مقال: الولايات المتحدة وكيان يهود مرتكزات العلاقة وحدودها
الولايات المتحدة وكيان يهود مرتكزات العلاقة وحدودها
بدايةً، سأنقل جزءاً من مقال للكاتب أبراهام بن تسفي في صحيفة “يسرائيل هيوم”، يشير إلى بداية تحول جذري في العلاقات بين (إسرائيل) والولايات المتحدة، حيث تراجعت استقلالية القرار (الإسرائيلي) مقابل هيمنة أمريكية متزايدة، خصوصاً خلال عهد ترامب. وأبرز ما جاء في المقال:
- التذكير بحرب 1973 مع مصر والإسناد الجوي العسكري لكيان يهود ووصول قواتها حتى مسافة 101 كيلومتر عن القاهرة، وفي المقابل الضغط على كيان يهود لوقف الحرب، حيث ورد في المقال: (لكن عندها جاء وقت دفع الثمن لقاء حبل النجاة الأمريكي: فقد أجبر كيسنجر (إسرائيل) على رفع الطوق عن الجيش المحاصر. فتطلّع لمنع النصر المطلق عن (إسرائيل)، وفي نفس الوقت الإثبات لمصر بأن فقط الولايات المتحدة قادرة على أن تمارس ضغطاً فاعلاً على (إسرائيل)).
- في 1955، عندما بادرت الولايات المتحدة وبريطانيا لـ “خطة ألفا” – بتر النقب من خلال ممر بري بين مصر والأردن – هدد مساعد وزير الخارجية الأمريكي هنري بايرد رئيس الوزراء موشيه شاريت بإرسال قوات أمريكية لفرض الخطة.
- الهجوم الذي مسّ الخط الأحمر واصطدم بالمصالح الأمريكية، حيث لم يتشاور نتنياهو مع الولايات المتحدة وإنما أبلغها في اللحظات الأخيرة. ورداً على هذه التجاوزات، أقدم ترامب على:
- وقف الحرب والجلوس للمفاوضات والخضوع لما تريده الإدارة الأمريكية دون أن تكون شريكاً بشكل كامل في المباحثات.
- إهانة علنية، فقد فرض على نتنياهو اعتذاراً هاتفياً لرئيس وزراء قطر، في صيغة أُمليت عليه في البيت الأبيض.
- فرض وجود قوات أمريكية (200 جندي) وغربية لمراقبة وقف إطلاق النار.
ثم يقول: “تبخّر مبدأ السيادة غير القابل للتجزئة وتبددت القدرة على اتخاذ مواقف في مواضيع أمن حرجة أيضاً. على هذه الخلفية، فإن تمنح جائزة (إسرائيل) لترامب ترمز إلى التغيير العميق”.
ثم يختم بقوله: “هل (إسرائيل)، إذا ما بقيت معزولة، ستجد نفسها ككيان حكم ذاتي برعاية سيد سخي – لكنه ذو مصالح مختلفة؟ الأيام ستقول”.
وتعليقاً على ما ورد أعلاه:
إن العلاقة بين الولايات المتحدة وكيان يهود لها مرتكزات تقوم عليها، وفي المقابل لها حدود تقف عندها ولا تتجاوزها، وهذه المرتكزات تعود لأسباب مهمة جداً وهي:
أولاً: العلاقة الاستراتيجية؛ فهي قاعدة متقدمة للغرب لن يتنازل عنها ولن يسمح لأحد أن يزيلها أو يعطل دورها ككيان وظيفي لمصلحة الغرب، خاصة الولايات المتحدة. ومن هنا نفهم سر العلاقة الاستراتيجية والدعم غير المحدود والتعاون الوثيق.
ثانياً: العلاقة الدينية: رئيس مجلس النواب مايك جونسون الذي قال في تصريح صحفي: “(إسرائيل) حليف حيوي لنا، أعتقد أن معظم الناس يتفهمون ضرورة هذا التمويل (26 مليار دولار لإسرائيل)، إنهم يقاتلون من أجل وجودهم… بالنسبة لنا نحن المؤمنين، هناك توجيه في الإنجيل بأن نقف إلى جانب (إسرائيل)، وسنفعل ذلك بلا ريب، وسينتصرون طالما كنا معهم”. وكذلك عضو مجلس النواب الأميركي عن الحزب الجمهوري ريك دبليو ألين قال: (لنكن واضحين، هذا ميثاق قطعه الرب مع النبي إبراهيم عليه السلام، وهذا الوعد واضح للغاية: إذا باركتَ (إسرائيل) سأباركُك، وإذا لعنتَ (إسرائيل) سألعنك).
ثالثاً: وجود قوى وجماعات الضغط السياسي: في الولايات المتحدة الأميركية بشكل كبير دون غيرها من الدول. ومع ذلك، يظهر وزن اللوبي اليهودي عند تضارب المصالح الأمريكية العليا مع المصالح (الإسرائيلية (؛ لمعرفة مدى تأثير اللوبي في تكييف القرار لصالح (إسرائيل) على حساب المصالح الأمريكية، وليس عند تطابق المصالح. هذا جانب، وجانب آخر أن هناك انقساماً بين يهود أمريكا أنفسهم وكذلك مع كيان يهود. وكما ذكرت بعض المصادر، فمثلاً: “هناك تزايد في التباين في التوجهات السياسية لليهود في الولايات المتحدة فيما بينهم تجاه (إسرائيل)، إلى جانب التباين بينهم وبين يهود (إسرائيل)، خصوصاً في القضايا الجوهرية للصراع العربي (الإسرائيلي))، بل يذكر أيضاً (مركز الزيتونة): “إن تطابق المصالح الاستراتيجية بين أمريكا و(إسرائيل) يجب أن لا يُحسب باستمرار وبالضرورة على أنه نتيجة لجهد اللوبي اليهودي، بل قد يكون التطابق نتيجة لمعطيات الواقع وضرورات إدارة السياسة الخارجية لكل من طرفي العلاقة”.
