حزب التحرير ولاية الأردن

مقال قمة شنغهاي في الصين

قمة شنغهاي في الصين

نظمت الصين قمة منظمة شنغهاي للتعاون “(SCO)” بمشاركة قادة من نحو 20 دولة حول العالم، واستمرت ليومين، واختتمتها بعرض عسكري ضخم في العاصمة بكين بمناسبة الذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية.

قال الرئيسُ الصيني شي جي بينغ في كلمته الافتتاحية للقمة: “منظمة شنغهاي للتعاون تمثل نموذجًا لعلاقات دولية جديدة، علينا الدفاع عن التعددية القطبية المتوازنة، والعولمة الاقتصادية الشاملة، وتعزيز نظام حوكمة عالمي أكثر عدلًا وإنصافًا”.  وقوله: “إن ظلال عقلية الحرب الباردة والتنمر لم تتبدد مع تزايد التحديات الجديدة”.

وقال شي: “إن العالم دخل مرحلة جديدة من الاضطرابات مع وجود الحوكمة العالمية عند مفترق طرق جديد”، داعيا إلى بذل جهود مشتركة لبناء إطار حوكمة دولية أكثر عدلا وتوازنا”.

وعند متابعة الأخبار يتحدث البعض عن تحد للهيمنة الأمريكية، وأن هذا التكتل يسعى لتغيير ما في الموقف الدولي أو فرض واقع جديد، (حث الرئيس الصيني الدول الأعضاء على استثمار إمكانات سوقهم الضخم، كاشفا عن طموحه لتأسيس نظام أمني واقتصادي عالمي جديد يمثل تحديا مباشرا للولايات المتحدة) (الجزيرة)، وكذلك شددت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية -في افتتاحيتها- على أن العالم بحاجة إلى نظام دولي جديد، وحذرت من أن قمة “منظمة شنغهاي للتعاون” تعد دليلا قاطعا على طموحات في إعادة تشكيل النظام الدولي.  وقال شي جينبينغ مخاطبًا القمة، في تصريحات فُسّرت على نطاق واسع على أنها انتقاد للسياسة الأميركية: “لا بد أن نُواصل اتخاذ موقف واضح ضد الهيمنة وسياسة القوة، وأن نمارس تعددية الأطراف الحقيقية”.

ودعا الرئيس الروسي بوتين لإنشاء نظام إدارة عالمي أكثر كفاءة وعدالة، كما انتقد رغبة بعض الدول في السعي إلى الدكتاتورية في العلاقات الدولية، مشددا على ضرورة بناء نظام متوازن قائم على سيادة القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.

ونظر بعض المتابعين إلى مشاركة الهند باعتبارها قوة اقتصادية صاعدة في ظل الرسوم الجمركية الأمريكية عليها من قبل ترامب وبداية الانحياز لمعسكر الصين وروسيا.

بناء على ما تقدم نقول بداية: لا بد من التفريق بين التحليل السياسي وهو قراءة الواقع من خلال جمع كافة المعلومات عنه وربطها بما لها علاقة به، وبين قراءة المستقبل والأحلام وفرق كبير بين الأمرين.

فالقراءة الحقيقية لمجموعة شنغهاي أنها تعاون في بعض المجالات وليست تكتلاً أو حلفاً له رأس واحد بل دول متشاكسه برؤوس متعددة متعارضة لا تتفق على قيادة سياسية واحدة، ويفرقها أكثر مما يجمعها، وتضخيم هذا الحدث ليس دقيقاً ولا دراسة سياسية.

