح أمريكا.
لكن مسالة الخطاب وإساءة التطبيق تكون مطلوبة وذات أثر إيجابي وينبني عليه محاسبة وتوجيه إذا كانت الفكرة صحيحة وذات أساس سليم، أما في حالة فساد أصل الفكرة، وفساد وجهة النظر الغربية، فالمسألة تحتاج تغيير جذري لوجهة النظر كلها وإيجاد فكرة حضارية إنسانية بديلة، ترتقي بالإنسان وتنهض به نهضة صحيحة دائمة.
هذا ما يجب الحديث عنه، ففساد الأصل قطعاً ينبني عنه فساد الأثر والفرع، والسلوك والتطبيق، ويكون الحديث عن مشكلة الخطاب وإساءة التطبيق في هذه الحالة هو تضليل وخداع.