حزب التحرير ولاية الأردن

فرنسا…الطموح الحالم والصراع على البقاء

بسم الله الرحمن الرحيم

 

فرنساالطموح الحالم

والصراع على البقاء

ورد في كتاب مفاهيم سياسية لحزب التحرير:

 

 

(وإذا كان لا بد أن تُعطى فكرة عن سياسة فرنسا الخارجية، فإنه يُلاحظ أن سياستها مبنية على أساس إيجاد نفوذ لها في الخارج، سواء أكان ذلك بمستعمرات، أم بالنفوذ الثقافي، أم بالنفوذ الاقتصادي. وأعمالها السياسية ضد الدول الكبرى إنما تتناول إبراز شخصيتها، والمشاركة في المجد والتسلط، وهي لا تُحسن المداورات السياسية، بل تغلب عليها المجابهة في أغلب الأحيان؛ لذلك يسهل اكتشاف وجود الصراع بينها وبين أميركا في هذه الأيام، بينما يصعب اكتشافه مع غيرها لاسيما بريطانيا)

 

 

من المعلوم أن أفريقيا منطقة نفوذ استعماري إنجليزي فرنسي قديم، وأن الاستعمار  الأمريكي طارئ فيها، وقد سبق وأَخرجت الولاياتُ المتحدة كلاً من بريطانيا وفرنسا من أماكن نفوذها في كثير من المناطق، وبقيت أفريقيا متأخرة عن الصراع الدولي لأسباب كثيرة ليس محل ذكرها هنا، ولكن بدأنا نلاحظ ازدياد الاهتمام الأمريكي بأفريقيا منذ فترة، ومحاولة إخراج النفوذ الاستعماري القديم وخاصةً مع الضعف الذي طرأ على دول الاستعمار القديم، ودخول هذه المنطقة ضمن الاهتمام الأمريكي بشكلٍ كبير  ومحاولة الولايات المتحدة بناء القاعدة الأمريكية (أفريكوم) فيها.

 

 

ومن أمثلة الصراع: منطقة الساحل الأفريقي الشمالي -منطقة النفوذ الفرنسي القديم-، حيث طالب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال زيارة إلى أبيدجان، أمس (السبت)، حكومات دول مجموعة الساحل الخمس، بموقف «واضح» من الدور العسكري الفرنسي في المنطقة والحرب ضدّ المتطرفين، مكرّراً بذلك مطلباً سبق وأن أثار توتراً بين باريس وشركائها في المنطقة.

 

 

وقال ماكرون: «ما أتوقّعه منهم هو تحمّل المسؤولية، محذّراً من أنّه «إذا لم يتم جلاء هذا الوضوح السياسي، فإنّ فرنسا ستستخلص منه كل العبر في بعض البلدان»

 

 

وفي يناير 2013، أطلقت فرنسا عملية “سيرفال” في مالي لمواجهة الجماعات  المتطرفة التي كادت أن تطيح بالحكومة في باماكو. وفي أغسطس 2014، تم تحويل “سيرفال” إلى عملية “برخان” التي تضم حوالي 4500 جندي في منطقة الساحل بميزانية تبلغ حوالي 797 مليون دولار في السنة.

 

 

وقد حققت عملية سيرفال نجاحاً سريعاً كان محل مباركة دولية، وتُوّج بإنشاء قاعدة دائمة للقوات الفرنسية في منطقة تساليت.

 

وحلت عملية “برخان” محل “سيرفال”، لكنها شملت بصفة رسمية كذلك موريتانيا والنيجر وبوركينافاسو وتشاد، وبصورة غير رسمية جنوبي ليبيا وشمالي نيجيريا.

 

وغدت منطقة الساحل ككل خاضعة لمراقبة وتدخل الجيش الفرنسي.

 

وهناك ثلاث قواعد رئيسية للوجود العسكري الفرنسي في المنطقة: مركز القيادة في نجامينا (تشاد)، ومركزان آخران في غاو (مالي) ونيامي (النيجر). بيد أنه خلال السنوات الثلاث الماضية، لم تستطع فرنسا من خلال وجودها العسكري أو من خلال القوة المشتركة لدول الساحل الخمسة، التي تعاني من سوء الإعداد والتجهيز وقلة التمويل وغياب العقيدة القتالية، الصمود أمام الجماعات الجهادية التي نجحت في تنظيم صفوفها والتنسيق فيما بينها على الصعيد العملياتي، وعلى صعيد خلق حواضن اجتماعية بين السكان المحليين.