 ولنقف على حقيقة هذا التعاون، وهل هو فعلاً يضع في أهدافه تحدياً لهيمنة الولايات المتحدة وبناء نظام عالمي جديد مغاير وتغيير النظام الدولي أم هو محاولة لإصلاح هذا النظام ببعض الإصلاحات فقط وتبقى بقية الجمل دعاية إعلامية ومنبر كلامي للخطابات الرنانة؟

بداية نتحدث عن العقلية الصينية؛ فهي ليست عقلية سياسية ولا مبدئية، وتقوم سياستها على محاولة منها لأخذ دور إقليمي في جنوب بحر الصين واستعادة تايوان وهي لا تضع حاليا حسب القراءة الواقعية للسياسية الصينية أي تحد للولايات المتحدة،  وحديث “شي” عن عالم “متعدد الأقطاب والقوى” في خطابه ليس مراده تعدد الأقطاب الدولية  المتعارضة كما كان مع الاتحاد السوفيتي بل هو محاولة حث الولايات المتحدة على إعطاء نفوذ ما لبعض القوى الصاعدة في إقليمها، وتعاون هذه القوى مع المركز بما يخدم النظام العالمي الحالي، ولكن أمريكا لا تفكر بإعطاء هذا الدور للصين بل لدول أخرى مثل اليابان مثلا، لتقوم نيابة عنها بتنفيذ الاستراتيجية الأمريكية هناك وهي أي الولايات المتحدة لا تثق بالصين.

والحديث ليس فقط عن عدم قدرة الصين في مجابهة الولايات المتحدة والبحث في الامكانيات والقدرات، وإن كان البحث صحيحا والفارق بينهما كبيرا، والدليل خشيتها من آثار ضم تايوان والتحالفات الإقليمية مع الولايات المتحدة، ولكن الأهم من هذا كله هي عقلية رجل الحكم، وعقلية بناء الاستراتيجيات المتحكمة والفاعلة في الموقف الدولي، وكذلك الاستراتيجيات الوقائية والدفاعية، فالصين لا توجد عندها عقلية القيادة الدولية، ولا المبدئية لا قديماً ولا حديثاً، بل أحيانا عقلية التاجر الذي يخشى على دوره ومكانته، لذا انصبّت السياسية الصينية منذ الأساس على الدفاع والحماية لذاتها، حتى عندما تبنت المبدأ الاشتراكي جعلته خادماً للكيان، وليس الكيان طريقة لنشر المبدأ، فعكست المسألة، وعندما دعمت جوارها كانت لحماية نفسها، واليوم تقف عاجزة عم دعم روسيا في حربها في أوكرانيا، بل تتنصل من أي دعم وعلاقة، في الوقت الذي يقدم الغرب كل أنواع الدعم لأوكرانيا بلا تردد، ولو أرادت الصين فعلاً تغيير قواعد النظام العالمي لخرجت منه بدل المحافظة عليه.

أما روسيا فهي قوة لكنها بلا عقل ولا أقدام قادرة على حملها، وحرب أوكرانيا أظهرتها على حقيقتها؛ ضعيفة عاجزة تقدم التنازلات، وحرب الشيشان سابقا أظهرت حقيقة جيشها. وهي من دخلت الموقف الدولي من خلال تأمين مصالح الولايات المتحدة وخاصة في الشام وأخُرجت منها ذليلة.

أما الهند فهي دولة عميلة؛ لا تخرج في سياستها عن إرادة الولايات المتحدة، بل دخولها فيه فائدة لها وأيضا للولايات المتحدة، وجميع عملاء أمريكا هم أعينها في المجموعة، ولن يتم اتخاذ قرار ضد الولايات المتحدة بوجود الهند وباكستان وإيران وغيرهم هذا لو افترضنا جدلا إمكانية صدور هذا القرار.

إن السبيل الوحيد لتغيير الموقف الدولي لن يكون من خلال أنظمة هذا النظام، ولا رجالاته ولا دوله، بل سيكون من خلال دولة مغايرة لهم، دولة مبدئية ربانية، يتمتع رجل السلطة فيها بعقلية رجل الحكم، ولا تدخل أو تشارك في مؤسسات هذا النظام، ولا تذعن لقائدته، ولا تؤمن بفكره وسياساته، بل هي انقلاب جذري ودولة مبدئية ولن تكون إلا دولة الإسلام.

“وإن غدا لناظره قريب”

كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية الأردن

أ. حسن حمدان