مقال: أُلْـهِيَةُ “تحميل المجتمع الدولي مسؤولياته تجاه الاعتداءات”
أُلْـهِيَةُ “تحميل المجتمع الدولي مسؤولياته تجاه الاعتداءات”
لقد تعوّدت آذان المتابعين والمستمعين على سماع عبارة “نحمّل المجتمع الدوليّ مسؤولياته”، يقولونها رداً على اعتداءات تقع على أراضي قائليها، سمعناها من حكام قطر بعد اعتداءات كيان يهود على أراضيهم، وسمعناها من حكام سوريا بعد اعتداءات كيان يهود على دمشق وغيرها من الأراضي السورية، وسمعناها من حكام إيران بعد اعتداءات كيان يهود على إيران، وسمعناها من حكام الأردن رداً على الجرائم اليهودية في غزة، وغير ذلك الكثير، فما المقصود بالمجتمع الدوليّ الذي يحمّلونه المسؤولية؟ وماذا وراء هذه العبارة؟ وما هو الموقف الصحيح البديل لهذه العبارة؟
أمّا المقصود بمصطلح “المجتمع الدوليّ” فهو الدول أو الكيانات السياسية الموجودة في العالم، مضافاً إليها المنظمات والمؤسسات الدولية؛ الحكومية وغير الحكومية؛ التي تنظّم العلاقات بين الدول، مثل هيئة الأمم المتحدة ومؤسساتها كالجمعية العامة، ومجلس الأمن، والأمانة العامة، ومحكمة العدل الدولية، والمنظمة العالمية للصحة، ومنظمة التجارة العالمية، والاتحاد الأوروبي، وغيرها.
ولا يغيب عن البال حقيقة هذه المنظمات وتحكّم الدول الكبرى فيها، ولا يغيب عن البال أيضاً أساس نشأتها، فقد وجدت بذرتها الأولى في مؤتمر وستفاليا المنعقد سنة 1648م بين الدول الأوروبية النصرانية، الذي وُضعت القواعد الثابتة لتنظيم العلاقات بين الدول الأوروبية النصرانية، ونظمت أسرة الدول النصرانية مقابل الدولة الإسلامية، ووضعت فيه القواعد التقليدية لما يسمى بالقانون الدولي، ومع أنه لم يكن قانوناً دولياً عاماً، وإنما كان قانوناً دولياً للدول الأوروبية النصرانية ليس غير، لكنه وَضَع أساساً لما يسمّى الجماعة الدولية، ليكون لاحقاً أساساً للقانون الدولي، ثم نشأت عصبة الأمم بحجة منع الحروب وتنظيم العلاقات بين الدول، وفشلت في ذلك حتى وقعت الحرب العالمية الثانية، فقامت الدول الكبرى المنتصرة في الحرب بإنشاء هيئة الأمم المتحدة بحجة حفظ الأمن والسلام العالمي.
وقد بات واضحاً بما لا يدع مجالاً للشك بأنّ تلك المنظمات الدولية إنما هي أداة للدول الكبرى؛ وخاصة أمريكا، لتحقيق مصالحها، وأنّ الأمن والسلام الذي تسعى تلك المنظمات لتحقيقه إنما هو مفصّل على مقاييس تلك الدول، فإن فشلت تلك الدول وخاصة أمريكا في تحقيق مصالحها من خلال تلك المنظمات جعلتها وراء ظهرها، كما فعلت أمريكا في غزو العراق، أو ما يسمّى بحرب الخليج الثالثة عام 2003م.
هذه هي حقيقة ما يسمّى بالمنظمات الدولية، تتحكّم بها الدول الكبرى، وهي تشكّل جزءاً مما يسمّى بالمجتمع الدولي، أمّا الدول أو الكيانات السياسية القائمة في العالم فهي الدول الكبرى، والدول التابعة، والدول التي في الفلك، والدول المستقلة، أمّا الدول ذات التأثير في السياسة العالمية فهي الدول الكبرى، وبالنظر إلى الدول القائمة في بلاد المسلمين نجد أنّ منها دولاً دائرة في الفلك كتركيا وإيران، وبقيتها دول تابعة للدول الكبرى، وليس لدول العالم الإسلامي أي تأثير في السياسة الدولية.