 

لذا وجدت فرنسا نفسها في مأزق كبير جداً من حيث ضعف الجيوش المحلية وكِبر المساحة الجغرافية وعدم وجود قواعد وجيوش نظامية ثابتة، فضلاً عن إيجاد وخلق مشاكل لفرنسا من قبل الولايات المتحدة وإرهاقها في عمق صحراء لا ترحم.

 

وفرنسا تظل الدولة الغربية الوحيدة التي لها وجود عسكري كبير في الساحل، كما قامت ‏في عام 2017 بتأسيس مبادرة تحالف الساحل؛ إلا أن علاقتها بمستعمراتها الإفريقية السابقة قد ازدادت توتراً ‏وقد أدى هذا إلى زيادة حقد الشعوب الأفريقية  للوجود الفرنسي بسبب بشاعة الاستعمار الفرنسي، ونهب الثروات وترك الشعوب تموت بلا أدنى رعاية، وفساد سياسي، واستغلال اقتصادي للشركات الفرنسية التي أخذت كل الثروات دون أن تُعطي تلك الدول والشعوب أدنى اهتمام أو رعاية.

 

وقد دفعت تلك المعضلة ‏الرئيس “ماكرون” إلى مطالبة زعماء دول الساحل الخمس بالتصدي لهذه المشاعر العدائية إذا كانوا ‏يريدون أن تواصل فرنسا عملياتها العسكرية ضد (الإرهاب). يقول “ماكرون”: (لا يمكنني أن أحتفظ -ولا أُريد أن أحتفظ- ‏بقوات على الأرض في الساحل في الوقت الذي يلتبس فيه موقف السلطات المحلية من الحركات ‏المعادية لفرنسا، وأحياناً توجد انتقادات من الوزراء والسياسيين). ‏

 

أمام هذه المعضلة لا يستبعد الرئيس الفرنسي أي سيناريو مستقبلي يتعلق بوجود بلاده العسكري في الساحل. لكن يظل السيناريو الأكثر ملاءمة هو الاستفادة من دعم الحلفاء الأوروبيين في مواجهة الجماعات الإرهابية، لعدم قدرة فرنسا على إدارة الصراع والبقاء فيها لوحدها فضلاً عن صراع واضح مع الولايات المتحدة.

 

 

وفي حديثها المطول مع صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» الفرنسية، كانت وزيرة الجيوش الفرنسية “فلورانس بارلي” تُشير إلى أن فرنسا تقود جهوداً أوروبية لتشكيل قوة عسكرية لمحاربة تنظيمي «تنظيم الدولة » أو «القاعدة» في منطقة الساحل الأفريقي، وأن هناك خطوات جديدة في الطريق تهدف إلى تعزيز المعركة ضد العناصر الإرهابية هناك، وإن طال زمن الصراع أو المواجهة.

 

 

ومن خلال تحليل وتفكيك تصريحات وزيرة الجيوش الفرنسية بارلي التي عدّت أن دول الساحل الأفريقي تقع على أبواب أوروبا، فإن المرحلة المقبلة من المواجهة لن تكون فرنسية فقط، بل الهدف منها إشراك بقية دول أوروبا في مالي بقيادة عملية «برخان 2»، في إطار وحدة مشتركة تدعى «تاكوبا»، بغية مواكبة القوات المسلحة المالية.

 

 

ولعل المتابع لتصريحات الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” العام الحالي يرى أن الرجل يكاد ينزع إلى ما مضى في طريقه جنرال فرنسا الأشهر “شارل ديغول”، ذاك الذي اهتم كثيراً بوحدة أوروبا والأوروبيين بأكثر من التحالف مع الأميركيين أو الآسيويين.

 

 

فماكرون الذي أطلق صيحة تكوين جيش أوروبي مستقل هو نفسه الذي تحدث مؤخراً عما أطلق عليه «الموت السريري» لحلف الناتو. وعليه، يبقى من الطبيعي أن تكون خطط فرنسا هادفة إلى جمع شمل الأوروبيين للدفاع عن القارة، وعدم انتظار القوة الأميركية الأفريقية (أفريكوم) للدفاع عن القارة الأوروبية، وسبق أن أعلن رئيس الجمهورية الفرنسية، والمستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل”، بمعية رئيس بوركينا فاسو السيد “روش كابوريه” -وهو الرئيس الحالي للمجموعة الخماسية لمنطقة الساحل- إبان مؤتمر قمة مجموعة الدول السبع في بياريتز، إنشاء الشراكة من أجل الأمن والاستقرار في منطقة الساحل.

