حزب التحرير ولاية الأردن

مقال: ماذا خسر المسلمون بانهيار الخلافة

بسم الله الرحمن الرحيم

ماذا خسر المسلمون بانهيار الخلافة

 

هذا العنوان ما كان يجب أن يغيب عن المسلمين منذ اللحظة الأولى التي ألغى فيها الكافر المجرم مصطفى كمال أتاتورك دولة الخلافة الإسلامية في عام 1924، إلا أنه في هذه الأوقات العصيبة التي تمر بها أمة الإسلام فإن التطلع إلى الخلافة والمناداة بعودتها لهو أشد إلحاحاً من أي وقت مضى، كيف لا وقد ظهر جلياً أن كل ما لحق بالمسلمين في هذا العصر من ذل وهوان وتدمير لبلادهم واستحواذ على ثرواتهم وتدنيس لمقدساتهم وانتهاك لأعراضهم ما كان ليكون لو كان للمسلمين خليفة، وهو ما فَتِئَ حزب التحرير ينادي في الأمة وهو النذير العريان بأنكم أيها المسلمون دون خليفة مثل الغنم التي يطاردها الذئب في ليلة شاتية.

نعم إنها الخلافة التي لا يمكن أن يسد مسدها شيء، ولا أن يحل محلها أي تصور آخر، فهي الحصن الذي كان يحمي حوزة المسلمين ولم يكن بوجودها ليتجرأ الكفار على بلاد المسلمين، ولو تجرؤوا كانوا يحسبون ألف حساب بأن هناك دولة للمسلمين يتجمعون تحت رايتها ويتصدون للجيوش الغازية بإعلان من رئيسها (الخليفة) للجهاد، وهو ما حصل عندما قاد صلاح الدين جيوش المسلمين لدحر الصليبيين في حطين، وعندما قاد قطز جيوش المسلمين لتحطيم التتار في عين جالوت، فما كانت لهذه المعارك أن تخاض ولا لهذه الانتصارات أن تتحقق لولا وجود الخلافة وإعلان الجهاد تحت راية الخليفة. ولما كانت الخلافة ما كان الكفار ليتجرؤوا على المسلمين ولو كانوا خارج الدولة في دار الكفر وما كانوا ليتجرؤوا على رموز الإسلام؛ لأن حدوث ذلك كان في عرف الخلافة يعني إعلان الحرب، وقد هدد الخليفة عبدالحميد الثاني رحمه الله فرنسا بالحرب إذا لم توقف المسرحية التي تسيء إلى مقام نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولما كانت الخلافة كان المسلمون يعيشون في كرامة وهي أعلى القيم التي تهون دونها الحياة، وقد ذهبت هذه الكرامة بذهاب الخلافة، وها نحن في غياب الخلافة نرى رئيس أمريكا يجمع حكام العرب والمسلمين ويجتمع بهم ولا يحدثهم إلا عن بضع وعشرين من أسرى يهود ومثلهم من الجثث دون أن يشير ولو بطرف خفي إلى سبعين ألف من الشهداء وأضعافهم من الجرحى وآلاف الأسرى من المسلمين وكأنهم نمل أو أحقر، ودون أن ينطق أي من هؤلاء الزعماء بكلمة أو نصف كلمة في مواجهة هذا السرد الأمريكي العنصري الحاقد، الذي لا يرى قيمة لدماء المسلمين.

  عندما كانت الخلافة كان المسلمون يستأثرون بثرواتهم، بل كانت الدول الكافرة تدفع لهم الجزية ومنها الولايات المتحدة الأمريكية، ولما كانت الخلافة كان المسلمون يعتمدون على أنفسهم في الصناعة والزراعة وكانوا حتى في سنوات الضعف يُضَارِعُونَ الأمم الأخرى في ميادين التقدم العلمي والتقني، وبعد الخلافة أصبح المسلمون عالة على العالم، رغم أنهم يمتلكون أرقى مبدأ وأعدل شريعة، وأصبح النوابغ من أبناء المسلمين تحت سيطرة الدول الغربية التي استحوذت عليهم ومنحتهم جنسياتها واستأثرت بابتكاراتهم وأصبحوا ينالون الجوائز بصفتهم علماء يتبعون تلك الدول المعادية للمسلمين، ولما كانت الخلافة كان المسلمون يعيشون في ظل أحكام الإسلام الموافقة للفطرة، وبعد الخلافة أصبحنا ننكر مجتمعاتنا والتي انتشرت فيها الانحرافات الوافدة في جميع المجالات، وعندما كانت الخلافة كانت أرض المسلمين واحدة إذا تعرض أي بلد منها لغزو كان يكفي أن يعلن الخليفة الجهاد ليتداعى المجاهدون للالتحاق بجيش الإسلام والذود عن حمى الأرض المسلمة التي غزاها العدو، والله لو فقه المسلمون مكانة الخلافة في الإسلام لأيقنوا أن الحياة دون خلافة الموت خير منها.

