حزب التحرير ولاية الأردن

كيان يهود ليس دولة عظمى

رغم الانطباع الذي يحاول كيان يهود إرساءه في عقول العرب والمسلمين بأنه دولة عظمى وقوة جبارة، وظهر ذلك من خلال خطاب نتنياهو في الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث تقمص دور الأستاذ للعالم بل (حضرة الناظر) كما يقول أشقاؤنا المصريون، وأيضاً عبر عمليات البيجر واغتيال قيادات حزب الله وحماس في الخارج وآخرها اغتيال حسن نصر الله وكأن كيان يهود قد اتخذ من عملية السابع من أكتوبر ذريعة لانطلاقة ثالثة لها بعد عامي الــ 48 وال67 ولإعادة ترتيب المنطقة وفق اتفاقيات أبراهام وتلزيم دور أكبر لكيان يهود في المنطقة وقد بدا انقضاض كيان يهود على حزب الله هو الذي أقرب إلى الاستئصال وأشبه بكارثة ال67 عندما تبعثرت جيوش خمس دول عربية أمام جحيم سلاح الجو لكيان يهود.

إذا كانت هذه هي الصورة الأولية فهناك أمور يجب مراجعتها قبل اعتماد هذه الصورة، وهي:

أولاً: إن كيان يهود ورغم استغلاله لعملية طوفان الأقصى على النحو الذي ذكرناه إلا أنه ظهر على حقيقته في صبيحة ذلك اليوم عاجز ضعيف ليس من الصعب إصابة مقاتليه، واحتاج للوقوف من جديد إلى رجلين من خشب تظافرت كل القوى الكبرى الغربية على صناعتها لها، ولولا هذه القوى لما استطاع كيان يهود الصمود ولا الانقضاض على حزب الله.

ثانياً: إن قرار اجتثاث حزب الله من لبنان أو إعادة إنتاجه ليتكيف مع دور جديد له هو قرار دولي، تطلب أولاً ضوءاً أخضراً من أمريكا. وثانياً توفير معلومات استخباراتية، لا يمكن أن تتوفر للاستخبارات (الإسرائيلية) منفردة، بل لا بد أن اعتمدت في تحصيلها على أجهزة دول كبرى ودول في المنطقة كلها التقت على هدف أن دور حزب الله وحسن نصر الله انتهى ولا بد من إعادة إنتاجه، وإيران ليست بريئة في هذا السياق.

ثالثاً: إن القوى التي تعمل تحت شعار محور المقاومة هي مرتبطة بإيران وسوريا وهما مرتبطتان بأمريكا، وبالتالي فإن تحركات هذه القوى تبقى مقيدة إلى أن ينتهي دورها فيقوم كيان يهود أداة الغرب بتصفيتها وهذا ينطبق على الجماعات والقيادات، ولو كانت هذه القوى تعمل من ذاتها، عند أنفسها لما صبرت حتى يفاجئها كيان يهود في عقر دارها، وما أدراكم لعل هذه القوى ومنها حزب الله قد تلقى تطمينات من داعميه أن كيان يهود لن يتجاوز الخطوط الحمر، وركن إلى هذه التطمينات حتى أصبح في موقف انكشفت أمامه الحقيقة ولكن ولات ساعة مندم، كيف لا وقد قال علي رضي الله عنه (ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا)، فلا زالت حتى القوى غير النظامية إذا ما استثنينا فصائل المقاومة الفلسطينية مسيرة من قوى كبرى مباشرة أو بالوكالة تتحكم في كل ما يتعلق بمشاركتها بما سمي بجبهة الإسناد من حيث كم المشاركة ونوعها والأهداف،، وأن لكل قائد من قيادتها تاريخ صلاحية عندما يحين يسلم للذبح ولم يسلم من هذه القاعدة حتى رئيسي وعبد اللهيان ومن قبلهما قاسم سليماني, الذي استأذنت إيران أمريكا للرد على اغتياله بضربات بهلوانية، وأن القوى الكبرى وأخصّ أمريكا ومن خلال الحروب التي خاضها كيان يهود سابقاً مع الجيوش النظامية وحالياً مع حركات المقاومة كانت تمسك بالمتحكمين بتلك الجيوش وبحركات المقاومة بحيث تحتفظ دائماً لكيان يهود بالتفوق وأن يكون له اليد العليا، وعندما كانت تفلت الخيوط من يد هؤلاء كنا نشاهد كيان يهود على حقيقته. إذن فكيان يهود لم يخض أي حرب حقيقية مع أي جيش في المنطقة ولا أي قوة ممن تدعي الممانعة ما خلا المجاهدين في داخل فلسطين وهم ليسوا قوة نظامية.

وإذا كان هذا الواقع العسكري فإن ما يحيطه من عملية تضليل سياسي وإعلامي لا يقل خطورة وتأثير عن الناحية العسكرية حيث شكلت القوى الفاعلة في المشهد خاصة أمريكا ما يشبه الدوامة التي أحاطت بالعمليات العسكرية وهذه الدوامة والتضليل يخدمان الأهداف العسكرية ويهدفان إلى كسب الوقت، وقد استخدمت لهذه الغاية وسائل مثل المفاوضات والتي يحقق من خلالها العدو عدة أهداف منها جمع المعلومات عن الخصم –اغتيال الشهيد إسماعيل هنية مثال على ذلك- وإعداد خطط عسكرية وتنفيذها وأخذ الوقت اللازم لذلك، امتصاص حماس الخصم، وفي حال رجحت كفة الخصم يسارع العدو إلى هدنة حقيقية كما حصل في ثورة ال36 وفي حرب ال48 حيث استفاد الإنجليز في الأولى واليهود في الثانية من الهدنة وأعادوا ترتيب صفوفهم وتجاوزوا هزيمة كانت محققة، وكذلك تستعمل المفاوضات كوسيلة من وسائل الاختراق للخصم واستقطابه لصف الأعداء،

