الأردن بين الابتزاز الأمريكي والعلاقة مع أوروبا
بسم الله الرحمن الرحيم
أصدرت الخارجية الأمريكية قرارها بتعليق المساعدات إلى عدد من دول العالم لمدة 90 يوماً ومنها الأردن في بداية ولاية الرئيس الأمريكي ترامب، الذي بدأ ولايته بمجموعة من القرارات والتصريحات التي أثارت جدلاً واسعا في العالم حتى مع أقرب حلفاء واشنطن.
وللحديث عن المساعدات الأمريكية للأردن لا بد من الوقوف على تاريخ المساعدات، وحجمها ودورها وأهدافها.
الولايات المتحدة كما هو معلوم لا تقدم مساعدات للدول حباً في المساعدة ولا إنسانيّة، بل تقدمها لأهداف سياسية ضمن استراتيجيات محددة، فمثلا كانت بعض المساعدات مرتبطة بتحقيق تغيير في المناهج الدراسية كما هو معلوم خاصة فيما يتعلق بالإسلام كمبدأ والجـ هاد والعلاقة مع يـ هود وهذا معلوم للجميع، وأيضا مكافحة ما يسمى بالإرهـاب (الإسلام).
ودعمت أمريكا كذلك مراكز دعم ونشر الديمقراطية وكل ما يتعلق بالمرأة ودورها، كذلك بعض المرافق والخدمات فضلاً عن التعاون العـسكري الكبير واتفاقية الدفاع المشترك والتي تم توقيعها عام 2021 بما فرضته على الأردن واستباحة سيادته، وكان لها دور بارز في نقل العتاد العـ سكري لكـ يان يـ هود في معركة طوفـ ان الأقصى.
أما لماذا تقدم الولايات المتحدة المساعدات لدول العالم؟ فمن المعلوم أن أمريكا دولة رأسمالية لا بل جعلت من الاستعمار من كونه طريقة لنشر المبدأ إلى كونه هدفاً بحد ذاته وأفضل من يمثل هذا التحول عقلية ترامب صاحب شعار أمريكا أولًا”..
لقد وصف وزير الخارجية الأميركية الأسبق جورج شولتز برنامج المعونات الأميركية في مقدمة تقريرٍ خاص صدر عن الخارجية الأميركية عام 1983م على أنه “أداة أساسية من أدوات سياسة أميركا الخارجية، وأنه يرتبط ارتباطاً مباشراً بأمن أميركا القومي وازدهارها الاقتصادي”. ويذكر الرئيس الأسبق رونالد ريغان في رسالته السنوية أمام الكونغرس الأميركي عام 1986م في هذا السياق: “إن كل دولار ينفق على المساعدات الأمنية يساهم في الأمن العالمي بالمساهمة نفسها لذلك الدولار في بناء قوة الدفاع الأميركية”.
وكذلك قال عضو الكونجرس كلارنس لونج: “إن مؤيدي المعونة يمثلون دوافع اقتصادية وسياسية متنوعة تشكل أهدافاً مختلفة مثل شراء أصوات في الأمم المتحدة أو مواقف تخدم مصالحها أو إقامة قواعد عـ سكرية عبر البحار. فالرؤساء الأميركيون يعترفون بصراحة بأهمية المعونات الخارجية كأداة لتعزيز مصالح أميركا الاقتصادية والسياسية والعـ سكرية في الخارج. فمرسوم الكونجرس لسنة 1950م الخاص بالتنمية الدولية يبيح فتح الأسواق المحلية في الدول على مصراعيها للبضائع الأميركية عموماً. وفي ظروف الهيمنة السياسية الأميركية تتمتع الشركات الأميركية بمساندة حكومتها لأنشطتها التجارية الخارجية؛ وبذلك تعترف وكالة التنمية الدولية USAID وكذلك الخارجية الأميركية للكونجرس وللشعب الأميركي أن المساعدات الأميركية ليست هبة وإنما مصالح.”
