جريدة الراية:
إسقاط اتفاقية الغاز بين الأردن وكيان يهود
لا يكون إلا بزوال الكيانين
لا يزال الغضب مستمرا في الأردن بسبب بدء تنفيذ اتفاقية الغاز بين كيان يهود والأردن، وضخه إلى الأردن، وسط تزايد الدعوات لفعاليات شعبية وخطوات عملية من البرلمان للوقوف ضدها، بعد أن أعلن وزير الطاقة اليهودي يوفال شتاينتس، الأربعاء 2020/1/1، عن بدء ضخ الغاز الطبيعي من حقل ليفياثان بالبحر المتوسط إلى الأردن، متوقعا أن يبدأ التصدير إلى مصر في موعد أقصاه 10 أيام، ومؤكدا أن ما وصفها بـ”ثورة الغاز الطبيعي” ستدر دخلا كبيرا على كيان يهود.
وكان مجلس النواب الأردني قد اتخذ في آذار الماضي قرارا بالإجماع برفض اتفاقية الغاز الموقعة إلا أن المحكمة الدستورية في الأردن أصدرت قرارا حينها، بأن الاتفاقية “لا تتطلب موافقة مجلس الأمة، لأنها موقعة بين شركتين وليس حكومتين. وكأن العلاقة بين الأردن وكيان يهود هي علاقة بين شركات وأفراد وليست بين كيانات صنعها المستعمر بيديه!
وتنص الاتفاقية، التي جرى توقيعها في أيلول 2016، على تزويد الأردن بنحو 45 مليار متر مكعب من الغاز، على مدار 15 عاما، اعتبارا من كانون الثاني 2020. وأكد محللو كيان يهود كما ورد في صحيفة هآرتس أن الأردن فضلت كيان يهود على العرب لشراء الغاز. في حين كان من الممكن أن يشتري الغاز من (أشقائه) العرب مثل قطر أو السعودية إلا أنه اختار كيان يهود! وكتب نحميا شترسلر أنه قفز من الفرح عندما سمع باتفاقية الغاز بين الأردن وكيان يهود لأن هذه الاتفاقية والتي بموجبها سيحصل كيان يهود على أكثر من 10 مليار دولار ولمدة 15 سنة ستجلب المليارات إلى خزينة الكيان، مضيفا أن الأردن كان قادرا على شراء الغاز من أكثر من جهة إلا أن عمان اختارت أن تشتري من كيان يهود فيما أعداء يهود يتظاهرون في الأردن ضد الاتفاقية وهو ما يجعل كل أفراد الكيان يشعرون بالفرح.
والحقيقة التي لم تغب عن الأذهان أبدا هي أن كيان يهود المصطنع لم ولن يتم قبوله من شعوب المنطقة، وسوف ينظر له باستمرار على أنه كيان صنعته بريطانيا للمحافظة على مكتسباتها هي وحلفاؤها بعد الحرب العالمية الأولى والتي أنهت بموجبها الخلافة العثمانية، ووضعت بلاد المسلمين تحت سيطرة أوروبا ومن بعدها أمريكا. وللمحافظة على هذه المكتسبات فقد ارتأت بريطانيا صنع كيان يهود ليكون رأس حربة في قلب البلاد الإسلامية، وليكون حجر عثرة أمام أي تحرك يهدف لاسترداد الأمة إرادتها وسلطانها وسيادة مبدئها. فكان كيان يهود كيانا غريبا لم تقبله شعوب المنطقة بالرغم من معاهدات السلام، ومحاولات الحكام لسوق شعوبهم ومؤسساتهم للتعايش مع هذا الكيان.
ومن هنا جاءت اتفاقية شراء الغاز والذي تم منحه لكيان يهود بعد تخلي مصر والكيانات المطلة على البحر المتوسط عن حقهم فيه، جاءت هذه الاتفاقية مع الأردن ومثلها مع مصر محاولة يائسة لتطمين يهود وإشعارهم أن كيانهم مقبول في المنطقة. ومن ثم جاء قرار المحكمة الدستورية في الأردن ليفتري على الله وعلى المؤمنين بأن الاتفاقية هي بين شركات من الشعبين، وليس بين حكومتين، متناسين أنه قبل قيام عملية سلام بين الحكومتين كان مثل هذه الاتفاقية يصنف بالخيانة العظمى التي تستحق الإعدام.