وأيضاً من وسائل التضليل التصريحات الإعلامية، سواء تعلقت بالجهد المبذول للتهدئة ووقف الحرب والرغبة في ذلك من قبل أمريكا مع أنها هي التي تخوض الحرب من بدايتها وتتحكم في مسارها لتحقيق مصالحها وإعادة صياغة المنطقة، أو ما يتعلق بالخلافات سواء بين أمريكا وكيان يهود ، أو بين بعض أقطاب حكومة كيان يهود، ومثل هذا التضليل الإعلامي غايته التعمية على رأس الحربة في هذه الحرب وهي أمريكا، وإظهارها كطرف محايد ووسيط، والثاني حمل الخصم والشعوب على تعليق آمال خادعة على خلافات القوم، والتي في غالبها مصطنعة, وكمثال واحد على ذلك ما أشيع قبل ضرب لبنان من أن وجود خلافات بين نتنياهو وجالانت وزير الدفاع حول جبهة الشمال، ولما حصلت الضربة لم نر إلا أكمل الانسجام بين المذكورين، وأمثلة التضليل لا تنتهي ومنها إعلان ما تعرف بقوى المقاومة وإيران في أكثر من مناسبة أنها سترد على عمل من أعمال كيان يهود ثم تمر الأوقات ولا يحصل الرد، فيكون الحديث عن الرد والاحتفاظ بحق الرد من أساليب التضليل الخبيثة، وكذلك ما أعلنت عنه أمريكا قبل أيام قليلة من اغتيال نصر الله من التوصل إلى اتفاق وافق عليه كيان يهود على هدنة مدتها ثلاثة أيام بين حزب الله و كيان يهود، ومن أعمال التضليل والتخدير ما دعا إليه أردوغان من تشكيل جبهة من دول المنطقة لمجابهة كيان يهود، ومعلوم مثل هذه النداءات لإضاعة الوقت وتخدير الشعوب، وقائمة التضليل تطول.

وحتى لا نبقى في غيابة الجب الذي قذفنا فيه الأعداء، لا بد للقوى الحية في الأمة أن تتنبه إلى أن حقيقة العلاقات بين القوى الكبرى و الدولة التابعة لها هي علاقة عمالة، أو الدولة التي تدور في فلكها وتخدمها في أهدافها السياسية، وأن تبادر إلى قطع الأواصر مع هذه الدول، وأن تقارب بين الممكن المتاح والواجب عملاً بسياسة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في جميع غزواته حيث كان يوظف الإمكانات المتاحة للقيام بالواجب الذي تعين على المسلمين في وقت معين من الأوقات، ففي معظم غزواته صلى الله عليه وآله وسلم كان عدد جيش المسلمين أقل من عدوهم ومع ذلك فما كانوا يتأخرون عن القيام بالواجب الذي تفرضه المعطيات على الأمة والدولة، مما يتبين لنا أن تذرع الدول العميلة والقوى المرتبطة بها بالصبر الاستراتيجي والتراجع التكتيكي، وما أصبحنا نسمعه على لسان كثير من قيادات المنطقة من إفشال مخطط كيان يهود في جرهم إلى المعركة ما هو إلا للتغطية على العمالة وعلى كونهم أدوات أداة لا يتحركون إلا بأمر أسيادهم ، وإلا فإن المعركة عندما تفرض فإن الواجب هو تسخير الإمكانات المتاحة لخوضها واستخدام عنصر المباغتة والمفاجأة؛ لأن التراجع أمام معركة مفروضة هو خيانة وانتحار، ولا يمكن اعتباره بأي حال من قبيل الدهاء السياسي، وللأسف مع أن هذا الأسلوب الدنيء استخدمته الأنظمة العميلة في مصر وسوريا والأردن وغيرها إبان هزيمة ال 67 وفي أكثر من مناسبة، وكانت تسوق بأن فشل العدو في تغيير النظام هو هزيمة، وأما ضياع الأرض والعرض فتلك أمور ثانوية في نظر العملاء، ومع ذلك فقد عاد هذا الأسلوب للاستخدام بشكل كبير مما يتوجب على المخلصين الواعين فضحه، وبيان الموقف الشرعي الواجب على المسلمين والجيوش تجاه الموقف الذي تعيشه الأمة، وإذا كان السير على الطريق الصحيح يتطلب بصيرة سياسية وإخلاص لله وتوكل عليه ووعي شرعي حتى تقطع الصلات مع الأعداء، وتسخر الإمكانات للاضطلاع بالمهمات والواجبات حتى تعود الأمة إلى سابق عزها ومجدها كبيرة في عين نفسها، وعين أعدائها، واستصغار أعدائها في عينها، ولا يكون ذلك إلا بتوحيد الجهود لنصرة الهدف الذي يعمل له حزب التحرير وهو استئناف الحياة الإسلامية بإعلان الخلافة الراشدة على منهاج النبوة حتى لا تضيع الجهود وتهدر الدماء في حلقة مفرغة من مؤامرات مرسومة من الأعداء وما ذلك على الله بعزيز.   

 

كتبه للمكتب الإعلامي ولاية الاردن/ حزب التحرير

عبد الله محمد (أبو محمد) الأردن