حزب التحرير ولاية الأردن

مقال: العقيدة الإسلامية لا تنفصل عن الكـفاح والنـضال غـزة في مقدمة الصفوف

بسم الله الرحمن الرحيم
العقيدة الإسلامية لا تنفصل عن الكـفاح والنـضال غـزة في مقدمة الصفوف

 

إن العقيدة الإسلامية تعني الجزم والقطع واليقين في ثوابتها، وتضيف العقيدة إلى المعنى اللغوي معنى شرعياً تجعل من يعتنقها صاحب أكثر المواقف صلابة وأكثرها كفاحاً، وتجعل من المسلم شخصية متميزة ومتفردة، فترتقي بالإنسان من درك الحيوان إلى تلك الشخصية التي تفرضها تلك العقيدة.

وهذه العقيدة تصوغ الإنسان صياغة متميزة تجعل منه فكرة مطابقة لها ونسخة منها، فهذا عمر بن الخطاب؛ ماذا كان في الجاهلية وكيف أصبح بعد الإسلام؟ وكذلك كل من آمن بتلك العقيدة، فما سر هذه العقيدة التي ارتقت بالعرب في الجاهلية إلى عظماء الإسلام وقادته؟ بل وجعلت من مقــاومة اليوم (غـزة) وهي قليلة العدد والعدة والعتاد إلى قوة تصارع الكفر أجمعه ومعهم منافقي اليوم؟ حيث جعلت منهم حديث الإعلام العالمي، فأعادت للأمة الإسلامية نظرة الإعجاب والقبول بتلك المواقف البطولية التي تخشى منها دول الكفر وكياناته، حتى فكر قادة الكفر باجتثاث تلك المقـاومة بسبب ما أصابهم من نظرة سوداوية وتحقير ورفض لهم ولحضارتهم حضارة الغاب، وقد غفل قادة الكفر متناسين أو غير مدركين لطبيعة هذه العقيدة التي أنتجت تلك الرجال.

إن العقيدة الإسلامية ببساطة دون تعقيد الألفاظ والكلمات وترتيب المقدمات هي أن الكون والإنسان والحياة مخلوقة لله تعالى، وأنه تعالى مدبر الكون كله، وأن فترة بقاء الإنسان قليلة، وهي دار ابتلاء وعمل، فضلا عن كونها فانية كلها، وأن الإنسان سيبعث يوم القيامة بعدما كلفه الله بأوامر ونواه ليحاسب على طاعته وعصيانه ومخالفة أمره، فإما جنة عرضها السماوات والأرض، وإما جهنم والعياذ بالله، وقد بين سبحانه وتعالى في كتابه العزيز ما أعدّه للمؤمنين، قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، وبين ما أعده للكافرين والمخالفين لأمره من عذاب، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36) يرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ).

وعالجت تلك العقيدة مخاوف النفس الإنسانية بما تفرضه غريزة البقاء حيث يخشى الإنسان على رزقه وأجله، فجعل الله الرزق بيده وحده، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّى ٰتُؤْفَكُونَ)، وجعل الموت بيده بانتهاء الأجل، قال تعالى: (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ).

هذا سر تلك العقيدة التي ترتقي بالإنسان من ضعفه إلى قوته من كونه إنسانا إلى فكرة لا تموت ولا تنتهي بموت أفرادها وكل معتنقيها، بل هي فكرة ولادة تحيي جيلا بعد جيل وتنتج رجالا في كل عصر وحين.

هذه العقيدة جعلت من عبد الله بن مسعود رضي الله عنه -وكان دقيق الساقين، فجعلت الريح تكفؤه- فضحك القوم منه، فقال رسول الله ﷺ: “مم تضحكون؟”، قالوا: يا نبي الله من دقة ساقيه، فقالﷺ: “والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أُحد” نعم إن قدماه أثقل عند الله من جبل أحد، أتعلمون لماذا التشبيه بجبل، لأنه يدل على قوة الشيء أو ثباته أو عظمته، فعبد الله بن مسعود رضي الله عنه لم ينل تلك المنزلة بسبب دقة ساقه، بل بسبب قوة ورسوخ عقيدته التي أنتجت مواقف بطولية. فعن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: كان أول من جهر بالقرآن الكريم بمكة بعد رسول الله ﷺ عبد الله بن مسعود، فقاموا يضربونه في وجهه والدماء تسيل منه وهو يقرأ، حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ.. ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثروا بوجهه حينما رأوا الدماء تسيل منه… فقالوا: (هذا الذي خشينا عليك منهم)، فقال كلمات سطرها التاريخ: (ما كان أعداء الله قط أهون علي منهم الآن.. ولئن شئتم غاديتهم بمثلها غدًا).

تلك المواقف التي نراها كل يوم من مقـاومة الرجال والأبطال في غـزة وغيرها من بلاد الإسلام، إنما هي مواقف فرضتها العقيدة على يد من آمن بها وصدقها تصديقا جازما وقام بما أوجبته تلك العقيدة من أحكام.

ولعل قائل يقول أليست تلك العقيدة عند جميع المسلمين؟ فلماذا مواقف البقية والأغلبية ذليلة؟! والجواب صحيح أنهم مسلمون، لكنهم لم يفعّلوا تلك العقيدة، ولم تتبلور مفاهيمها عندهم بحيث تؤثر على السلوك، فشتان من يلفظ بالفكرة لفظا وقبولاً دون إدراك مفاهيمها، وبين من صدقها تصديقاً جازما مطابقا للواقع عن دليل، فكم منا من يقول الرزق بيد الله ويخشى على رزقه من كلمة أو موقف؟! ومن يقول الأجل بيد الله ويخشى على حياته! فأين تلك العقيدة منه؟

إن مواقف المقـ اتلين في غـزة حجة علينا يوم القيامة، فأين حجتنا أمام الله ونحن نرى مواقف يعجز اللسان عن وصفها؟ وعن بطولات أشبهت بداية الإسلام وبوزع حضارته؟

إن الأمة اليوم أمام أيام صعبة وقرارات مصيرية يخطط فيها الكافر لترتيب المنطقة حسب مصالحه ومفاهيمه وإنهاء القضية حسب رغبات يهود، فأين أمة العقيدة وأين مفاهيم النضال والكفاح؟ وأين مفاهيم الرزق والأجل؟ فوالله إنها لجريمة كبرى أن يتجرأ الكافر ويتقدم ويتراجع المسلمون أصحاب العقيدة الحية التي أنارت السماوات والأرض، وأنتجت رجالاً من جنسها ترتقي علو السماء كالشاهين، وتركت الأرض للحشرات تزحف دونها تختبئ تحت التراب أو بين الأحجار.

كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية الأردن
أ‌. حسن حمدان