ولإدراك النظام هذه المرحلة الحرجة لجأ إلى صاحب النفوذ والعلاقة معه حيث ذكر الصحفي بسام البدارين “ثمة اتصالات خلف الستار جرت مع لندن تحديداً خلال الساعات القليلة الماضية، بعد ضجيج تصريح ترامب بين الملك وبين وزير الخارجية الأمريكي”.
ولم تعلن تفاصيل تلك الاتصالات لا مع روبيو ولا مع لندن ولا مع الأصدقاء الأوروبيين الذين قيل مبكراً إنهم شركاء مع الأردن في مساحة المعاناة! مقابل إدارة ترامب في السنوات الأربع المقبلة.
ويبدو أن تلك الاتصالات مع لندن أسفرت عن توقيع اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي (وتوقيع اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة) لتقديم مساعدات للنظام، الذي قرر تخصيص مبلغ مساعدات بقيمة 3 مليارات دولار للأردن في إطار إطلاق حزمة الشراكة الاستراتيجية (وفقاً للاتفاقية الأردنية- الأوروبية، فإن ثلاث مليارات يورو ستقدم للأردن للأعوام من 2025-2027، وتتضمن منحاً بقيمة 640 مليون يورو، واستثمارات بحجم 1.4 مليار يورو، ومخصصات لدعم الاقتصاد الكلي تقدر بنحو مليار يورو).
والذي يبدو من متابعة الأحداث أن هذه المساعدة لا تتعلق بصفقة القرن التي لا يعارضها أصلا النظام، بل منسجم معها لكنه يظهر المعارضة لها نتيجة الموقف الشعبي فقط، والذي يبدو -والله أعلم- أن تهديد ترامب تعلق بالنظام فلجأ إلى سيدته بريطانيا صاحبة النفوذ السياسي فتدخلت من خلال الاتحاد الأوروبي كون الجميع شركاء في المعاناة مع الأردن.
وقد ذكرت صحيفة رأي اليوم: (ويبدو أن حرص القيادة الأردنية على ظهور الملك عبد الله الثاني شخصيا في توقيع اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي كانت رسالة فيها الكثير من الحكمة بامتياز وتضمّنت سلوكا محددا تجاه الرأي العام الداخلي بحيث يتم عكس الانطباع أن الأردن ليس وحيدا في مجال التعاون مع المجتمع الدولي).
قال الدكتور محمد أبو رمان تحت عنوان: الدبلوماسية الأردنية على موعد صعب مع العام 2025 في جلسة نقاشية مغلقة (في معهد السياسة والمجتمع) قبل شهور مع سياسي أميركي بارز “عمل في إدارة ترامب السابقة، لم يُخف الضيف أنّ ترامب يقلل من شأن الدور الإقليمي الأردني لصالح دول إقليمية أخرى”.
وختاماً: إن المساعدات الغربية تجعل لدول الكفر السيادة والسلطان على بلاد المسلمين وكما هي عادة الجاهلية المدين العاجز يُسترق ويصبح عبداً وهذا محرم في الإسلام لقوله تعالى: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا)، وأي سبيل لأمريكا على العالم الإسلامي كله ومنها الأردن من خلال أخطر أساليب الاستعمار وهو المساعدات التي ستدفع الأمة ثمنها غاليا نتيجة سكوتها على هذه الأنظمة.
إن الصراع على الأردن يبدو سيشتد في مرحلة ترامب وقد تتصاعد الأمور أو تقل وسيكون الشعب في الأردن محل العبء والتضحية والغلاء بدوافع الوطنية والوقوف في وجه صفقة ترامب والحقيقة هي حماية النظام من مرحلة ترامب نتيجة الصراع بين النفوذ القديم والمستعمر الجديد الذي لجأ لاستخدام أدواته، خاصة مسألة المساعدات الأمريكية ومنع المساعدات الخليجية ومحاولة إثارة القلاقل والاضطرابات.
كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية الأردن
الاستاذ عبد الحكيم عبد الله