وبالرغم من حجم المعارضة وشدتها لاتفاقية الغاز فقد ضربت حكومة الأردن رأي الشارع وجماهير الناس، ضربته بالقمامة التي أزكمت رائحتها الأنوف وأصرت على المضي بالعمل بالاتفاقية، ولسان حالها يقول لقد وجدت الأردن بالطريقة نفسها التي وجد بها كيان يهود؛ ذاك وجد بوعد بلفور وزير خارجية بريطانيا، وهذا وجد بقرار المندوب السامي البريطاني الذي أمر بإنشاء إمارة شرق الأردن الانتقالية، وكلا الكيانين يردف بعضه بعضا، ويعمل على تثبيته وعدم جرفه من أي تيار جارف. فكيان الأردن كان ولا يزال يشكل دعامة لكيان يهود، وكيان يهود يشكل سندا داعما لكيان الأردن.
فمن هنا كان الأولى في الشارع الأردني أن يعمل على إعادة صياغة كيان الأردن جملة وتفصيلا، ولا يقف عند صب جام غضبه على اتفاقية الغاز. فما هذه الاتفاقية إلا مظهر من مظاهر الدعم والمساندة المتبادلة بين الكيانين. والمشكلة لا تكمن بشراء الغاز أو البطيخ من كيان يهود، بل المشكلة تكمن في وجود الكيانين اللذين نشآ بقرار بريطاني جائر. ومن قبلها كانت المشكلة تكمن أصلا بتمكين بريطانيا من إزالة دولة الخلافة بالتعاون مع عملائها من اليهود والعرب والأتراك، والتي مكنتها من صياغة المنطقة من خلال ما عرف باتفاقية سايكس بييكو.
لقد نجحت بريطانيا من خلال عملائها ومن بعدُ عملاء أمريكا في تحويل القضية الحقيقية التي يجب حسمها وحلها، من قضية أمة خسرت كيانها ومبدأها وحضارتها، إلى قضية إنشاء دولة يهود أولا، ثم تقسيم فلسطين بين يهود والفلسطينيين، ثم حروب محلية، ثم قضية معاهدات وتطبيع، ثم قضية اقتسام مياه الأنهار والمياه الجوفية، ثم شراء غاز، وعلاقات دبلوماسية، وهكذا لا زالت تعمل وتمكر مكر الليل والنهار لتبتعد بالأمة عن حقيقة المشكلة التي يجب أن تعالج، وعن القضية المصيرية التي بها يتم حل كل القضايا. ولا يوجد عاقل إلا ويرى أن كل ما حصل من إشكالات وقضايا مع كيان يهود منذ إيجاده ومن خلال الحروب المتتالية واحتلال الأراضي، ما هي إلا نتيجة لما حصل للأمة مطلع القرن الماضي حين هدمت دولة الخلافة، وتمزقت الأمة إلى أشلاء متناثرة أطلق عليها زورا وبهتانا دولا وممالك وإمارات، وهي لا تملك إرادة مطلقا، ولا سيادة على أي من أراضيها أو ثرواتها. ومن هنا كان وقف العمل باتفاقية الغاز، واتفاقيات وادي عربة، واتفاقيات أوسلو وكامب ديفيد، وما شاكلها لا يحصل إلا بالعمل على تغيير هذه الكيانات المصطنعة جملة وتفصيلا، واسترداد الأمة لإرادتها السياسية، والعمل الحثيث الجاد لاستعادة بناء دولة الخلافة الراشدة التي تطيح بجميع الكيانات التي صنعتها بريطانيا، واحتضنتها فيما بعد أمريكا بما فيها كيان يهود المسخ، لتعود للأمة عزتها وسيطرتها على ثرواتها وأرضها ومائها، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، وبزوال كيان يهود، وبنهضة الأمة، وصيانتها من كل سوء.
﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾
بقلم: د. محمد جيلاني
المصدر: جريدة الراية