حزب التحرير ولاية الأردن

ما كانت الأمة الإسلامية لتذوق الويلات في شهر الانتصارات لولا سقوط دولة الإسلام وغياب خليفة المسلمين

بسم الله الرحمن الرحيم

 

   ونحن نتفيأ ظلال شهر رمضان المبارك، ونلتمس نفحات الرحمة الإلهية فيه، نستذكر ماضياً تليداً وعزّاً مجيداً، عاشته الأمة الإسلامية في شهر رمضان تحت ظل دولة الإسلام فقد كان رمضان شهر الفتوحات الإسلامية ودخول الناس في الإسلام أفواجاً، ففيه غزوة بدر الكبرى أول معركة كبرى فاصلة بين الحق والباطل، وفيه فتح مكة يوم أن حطم رسول الله ﷺ أصنام الجاهلية، وفيه فتح الأندلس وعموريّة، وفيه معركة عين جالوت، وانتصارات صلاح الدين الأيوبي في حطين… وغيرها من المعارك والفتوحات التي سطّرت انتصارات عظيمة في هذا الشهر المبارك، ما جعل شهر الصيام مقروناً بالجهاد والفتوحات والانتصارات، وذلك كله تحت حكم الإسلام ودولة الإسلام.

 

   أما اليوم فيأتينا رمضان ونحن نرى أمة الإسلام لا تُحكم بالإسلام! ونرى أمة الجسد الواحد متفرقة بين دويلات أوجدها الغرب الكافر المستعمر! ونرى أمة الفتوحات والجهاد تُحتل أراضيها، وتدنس مقدساتها، وتنتهك أعراضها، وجيوشها مكبلة لا تحرك ساكناً! ونرى أمة القادة العِظام، والشخصيات العزيزة المهابة، يقودها من يأتمر بأمر الغرب ويطأطئ رأسه لهم ذلاً وهواناً!

 

   فعلى الرغم من المشاعر الجياشة التي عمت بلاد المسلمين تنديدا بجرائم الكيان وتعاطفا مع أهل غزة، وعلى الرغم من أن الأجساد المقطعة والجثث المتناثرة في غزة كانت تبث على شاشات الفضائيات في مشاهد تهتز لها الجبال، إلا أن هذا كله لم تهتز له شعرة في جسد حكام المسلمين، وعندما تحركوا، تحركوا لضمان حماية الكيان ولضمان عدم تأثر عروشهم ومصالح أسيادهم في المنطقة، بل جعلوا بلاد المسلمين ممراً ومقراً لحماية كيان يهود وضمان أمنه وبقائه.

 

   وقد ثبت لكل ذي عينين أن حبل أمريكا الممتد للكيان تتفرع منه حبال كثيرة من عواصم بلاد المسلمين، لولاها لما بقي للكيان ولا لأمريكا ودول الكفر وجود في بلاد المسلمين!

 

   فها هو ترامب وهو يتكلم عن تهجير أهل غزة وجعلِها مشروعاً استثمارياً له، وكأنها مِلكه! يخاطب حكام المسلمين بلغة التعالي والاستخفاف، قائلاً: “مصر والأردن قالا إنهما لن يستقبلا سكاناً من غزة، وقلتُ إنهما سيفعلان”، فهو يعلم أن أقوال هؤلاء الحكام لا قيمة لها، ويعلم أنه لو كان جاداً فيما يقول لتراكضوا وتسابقوا ليكون لهم قصب السبق في إرضائه وتنفيذ ما يريد، فأقوالهم لا تعدو عن كونها تصريحات خجولة ومتخاذلة وفي حدود الهامش الذي يبقي لهم ورقة التوت.

 

فيا أيها المسلمون.. ويا أهلنا في الأردن:

 

   إن موقف حكامكم المعلن من تهجير أهل غزة ما هو إلا مسرحية مكشوفة وخدعة خبيثة تخفي في ثناياها مؤامرة جديدة وخيانة تضاف إلى سجل خياناتهم المتراكمة، فهؤلاء ليسوا بالرجال الذين يجرؤون على قول لا لأسيادهم، وهذا الهامش الذي سمح لهم به هو هامش يستعملونه ليجرّوكم خلفهم لتصفقوا لهم وتسيروا خلفهم في أداء الدور المرسوم لهم في غزة، فما عجز عنه الكيان ومن خلفه أمريكا في غزة سينجزه حكامكم على مرأى ومسمع منكم!