وما كان الكفار ليجرؤوا على التدخل في شؤون المسلمين عندما كانت لهم خلافة، وكان عِلْيَةُ القوم في بلاد الكفار يتباهون بتقليد المسلمين في زيهم، وكانوا يرسلون أبناءهم ليتعلموا في جامعات المسلمين، ولما كانت تحصل نكبة في بلد من بلاد المسلمين كانت الخلافة وأراضيها مَوئِلاً تحتضن المسلمين بصفتهم أصحاب الأرض وليسوا لاجئين، لما كانت الخلافة كانت قوة المسلمين لهم، وكانت جيوش المسلمين درعاً يحميهم، وبعد الخلافة أصبحت جيوش المسلمين تأتمر بأمر عملاء لا يهمهم أمر الإسلام ولا أمر المسلمين، وجُلُّ سعيهم هو خدمة أسيادهم من الأمريكان والأوروبيين، حتى رأينا أخيراً كما جاء في التسريبات الصحفية أنه أثناء المذبحة في غزة كانت جيوش الإمارات والسعودية وقطر ومصر والأردن والبحرين تجري تدريبات مشتركة مع جيش يهود ضمن تحالف غير معلن.

ما كانت الخلافة لو كانت موجودة أن تترك المسلمين في غزة محاصرين وقد وضعهم الكيان على قائمة الإعدام، بشتى الوسائل البشعة، وما كانت لتترك أسراهم بيد شياطين الإنس من يهود، يسومونهم ما لم يخطر على بال مجرم من ألوان العذاب، وما كانت لتترك الجرحى دون علاج، وما كانت لتسمح أن تمنع أي قوة مهما كانت المسلم من نصرة أخيه، فدولة الإسلام تتخذ من الثأر للمسلمين ونصرتهم ورفع الظلم عنهم، ومنع الكافر من تولي أمورهم مسألة وجود، فالنبي ﷺ الذي أوصى  المسلمين بأن يحفظوا خلافته أرسل حملة على إمبراطورية الروم للثأر من قتل مسلم واحد وهو رسوله الحارث بن عمير الأزدي فكانت بسبب ذلك غزوة مؤتة، فشعار الخلافة الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، ولا  يترك اعتداء على المسلمين دون ثأر، وفي غياب الخلافة أصبحت لحوم المسلمين تباع في محلات الجزارين في بورما، وأما الهند وأراكان وإفريقيا الوسطى فحدث ولا حرج، وما غزة عنا ببعيد، ولم يكتف الحكام العملاء لبلاد المسلمين بخذلان المظلومين من المسلمين بل أصبحوا أعواناً لأعداء الإسلام، أشداء على المسلمين رحماء بالكافرين.

أيها المسلمون، يا خير أمة أخرجت للناس، إن الكفار يعملون ليل نهار لمنع عودة الخلافة؛ لمعرفتهم بأن الخلافة لن تحرر المسلمين فقط، بل ستحرر شعوبهم المخطوفة من قبل حفنة من أتباع الشيطان المتحكمين بمصائر الناس، وإنهم في سبيل ذلك لا يكتفون ببقائنا دولاً ممزقة، بل يستمرون في الاستحواذ على ثرواتنا، ومنعنا من الاستفادة منها، وتعميق الرابطة الوطنية حتى لا يعود المسلم يهتم بشأن المسلمين في الدول الأخرى، ويعملون على جعل كيان يهود جزءاً طبيعياً في المنطقة وإعطائه دور الشرطي فيها، وحتى الدول المجزأة يعملون على إعادة تشكيلها لتكون كيانات هشة قابلة للاقتتال الداخلي في أي لحظة، وتعتمد في توازنها على إعطاء الطاعة للكافر المستعمر، ويعملون على جعل ثقافتهم الرأسمالية الاستهلاكية الليبرالية طاغية على المسلمين، بحيث لا يبقى لهم صلة بالإسلام إلا بالاسم ويكون الإسلام محصوراً في نوع من التدين الجديد المصنوع في مركز راند.

إن الكافر المستعمر يعلم أن هذه الأمة إن امتلكت إرادتها وتُرك لها الخيار فستتوجه نحو الخلافة، لذلك فهو يشدد الخناق عليها، ولا يسمح لها بالانعتاق، حتى ثورات الربيع العربي، تدخل فيها وجعل نتيجتها تغيير الأنظمة التي ثارت عليها الشعوب بقيادات أشد قذارة وأكثر سوءاً، وثورة الشام تلك الثورة المباركة التي أبصرت الطريق واتخذت من الإسلام قائداً لها، استطاع أن يستولي على سفينتها وجعلها ترسو في حضن المجتمع الدولي.

فيا أيها المسلمون إن الكافر المستعمر بمخططاته التي ينفذها عليكم إنما يسير بكم نحو الفناء كأمة لها مبدأ تباهي به العالم، وكحضارة يشرق وجه التاريخ عند ذكرها، ولا منقذ لكم من ذلك إلا بالعمل الدؤوب مع حزب التحرير لإعادة الخلافة، فهي سفينة النجاة لكم في الدنيا والآخرة، وهي واجب الوقت الذي لا يجوز أن تغفلوا عنه حتى تبصر أعينكم تحقيقه ويومئذٍ يفرح المؤمنون ويساء الكافرون، وتطوون صفحة المآسي والمجازر، وتودعون الذل والهوان، وتطؤون عنق المستكبرين، وتزلزلون الطغاة برايات العقاب وبالتكبير (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).   

 

كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية الأردن

أ. مالك أنس