حزب التحرير ولاية الأردن

العلاقات الأردنية الإيـرانية

بعيدا عن سبر التاريخ وإطالة الحديث لنقف عند محطات مهمة جدا في العلاقة بين الدولتين.

بداية كانت العلاقة بين الأردن والشاه قوية جدا بعيدا عن اعتراف إيـ ران بكيان يهـود آنذاك ومهاجمة الأردن له إعلاميا لطبيعة المرحلة وخطورة الاعتراف بيهـود من الغضب الشعبي.

فلقد اعترفت إيـران بكيان يهـ ود في 23/7/1960، إذ أكَّد شاه إيـران أن اعتراف إيـران بكيان يهـود لم يكُن جديدًا، بل هو تأكيد لاعتراف سابق صُرِّح به في عام 1950، مِمَّا دعا الملك الحسين إلى اتِّخَاذ موقف سريع وإرسال برقية إلى شاه إيـ ران في 26/7/1960 يحثُّه فيها على التراجع عن قرار إيـران، وعبَّرَت رسالة الملك الحسين إلى شاه إيـران بعد هذا الاعتراف الذي عدّه الملك الراحل صدمة للصداقة بين البلدين.

وقد زار الملك الحسين بن طلال إيـران في عام 1973، وذكرت الصحف أثر الزيارة الكبير في تحسين وتعزيز العَلاقات بين البلدين، إذ رافق الملك رئيس الحكومة الأُردُنيَّة آنذاك زيد الرفاعي وزيد بن شاكر رئيس الأركان في الجـيش الأُردُني، وأسفرت الزيارة عن تزويد إيـراني للأُردُن بأربع وعشرين طائرة من طراز “F5″، علمًا بأن إيـران كانت حصلت عليها من الولايات الـمُتَّحِدة الأمريكية، وقد أخذت إيـران الموافقة الأمريكية على تزويد الأُردُن بها.

وفي عام 1975 زار الشاه مرة أخرى أراضي الأُردُن على خلفية أحداث 1974 ومؤتمَر الرباط، فحلَّقَت في سماء الأُردُن طائرات “F5” التي أعطتها إيـران مُسبَقًا للأُردُن في أثناء استقبال الشاه للملك حسين.

بقِيَت العَلاقات على هذه الحال في أفضل حالاتها إلى أن بدأت في عام 1978 حركة الانـ قلاب لإسقاط الشاه في إيـران، مِمَّا دعا الملك الحسين إلى زيارة الشاه في إيـران وإعلان دعمه ومؤازرته له في نوفمبر من العام نفسه.

ثم لما استقر الأمر للثـورة عاد واعترف بها على مضض لمعرفته بحقيقة النظام الجديد المخالف له في مرجعيته وقبلته السياسية، لذا وقف النظام الأردني مع العراق تحت مزاعم العروبة والموقف العربي وإن كانت حقيقة الأمر الدفـاع عن النفوذ البريطاني في المنطقة.

وأدَّى موقف الأُردُن إلى إعلان إيـران قطع عَلاقتها تمامًا مع الأُردُن في 31/1/1981، ثم أظهرت فضيحة إيـران كونترا حقيقة علاقة النظام الجديد بالولايات المتحدة التي ظهرت حقيقتها فيما بعد.

لذا أعطت بريطانيا قيادة الوقوف في وجه مخططات أمريكا للنظام في الأردن، ووقف الأردن للدفـاع عن النفوذ البريطاني في العراق والخليج والمنطقة بعمومها سواء كانت أدوات أمريكا العميلة أو التي تدور بالفلك، وسبّب هذا تحديات صعبة جدا للأردن لكنه كان يتمتع بقيادة النفوذ الإنجليزي وكان لهم ثقل لا يستهان به حتى تغيرت الظروف بالربيـع العربي ومحاولة الأمة التّفلّت من الغرب والثورة على نظام أمريكا في سوريا وضعف النظام المصري، فاحتاجت أمريكا إلى إيـران بكل طاقتها وإمكانياتها فأعطت الولايات المتحدة إيـران دورا كبيرا وبارزا لخوفها من انفلات الأمر وخروجه عن السيطرة أولاً، ثم لأن إيـران تعادي مشروع الخلافة عقائديا فأدخلتها الشام وحزبـها وميلـ يشياتها، كما وسبق لها أن استفادت منها في احتلال العراق وأفغـ انستان، ولولا إيـران لغرقت أمريكا في المستنقع العراقي والأفغاني .

واستطاعت أمريكا أخذ السعودية وتركيا من الإنجليز إلى حد كبير، وهدأت الأوضاع في مصر نسبيا وإن كانت النار تحت الرماد، فأصبح النفوذ الإنجليزي ضعيف جدا في المنطقة، ومنعت أمريكا عمـلاء الإنجليز من مساعدة الأردن كما فتوقفت مساعدات السعودية، وربطت مساعدات أمريكا للأردن بأهداف سياسية من أجل الضغط على الأردن، وأصبحت مضايقة إيـران للأردن كبيرة سواء من خلال أدواتها في العراق أو من خلال وضع الميلـيشيات الشيعية على الحدود مع الأردن في جنوب سوريا للضغط عليه وابتزازه بشكل كبير.

لذا نستطيع القول إن العلاقة بين الأردن وإيـران ينظر لها من باب الصراع السياسي بين الولايات المتحدة وبقايا النفوذ الإنجليزي، فليست المسالة مذهبية وإن ركب الطرفان موجة المذهبية، وليست المسالة تتعلق بيهـود كما يروج النظام الإيـراني وأدواته فكيان يهـود متفق عليه غربيا وهو مشروع استراتيجي غربي متفق عليه وضرورة حتمية غربية.

أما صراع إيـران مع يهـود فهو ليس عقائديا ولا وجوديا بل هو صراع يتعلق بحدود الدور والمكانة ضمن الاستراتيجية الأمريكية وكذلك الأردن حامي كيان يهـود، فموضوع كـيان يهـود والعلاقة معه كذب وتضليل سياسي كبير.

لذا الصـراع بين الدولتين هو جزء من الصراع في المنطقة ويقوى ويضعف حسب الوقائع والأحداث ضمن سياق الخطة الأمريكية الفاعلة في المنطقة وخطة الإنجليز الدفاعية لحماية نظامها الذي أصبح منبوذا وضعيفا وينحني برأسه للمطالب الأمريكية، كما هو شأن سيدته التي اعتاد ظهرها للانحناء أمام الولايات المتحدة.

واستطاعت أمريكا لجم دور الأردن وتدخلاته في المنطقة كما كان سابقا، لكنه صراع متنام لن يهدأ حتى يستقر لأحدهما، وما اللقاءات وتبادل الرسائل والزيارات والخطاب المرن إلا خطاب وتعامل مرحلي فقط، أو يكون للإسلام ودولته بإذن الله الكلمة الأخيرة وتعود كل بلاد الإسلام دولة واحدة وراية واحدة يحكمها خـليفة المسلمين ويقضي على النفوذ الغربي ونسأله تعالى أن يكون قريبا.

 

كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية الأردن

الأستاذ عبد الحكيم عبد الله