لكن هذه العوامل الثلاثة لم تجعل من قادة يهود حكاماً للقرار السياسي الأمريكي إذا تعارضت مع المصالح الأمريكية، كما هي الفكرة الشائعة عند الأمة والتي انتشرت وتعمقت لأسباب تضليلية.
وهنا نقطة جوهرية يعترف بها هذا الكاتب من خلال بعض المواقف التاريخية ووقوف أمريكا في وجه القرار (الإسرائيلي) خاصة في زمن وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر الذي “حسب قوله “استخدم كل الروافع للضغط على كيان يهود بقوله: “لقد استخدم وزير الخارجية الأمريكي كل روافع الضغط التي كانت تحت تصرفه، بما في ذلك التهديد بإرسال قوات الأسطول السادس إلى المنطقة للتدخل ولرفع الطوق. استسلمت (إسرائيل) للضغط واضطرت لأن تفتح مسار انسحاب للجيش المحاصر. وهكذا تبلور نمط جديد في علاقات الولايات المتحدة مع حليفها (الإسرائيلي)”.
ولعلنا نذكر بالإضافة لما ذكره، تقديم أمريكا لمصالحها عند التضارب مع مصالح كيان يهود، ومنها:
- العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956: ساندت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي قرار مجلس الأمن لحماية جمال عبد الناصر وطالبت الدول الثلاثة بالانسحاب.
- بيع طائرات الأواكس (AWACS) للسعودية سنة 1981: على الرغم من المعارضة الشرسة من اللوبي اليهودي، حيث قال الرئيس الأمريكي رونالد ريجان: “ليس من شأن الأمم الأخرى صناعة السياسة الخارجية الأمريكية”، وقال وزير خارجيته ألكسندر هيغ في تعليقه على معارضة اللوبي اليهودي للصفقة: “يجب أن يكون الرئيس متحرراً من قيود الاعتراضات الخارجية”.
- منع كيان يهود من الرد على الصواريخ العراقية خلال حرب الخليج الثانية سنة 1991: وقد وصف رئيس الوزراء (الإسرائيلي) حينها إسحق شامير قرار عدم الرد بأنه من أقسى لحظات حياته.
- إجبار يهود على التخلي عن الاتفاق مع الصين بخصوص التعاون العسكري والتكنولوجي في مجال قطع غيار وتكنولوجيا الطائرات المُسيّرة سنة 2005، واضطرت يهود لدفع التعويضات للصين بسبب الإلغاء، إذ اعتبرت الولايات المتحدة أن الصفقة تضر “بالمصالح الأمريكية”.
- الجاسوس (الإسرائيلي) جوناثان بولارد: ففي سنة 1985، تم اعتقال الجاسوس (الإسرائيلي) جوناثان بولارد الذي كان يعمل في البحرية الأمريكية بتهمة التجسس لصالح (إسرائيل)، ونقله معلومات حساسة لها، وصدر الحكم عليه بالسجن مدة ثلاثين عاماً، وقد بذل اللوبي اليهودي ورؤساء الوزارات (الإسرائيلية) المتعاقبة جهوداً مضنية للإفراج عنه دون جدوى، وبقي في السجن إلى أن أكمل مدة الحكم عليه. وقال بولارد لصحيفة “إسرائيل هيوم”: إن الحكومة الأميركية كانت تخفي معلومات استخباراتية عن (إسرائيل) وتكذب عليها، عندما تعاون مع تل أبيب، مشيراً إلى أنه شاهد ذلك بنفسه في الاجتماعات. وقال للصحيفة كذلك: “أعرف أنني تجاوزت خطاً، لكن لم يكن لدي خيار آخر”، مضيفاً أن التهديدات التي تواجه (إسرائيل) “خطيرة”.
- عدم قدرة (إسرائيل) على تعطيل الاتفاق النووي الإيراني في فترة باراك أوباما ولا حتى مع إدارة بايدن الذي اشتهر بمواقفه الضعيفة مع يهود.
هذه بعض المواقف السياسية التي تبين موقف الإدارات الأمريكية عند التعارض. ولكن يمكن القول: “إن الاستهانة بدور اللوبي اليهودي في التأثير على القرارات الأمريكية غير الاستراتيجية أمر مضلل ولا يساعد على فهم ملابسات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، كما أن المبالغة بالمقابل في اعتبار اللوبي اليهودي متحكماً في القرار الاستراتيجي الأمريكي يقود إلى النتيجة ذاتها”.
إن القرار السياسي الأمريكي نابع من المصالح الأمريكية، وبناء الاستراتيجيات الأميركية لدولة عظمى تحكم العالم، وقد تتلاقى هذه القرارات مع بعض اللوبيات أو الدول، ولكن يظهر قوة وتأثير هذه الدول عند تعارض مصالحها مع المصالح الأميركية العظمى.
كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية الأردن
أ.حسن حمدان