مقال: أتجوع غـزة؟! ما أشبه اليوم بالأمس
بسم الله الرحمن الرحيم
أتجوع غـزة؟!
ما أشبه اليوم بالأمس
قال المباركفوري في الرحيق المختوم: ميثاق الظلم والعدوان: “زادت حيرة المشركين إذ نفدت بهم الحيل، ووجدوا بني هاشم وبني المطلب مصممين على حفظ نبي الله ﷺ والقيام دونه، كائنًا ما كان، فاجتمعوا في خيف بني كنانة من وادي المُحَصَّبِ فتحالفوا على بني هاشم وبني المطلب ألا يناكحوهم، ولا يبايعوهم، ولا يجالسوهم، ولا يخالطوهم، ولا يدخلوا بيوتهم، ولا يكلموهم؛ حتى يسلموا إليهم رسول الله ﷺ للقـتل، وكتـبوا بذلك صحيـفـة فيها عهود ومواثيق: (ألا يقبلوا من بني هاشم صلحًا أبدًا، ولا تأخذهم بهم رأفة؛ حتى يسلموه للقتل).”
وعُلقت الصحيفة في جوف الكعبة، فانحاز بنو هاشم وبنو المطلب، مؤمنهم وكافرهم ـ إلا أبا لهب ـ وحُبسوا في شعب أبي طالب.
وقد شملت هذه الصحيفة مناحي الحياة كلها، ولم تكن قاصرة على الجانب الاقتصادي فقط، فقد شملت المقاطعة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، أن لا يجالسوهم ولا يبايعوهم ولا يتزاوجوا منهم حتى يسلموا لهم رسول الله ﷺ ليقتلوه وبلغ الأذى مبلغه حتى ضاقت عليهم الأرض بما وسعت فأكلوا أوراق الشجر، وكل شيء رطب، وكان صياح الصبيان يسمع من وراء الشعب (الوادي) من شدة الجوع والمخمصة، قال سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه): ” كنا قوما يصيبنا ظلف العيش بمكة مع رسول الله ﷺ وشدته ، فلما أصابنا البلاء اعترفنا لذلك، ومرنا عليه، وصبرنا له، ولقد رأيتني مع رسول الله ﷺ بمكة خرجت من الليل أبول، وإذا أنا أسمع بقعقعة شيء تحت بولي، فإذا قطعة جلد بعير، فأخذتها فغسلتها، ثم أحرقتها، فوضعتها بين حجرين، ثم استففتها، وشربت عليها من الماء، فقويت عليها ثلاثا”.
وقال عبد الله بن عباس (رضي الله عنه): ” فحصرنا في الشعب ثلاث سنين، وقطعوا عنا الميرة (الطعام) حتى أن الرجل منا ليخرج بالنفقة فما يبايع حتى يرجع، حتى هلك منا من هلك وأنشد أبو طالب:
وَلَمَّا رَأَيْتُ الْقَوْمَ لَا وُدَّ فِيهِمْ … وَقَدْ قَطَعُوا كُلَّ الْعُرَى وَالْوَسَائِلِ
وَقَدْ صَارَحُونَا بِالْعَدَاوَةِ وَالْأَذَى… وَقَدْ طَاوَعُوا أَمْرَ الْعَدُوِّ الْمُزَايِلِ
وَقَدْ حَالَفُوا قَوْمًا عَلَيْنَا أَظِنَّةً… يَعَضُّونَ غَيْظًا خَلْفَنَا بِالْأَنَامِلِ
واليوم غزة تحاصر بأبشع طرق الحصار في حرب الإبادة التي يقوم بها كيان يهود المجرم ضد أهلنا وإخوتنا هناك، وما يصلنا من مناظر الانتظار تقشعر له الأبدان وتنطق الحجر والشجر، في مشاهد يومية تظهر في وجوه الأطفال مدى الحسرة والقهر والذل وهي تنظر إلى أمة الإسلام في سؤال بريء ألا تشاهدون؟! ألا تنظرون؟! كيف يطيب لكم العيش والنوم ونحن إن لم تقتلنا قنابل العدو قتلنا الجوع والمرض والحسرة؟!
أي ذل وصلت له الأمة اليوم وهي ترى جرائم يهود في فلسطين وغزة؟! والله إن جاهلية الأمس أشد رجولة من اليوم! فقد انحاز كل شريف غيور مؤمن أو كافر للوقوف في وجه طغيان قريش وظلمها وجبروتها، واليوم ٢ مليار مسلم لا يملكون إلا الدعاء وصلاة الجنازة لأهل غزة رغم وقوع كل تلك المجازر والإجرام والتجويع والتهجير…
إن الحصار والقتل والتدمير لأهل غزة ليس من يهود فقط بل من الأنظمة العربية التي تسمى دول الطوق، وهي طوق نجاة وحراسة لكيان يهود! وطوق قهر وذل على المؤمنين!
ففي مقال غزة كابوس الأنظمة العربية يقول الكاتب: “يبدو الموقف الرسمي العربي المتواطئ مع حرب الإبادة الأطلسية في غزة متناغما مع طبيعة هذه الأنظمة التي تعتبر دون أدنى مبالغة أنظمة وكالة وحراسة مكلفة بإخضاع الشعوب وإبقائها سجينة القمع. وليست تصريحات أكثر من مسؤول غربي وصهيوني عن إلحاح قادة بعض الأنظمة العربية في طلب سحق المقاومة الفلسطينية وإخراج غزة من كل معادلات الصراع مع الاحتلال وعرّابيه في الغرب إلا دليلا إضافيا على الدور المحوري الذي تلعبه هذه الكيانات الوظيفية في مأساة شعب فلسطين.”
فمصر الملاصقة لغزة تحمي كيان يهود! وتقف شاحنات المساعدات تنتظر الإذن بالدخول، فقد أصبحت لقمة العيش لأهلنا هناك في ظل حكام الضرار تحتاج الإذن!
إن الواجب الشرعي لرفع الظلم والقهر عن أهلنا في غزة بل كل فلسطين هو تحريك الجيوش وليس تحريك القوافل، فالمسألة ليست كسرة خبز وخيمة بل مسألة احتلال لأرض الإسراء والمعراج، وقتل وتجويع وأعراض ومقدسات، فإن لم تتحرك الجيوش لأجل هذه فمتى تتحرك؟!
يا أمة الإسلام: ألا يستفز نخوتَكم ما ترونه من قتل ودمار وتجويع؟! والله إننا لمسؤولون أمام الله عز وجل فقد خذلنا أهل فلسطين في مواطن هم فيها أحوج لنصرتنا، ورسول الله ﷺ يقول: (ما من امرئ يخذل امرءا مسلما في موطن يُنتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحد ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته) رواه أحمد.
فأروا الله منكم ما يحب واخلعوا عنكم حكام السوء الذين يحولون بينكم وبين واجبكم، فوالله لن يغنوا عنكم شيئا أمام الله، بل سيتبرؤون منكم، فبادروا أنتم إلى البراءة منهم الآن، وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت لمن أعلنها لله وخلع من عنقه كل ولاء للغرب وعملائه.
كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية الاردن
أ. نادر عبد الله