 

   إن هذه الأنظمة لم تكن يوماً حريصة على فلسطين، ولا على غير فلسطين بل هي التي فرطت بفلسطين، وجعلت من بلاد المسلمين نهباً لدول الكفر ومرتعا لأطماعه. والعجيب أنها استغلت تصريحات ترامب حول التهجير لبث الفتنة والفرقة بين المسلمين بإثارة الوطنية المقيتة، والعصبية الجاهلية، وتأكيد انقسام المسلمين وتفتيتهم بحسب حدود سايكس بيكو، وكأنها تريد محو حالة التآلف والتآخي التي ظهرت في حرب غزة، لأن الحالة الجماعية التي ظهر عليها المسلمون أربكت حسابات هؤلاء الحكام وأثارت مخاوفهم. فإياكم أن تَنجرُّوا وراء هؤلاء الرويبضات فتغضبوا ربكم وتبطلوا أعمالكم وقد جربتموهم وانكشفت لكم حقائقهم.

 

أيها المسلمون.. ويا أهلنا في الأردن:

 

   إن قضية فلسطين ليست هي قضية أهل فلسطين أو العرب وحدهم، بل هي في واقعها قضيةٌ إسلامية، إنها قضية أرضٍ إسلاميةٍ وقضية مقدساتٍ إسلاميةٍ اغتصبها يهود بمؤازرةٍ من دول الكفر الكبرى، وبتعاون من حكام المسلمين العملاء، ففلسطين بلد إسلامي فتحه المسلمون بدمائهم، فلا يكاد يخلو شبر فيه من غبار فرسٍ لمجاهد، أو من قطرة دمٍ لشهيد، وهو ملك لجميع المسلمين، وواجب على المسلمين بذل المهج والأرواح في سبيل استرداده، وأي تفريط في أي شبر منه هو خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين.

 

   إن العمل الجاد والحل الشرعي والنصرة الحقيقية لقضية فلسطين هو تحريك الجيوش لتحريرها، وأي حل يُبعد المسلمين عن الحل الحقيقي هو تزييف للحقائق وتضييع لقضية البلاد الإسلامية المحتلة ﴿وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾. وإن قوى الكفر اليوم، هم من جنس أولئك الغابرين، لم يتحملوا إلا معركةً واحدةً، اندحروا بعدها مهزومين، فقد كانت حطين بداية السقوط للصليبيين، وكانت عين جالوت فاتحة الانهيار للتتار، وهكذا هؤلاء، معركة فاصلة واحدة، تهد بنيانهم وكيانهم، كل ذلك بأيديكم أيها المسلمون: ﴿وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾.

 

   إن الذي غيّر واقع المسلمين من قوةٍ إلى ضعف، وغيّر واقع رمضان من شهر انتصاراتٍ إلى شهر استضعاف، هو ذهاب الحكم الإسلامي وسقوط دولة الإسلام، فأعيدوا لرمضان مكانته، أعيدوه شهر انتصارات وفتوحات، وشهر عزة ووحدة وقوة، وذلك بالعمل لاستئناف الحياة الإسلامية وإقامة دولة الخلافة الإسلامية وإيجاد إمامٍ للمسلمين يرعى شأنهم ويدافع عنهم فتلتف الأمة الإسلامية حوله لقتال يهود وكل دول الكفر، كما أخبر بذلك ﷺ: «إِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ، يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ، وَيُتَّقَى بِهِ»، وأبشروا بعزٍّ ونصرٍ في الدنيا والآخرة: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ﴾.

 

التاريخ الهجري :11 من رمــضان المبارك 1446هـ                                                حزب التحرير
                                                                                                                   ولاية الأردن

التاريخ الميلادي : الثلاثاء, 11 آذار/مارس 2025م