 

 

وترمي هذه الشراكة مع بلدان المنطقة إلى تعزيز فعالية الجهود المبذولة في مجالي الدفاع والأمن الداخلي، وإلى تحسين سبل تنسيق دعم الإصلاحات الضرورية في هذين المجالين، وتمثل ضرورة المساءلة مقوماً من مقومات هذه الشراكة.

 

 

ولخلط الأوراق هناك وتأزيم الأوضاع هناك  سمحت أمريكا للصين بدخول تلك المنطقة كمنافس تجاري وليس سياسي للشركات الفرنسية، وقدمت الصين الكثير من الإغراءات لدول وشعوب تلك المنطقة أمام جشع وطمع الشركات الفرنسية، فقد عبّر “زوونيونج” نائب وزير الخارجية الصيني عن المبدأ الصيني في التعاطي مع الأفارقة بقوله: (إن التعامل مع أفريقيا يتعلق بالجوانب العملية، فالتجارة تجارة ولن تتدخل الصين في الشؤون الداخلية، حيث تحاول الفصل بين السياسة والتجارة.)

 

 

وتستخدم الصين أدوات ناعمة لكسب قلوب الأفارقة وتنشيط التعاون التجاري معهم من قروض، وبناء بنية تحتية، ومطارات، واستثمارات، وإيجاد فرص عمل كبيرة، وأقرضت الصين دولاً في القارة قرابة 125 مليار دولار أميركي ما بين عامي 2000 و2006، وتعهدت خلال منتدى التعاون الصيني الأفريقي مؤخراً بتقديم ستين ملياراً أخرى.

 

 

ونمت التجارة بين الطرفين من عشرة مليارات دولار عام 2000 إلى 190 ملياراً بحلول عام 2017. وتشير التقديرات إلى أن 12% من الإنتاج الصناعي لأفريقيا (خمسمئة مليار دولار سنوياً) تتولاه شركات صينية.

 

 

وأدخلت الولايات المتحدة الدب الروسي في قلب الصراع مع أفريقيا، برغم أن قارة أفريقيا لم تدخل الوفاق والاتفاق لكن نجد أن بوابة الدخول أغلبه من دول وعملاء الولايات المتحدة من أجل إيجاد مزيد من التناقضات والصراع مع روسيا  حيث أعلن الكرملين عن خطط للعودة إلى أفريقيا بعد غياب استمر لعقود منذ أن حطت الحرب الباردة أوزارها، وخلال اجتماع الرئيس الروسي الشهر الجاري مع العديد من قادة القارة في أول قمة اقتصادية بين روسيا وأفريقيا في سوتشي أعفت روسيا أفريقيا من سداد ديون مستحقة بلغت عشرين مليار دولار.

 

 

ونشرت صحيفة التايمز مقالاً افتتاحياً تتحدث فيه عن توسع روسيا في أفريقيا والشرق الأوسط دون مقاومة تذكر. تقول الصحيفة: (إن روسيا لم تكن تاريخياً دولة استعمارية في أفريقيا، ولكن اليوم تسعى لأن يكون لها نفوذ مشابه ليس في أفريقيا فحسب، بل في الشرق الأوسط أيضاً، وطبعاً هذا الأمر ليس بمعزل اتفاق امريكي روسي لإخراج النفوذ القديم ومحاولة الحلول محله، خاصة وأنها كما ذكرنا لم تدخل سياسية الوفاق قديماً لكن يبقى التوافق الأمريكي الروسي فيها واضح خاصة وأن مدخل الدخول عملاء الولايات المتحدة)

 

لذا تسشعر فرنسا خاصةً وأوروبا عموماً بخطورة الصراع، خاصةً وأن مناطق النفوذ الفرنسي رخوة وضعيفة جداً.

 

 

وخاتمة القول:

 

 

إن عقارب الساعة لن تعود للوراء، ولن تعود تلك القوى الاستعمارية من جديد لأنها في حالة موت سريري لم يبق إلا الإعلان عن الوفاة بعد وأد مبدئها العفن  مبدأ الوحش الكاسر، والذي فتك بالبشرية جمعاً

 

وتلمس الأمة للعودة إلى عقيدتها و مبدأها العصر القادم، والقرن هو قرن وعصر الإسلام بلا شك  وليس تلك القوى الظلامية الإجرامية، ونحن على موعد مع بلاط الشهداء أخرى لنعيد سيرتنا الأولى، أمة رحمة وجهاد وفتح جديد، ولن يكون ذلك إلا بدولة راشدة ثانية بدأت ملامحها بالأفق وكل ما هو آت قريب. ‏

 

 

‏{وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ الله}

 

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير/ ولاية الأردن:

 

الأستاذ حسن حمدان