مقال: الغرب يحارب المسلمين معتقداً ان المشكلة في الإسلام نفسه ج (2)
مقال: الغرب يحارب المسلمين معتقداً ان المشكلة في الإسلام نفسه،
والأمة الإسلامية أجدر باتخاذ الإسلام أساساً لوعيها السياسي – ج (2)
كانت المقدمة الواردة في الجزء الأول من هذا المقال ضرورية لبيان ما يتحتم على الأمة الإسلامية بشعوبها وأفرادها وجماعاتها في تعاملها وخطابها مع أعدائها، ليس لبيان ما تكنه صدور أهل الكــفر في الغرب والشرق من كراهية للإسلام فحسب، بل لبيان الأسس التي يتعاملون بها مع أهل الإسلام وبلادهم سواء في حـروب الإبـادة أو في ما يسمى بخطط السلام أو الاستسلام بمعنى أدق للهيمنة العسكرية والاقتصادية علاوة على الهيمنة الأيديولوجية من أجل زعزعة العقيدة الإسلامية والأحكام الشرعية في صـراعها مع الإسلام ومفهومها العميق لقوة الإسلام التي يرتعدون منها خوفا من عودة كيانه التنفيذي الذي لا قبل لهم في صده. فدور الأمة الإسلامية في الدنيا أيضًا هو القوامة على فكر البشرية وطريقتها في العيش، يقول رب العالمين وهو أصدق القائلين: (كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ )، فخيرية الأمة إنما تكون بأن تفهم وتطبق وتحمل المبدأ الإسلامي للبشرية قاطبة، وأن تسير علاقاتها وسلوك أفرادها بناء على النظام المنبثق عن هذا المبدأ.
فعندما يبدأ الإعلام وخصوصا الغربي منه بالترويج لهذا المفهوم وينشره ليتعاظم ويسبب الغضب العام الوهمي في أوساط شعوبهم بما يسمى الإسلاموفوبيا، ويبدأ حتى المسلمون يتساءلون أو يشككون في عقيدتهم بقبولهم ورضاهم بهذه الاتهامات الباطلة، ويدافعون عنه بنداءات للإصلاح وتأويل مفاهيم العقيدة، وإعادة تفسير الإسلام ومراقبته بما يتوافق مع رضا أعداء الإسلام. فالغرب يهدف من تركيز مفهوم الإسلاموية أن الإسلام السياسي ليس من الإسلام في شيء – رغم اعترافاتهم أنه كذلك – يهدفون من ذلك إبعاد المسلمين ومنعهم من التفكير والتعبير عن قناعاتهم وتخويفهم من التفكير والعمل لنصرة دينهم، الذي لا يكون إلا بالعمل السياسي الواجب لتطبيق الإسلام في دولته وكيانه التنفيذي الذي سيحمل الإسلام الى العالم بالدعوة والجـهاد.
فلا يجوز للمسلمين أن يلجؤوا في خطابهم وحلولهم لمشاكلهم وقضاياهم المحلية والإقليمية دون أن يجعلوا الإسلام منطلق تفكيرهم في التعبير عن مشاعرهم وقناعاتهم ومعايير الحلول لقضاياهم عند أي نقاش أو موقف أو تحقيق غايات الانعتاق من العبودية والاستعمار الوحشي، وتقويض العلاقة مع أنظمتهم العميلة لهم في حربهم على الإسلام، بينما هم يجعلون الإسلام بحد ذاته المشكلة التي يجب القضاء عليه والقضاء على أهله وتضليلهم وتجنيدهم على كل الصعد العسكرية والفكرية والاقتصادية ليكونوا بيادق في حـربه بوعي منهم أو دون وعي.
فأن تكون مسلما يتطلب أن تكون منسجما مع دينك صادقا في إيمانك كيس فطن، وعلى مستوى عظمة الإسلام ورقيه، ووعد ربه بالتمكين والنصر، متلبسا فيما اقتضى عليك من أعمال واتخاذك إياه قضيتك المصيرية، تستلزم منك كفاحا وعزيمة بكل ما أوتيت من قوة واستطاعة فيما فرضه الله سبحانه وتعالى عليك من الواجبات الفردية إلى الواجبات الجماعية كالجهاد وإقامة الدولة الإسلامية، فلا يؤتين من قبلك، فإما أن تدافع عن دينك وأمتك، وإما أن تتخاذل فتركن إلى دعة الحياة في دنيا زائلة لا صراع فيها ولا تمكين، بلا فخر ولا اعتزاز، ولا انتماء لخير أمة أخرجت للناس، بل تخاذل كتخاذل الحكام وتواطؤهم والتحاق بركب الملأ السياسي الذين أضلهم حكامهم فأطاعوهم فتوعدهم الله بالاستبدال والعذاب، عندما باعوا آخرتهم بدنياهم.(أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ).
