ما يسمى حرية الصحافة في الأردن
سم الله الرحمن الرحيم
خبر وتعليق: ما يسمى حرية الصحافة في الأردن
الخبر: سجل الأردن تراجعا كبيرا في التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2025، حيث حلّ في المرتبة 147 عالميا، بعد أن خسر 15 مركزا مقارنة بالعام 2024، وفق ما أعلنته منظمة “مراسلون بلا حدود”. ووصفت المنظمة، حرية الصحافة في الأردن، بأنها “شديدة الخطورة”، في إشارة إلى الوضع الحرج لحرية الصحافة في البلاد. (أخبار الأردن)
التعليق:
أولاً: قال الدكتور محمد المومني وزير الاتصال الحكومي والناطق الرسمي باسم الحكومة خلال رعايته للمؤتمر العلمي الثاني يوم الاحد 5/4 والذي كان بعنوان “الصحافة العلمية بين الواقع وقيادة التغيير”، الذي نظمته كلية الإعلام في جامعة الشرق الأوسط (على أن ما يوليه جلالة الملك عبد الله الثاني من اهتمام كبير برؤية التحديث الشاملة بمحاورها الثلاثة “السياسي والاقتصادي والإداري” يتطلب تعظيم جهود جميع القطاعات وفي مقدمتها الإعلام لمواكبة متطلبات العصر في التحول الرقمي.) وكالة الأنباء الأردنية.
ثانيا: في الوقت الذي تعتبر فيه بعض الدول الإعلام بأنه السلطة الرابعة نظراً لأهميته وخطورته واستقلاليته عن مسمى السلطة التنفيذية، فإن الواقع المشاهد المحسوس يؤكد مدى تبعية الإعلام للسلطة في كافة الدول وبدرجات متفاوتة بين الدول، حتى في الولايات المتحدة التي منعت الصحافة في حرب الخليج من بيان وذكر الحقائق على الأرض، وفرضت على الصحافة أن تكتب ما يملى عليها من أكاذيب، وكذلك في حادثة 11 سبتمبر التي أفرزت اخباراً من دوائر المـخابرات، حيث تهافتت المؤسسات الإعلامية بمختلف أنواعها وأشكالها ومشاربها المالية والأيديولوجية والسياسية، لتقديم الأخبار والتعاليق والبرامج التحليلية والدراسات حول الأزمة وأبعادها وخلفياتها وتداعياتها، وهي محض خيال لأسباب سياسية.
أما واقع السلطة الإعلامية في الأردن –إن وجد لها سلطة أصلاً– فهي تحت سلطة الدولة فعلا وليست مستقلة، فضلاً عن بعض الصحفيين المحسوبين على النظام لتمرير أجندته، أو بعض الصحفيين ممن لهم علاقة بدائرة المـخابرات والتي تفرض ما تريد بمكالمة أو إشارة منها، وقد اعترف رئيس هيئة مكافحة الفساد سابقا سميح بينو، عن تقاضي كتاب صحفيين مبالغ تصل إلى 135 ألف دينار سنويا من مؤسسات رسمية مقابل الكتابة دفاعا عنها أو تجميلا لصورتها، والخبر كما أورته السوسنة (دفعت جهة حكومية لاحد الصحفيين 135 ألف دينار، مبررة ذلك بخبراته الاعلامية التي تستفيد منها وفق رئيس هيئة مكافحة الفساد سميح بينو. وأكد بينو أن هناك بعض الصحافيين يتقاضون مبالغ كبيرة من جهات حكومية لمساندتها والكتابة لصالحها).
ولقد ذكرت وفضحت وثائق ويكليكس عدداً من الصحفيين وارتباطهم بدائرة المـخابرات وأنهم من إنتاج مديرها الذهبي.
ثالثاً: وهنا أنقل ما ذكرته القدس العربي في مقال بعنوان “عن التّبعية والتّوريث وعبودية الإعلام العربي ما بعد الثورات “جاء فيه: “وفيما تحولت علاقة الإعلام من الخصومة مع السلطة السياسية – وهي النظرية الأنسب للعلاقة من أجل خدمة المجتمع – تحولت إلى التبعية لتمارس الصحافة حريتها من مكاتب الأمن، متنقلة ما بين الترويج للسلطان وتبرير خطاياه، في تناقض واضح مع ما يعيشه المجتمع، متغاضيةً عن دورها الرئيس في كشف أي انحرافات للسلطة السياسية في تطبيقها للقانون، فوقفت عاجزة إلا عن نقل وجهة النظر الرسمية وبكل الطرق، التي منها ما لا يحترم أخلاقيات المهنة ولا أعرافها، من كيل السباب والتشهير والقذف والاتهامات والتزوير من دون رقيب أو حسيب، فانتقلت من وظيفة حراسة المصالح العامة إلى حراسة النظام السياسي”.
رابعاً: إن تبعية وسائل الإعلام اليوم في دول العالم الإسلامي للأنظمة وحكام الضرار معلومة معروفة، فمنها ما يتبع حكام الحجاز وبعضها الإمارات والكويت وقطر، ومنها ما يتبع سلطة بلده ونظامه كما هو شأن وسائل الإعلام في الأردن، وبعض كُتابها للأسف أقلام مأجورة يقتات أصحابها على دماء أهله ودينه ومصالح أمته، لقاء مبلغ رخيص تافه أو موقع إعلامي، أو منصب، ثم يركل في مزابل الإهمال والاتهام، ليكون ضحية قدمها النظام السياسي للتخلص من بعض الشخصيات التي كانت تنعق بما يملى عليها.
إن التقرير المذكور عن حرية الصحافة في الأردن ليس بجديد بل معلوم لدى كافة الناس، فمن سلك طريق الإعلام عليه أن يكتب كما يملى عليه، أو تسلط عليه قوانين مجرمة كقوانين الجـرائم الإلكترونية، أو مخالفة قوانين الإعلام ، وهذا يؤكد أن مقولة “حرية سقفها السماء” التي يتغنى بها النظام تكذبها التقارير الدولية والواقع المحسوس، بل هي تحت سقف النظام لا تلامس أسفل نعله، وأن مسألة التحديث السياسي أكذوبة يتغنى بها النظام للدعاية الدولية، بينما تمارس أجهزته أبشع أنواع القمع السياسي، ولا سيما بعد طـوفان الأقـصى المبارك .
وختاما: إن الإعلام وسيلة مهمة وضرورية في حياة البشر، وقد أولاها الإسلام بكثير من الأحكام الشرعية المتعلقة بها وبدورها، فالدعاية والإعلام في الدعوة إلى الإسلام من أولويات الجـ هاد في سبيل الله وكفى بها من وظيفة ودور ومكانة.
والإعلام وسيلة للمحاسبة ورفع الظلم وليست تقديساً للحاكم، فالخطبة والكتابة والمقالات والفضائيات وسائل مهمة جداً لتصحيح المسار، وكلمة الحق وبيان الحق، وفضح الفساد والباطل، وحرمة نشر الرذيلة، لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، وحرمة الكذب لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۙ أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) و لقوله ﷺ في صحيح البخاري: (رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أتَيانِي، قالا: الذي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذّابٌ، يَكْذِبُ بالكَذْبَةِ تُحْمَلُ عنْه حتَّى تَبْلُغَ الآفاقَ، فيُصْنَعُ به إلى يَومِ القِيامَةِ).
كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية الأردن
ا. عبد الحكيم عبد الله