فالصراع بين الأمة الإسلامية وبين غيرها من الأمم والشعوب هو صراع ذو طبيعية دينية، ولا يجوز أن يخفي المسلمون أنهم يقاتلون الكفار من أجل تطبيق الإسلام عليهم وإخضاعهم لحكم الله لنشر الخير في المعمورة، قال رسول الله ﷺ: عن ابن عمر – رضي الله تعالى عنهما -: أن رسول الله ﷺ قال: أُمرتُ أن أُقاتل الناسَ حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، ويُقيموا الصلاة، ويُؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقِّ الإسلام، وحسابهم على الله تعالى. رواه البخاري ومسلم.
وهذه هي رسالة الإسلام التي كلف بها الأمة وهي حكم شرعي ماض إلى يوم القيامة، والمسلمون أولى بهذا الفهم والتكليف من الكفار الذين ينظرون للإسلام كما بينا نظرة عداء ويعتبرون أن المشكلة في الإسلام نفسه وأنه لا حل لهذه المشكلة إلا بالقضاء على أهله في حملات صليبية لإقصائه عن الوجود، وبالتأكيد للحيلولة بينه وبين إقامة كيانه السياسي التنفيذي.(وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا)
ومع أن الدول الغربية هي دول علمانية إلا أنهم لم يعودوا يطيقون التخفي ورائها، فأصبحوا يعادون المسلمين كونهم مسلمين، وأن مشكلتهم هي مع دينهم الإسلام ولو حتى كان معتدلا على النهج الذي يريدونه، لأنهم يعتبرون أن جوهر الإسلام وعقيدته هي مع الإسلام السياسي الذي ينتشر ويلاقي رواجا عند المسلمين من الإسلام المعتدل وحركاته التي لحقها الفشل وبدت تنحسر أمام الإسلام السياسي الذي يطلقون عليه الإسلاموية. فلا يجوزُ شرعًا التذرعُ بأوضاع محلية أو دولية أو بالاضطرارِ أو بعدمِ القدرةِ لتبريرِ الدعوةِ إلى الكـفر أو تطبيقِ الكـفر وأنظمتِه بحجة الضعف وعدم الإستطاعة أو ما يسمى بالبراغماتية، فهذا من أعظمِ المحرماتِ، وأعظمُ منه حرمةً الإفتراءُ على الإسلامِ بزعمِ وجودِ رخصةٍ بتطبيقِ الكـفر بسببِ الاضطرار أو عدمِ القدرةِ،(لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)، فكل تكليف أمر الله به المسلم بمقدوره القيام به، فليس عليه إلا الطاعة وبذل الوسع فيما أمر الله.
فالوعي العام على الإسلام، وعلى الكـفر وأساليبه وغاياته، وعلى عملية التغيير المراد إيجادها في المجتمع يجب أن يكون عند الأمة بشكل عام وعلى من يحمل هذا الفكرة ويعمل لها بشكل خاص، أساسيا وبديهيا في حياتهم وفي خطابهم ونقاشاتهم والرد على الخطابات والسرديات التي تتخذ من الواقع الفاسد والأهواء منطلقا ساذجا وسطحيا في معالجة قضايا الإسلام، وبالضرورة على من يريد إيجاد واقع عملي لها في الحياة في صراعها مع خطط الكفار المستعمرين وأساليبهم الماكرة.
إن العمل في الأمة الإسلامية من قبل أفراد المسلمين بخطاب الإسلام والوعي السياسي على أساسه، بل العمل الحزبي الفاعل لحمل الأمة بمجملها على تبني منظومة المفاهيم والقناعات والمقاييس القائمة على الإسلام وعقيدته ونظامه هي التي تؤسس للحاضنة الشعبية أو السند الطبيعي بما فيه من مكامن القوة التي يقوم عليها احداث التغيير المنشود وإقامة الحكم على أساس تلك المنظومة، وبالتالي تسخر ما لدى الدولة من قوة وأجهزة حكم وإدارة لدرء المخاطر الخارجية كالتي ذكرنا بعضا منها، بالإضافة إلى حراسة الأمن الداخلي بتطبيق أحكامه الشرعية.
(وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)
د. خالد الحكيم