وعليه، فمن هو الذي يحمّلونه مسؤولياته تجاه الاعتداءات؟ أهو الدول الكبرى التي تجتمع وتتفق على حرب الإسلام والمسلمين، وتنهب ثرواتهم، وتمنعهم من الوحدة وإقامة دولتهم الإسلامية دولة الخلافة؟ أم هو المنظمات الدولية التي تقوم عليها الدول الكبرى وتتحكّم بها وتتخذها أداة استعمارية لتحقيق مصالحها، ومنها منع توحّد المسلمين وإقامة دولتهم؟
إن هذه العبارة التي تتردد على ألسنة الملوك والأمراء والحكام ووزراء خارجيتهم في بلاد المسلمين؛ وهي عبارة “نحمّل المجتمع الدوليّ مسؤوليته تجاه…”؛ هذه العبارة فارغة المضمون، ولا واقعَ حقيقياً لها، فلا يهمّ الدول الكبرى ولا المنظمات الدولية التابعة لها أن ترفع الظلم أو تردّ الاعتداء عن بلاد المسلمين، ولا أن تكبح جماح كيان يهود المسخ، وهي التي زرعته في قلب العالم الإسلامي، وهي التي تقوم بمدّه بأسباب الحياة، وبالآلة العسكرية، وبالدعم السياسي. وهذه العبارة إنما هي وسيلة الحكام الضعفاء العملاء لتضليل شعوبهم، وهي أقرب إلى رفع العتب عن أنفسهم، ويحاولون بها أن يحتفظوا بما تبقى لديهم من ماء الوجه -إن بقي شيء منه- وهم الذين يتآمرون على أمتهم، ويساعدون أعداء الأمة في نهب ثرواتها، ويمكّنونهم من تحقيق أهدافهم في بلاد المسلمين، وهم الذين يحافظون على تمزيق الأمة الإسلامية في كيانات ضعيفة هزيلة باحتفاظهم بكراسيّهم المعوجّة قوائمها، فلا تملك الأمة من أمرها شيئاً بسبب تسلّطهم على رقاب الأمة.
يقال إن رئيسة وزراء بريطانيا مارغريت تاتشر لَـمّا أبلغوها باحتلال الأرجنتين لجزر فوكلاند عام 1982م قالت: استدعوا مجلس الحرب، فقالوا لها: ألا نشكو لمجلس الأمن؟ فقالت: لست زعيماً عربياً يتسوّل حقوق بلاده.
ولنا في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي تاريخ خلفاء المسلمين المجيد عبرة وعظة في الردّ على اعتداءات الأعداء على مسلم أو مسلمة أو على أرض المسلمين، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو يهود بني قينقاع ويحاصرهم خمسة عشر يوماً، ثم يخرجهم من المدينة؛ بسبب اعتدائهم على امرأة مسلمة وقتلهم رجلاً مسلماً، وذاك هارون الرشيد في ردّه على نقفور ووصفه إياه بكلب الروم حين أراد الامتناع عن دفع الجزية، وذاك المعتصم الذي حرّك جيشاً وفتح عمورية رداً على اعتداء الروم على امرأة مسلمة، وقامت بالاستغاثة بالمعتصم، وغير ذلك الكثير من الحوادث التي لا يتسع المجال لذكرها وحصرها، تبيّن كيف يكون الردّ الحقيقيّ على اعتداءات الأعداء على المسلمين أو على أراضيهم، وإنما هي أفعال تلقّن الأعداء دروساً تنسيهم وساوس الشيطان، وليست أقوالاً فارغة جوفاء لا مضمون لها كما يفعل الحكام الرويبضات في بلاد المسلمين اليوم، الذين جعلوا الأعداء يستبيحون كل الحرمات عند المسلمين، ويكتفون بالشجب والاستنكار والتنديد و”تحميل المجتمع الدوليّ مسؤولياته”.
ونختم بأن الأمة الإسلامية وإنْ غفلت عن مهمتها فترة من الزمان، ومزّقها الغرب الكافر بتآمر من حكامها الرويبضات؛ لكنّها لا تموت، وسرعان ما تستيقظ من غفلتها، وتعود لمهمتها ووظيفتها في العالم، حاملة مشاعل الهدى، وراعية للعدل والإنصاف، وقد اقتربت من إقامة دولتها؛ دولة الخلافة؛ التي يحمل مشروعَها حزبُ التحرير الرائد الذي لا يكذب أهله، وحينها يرى كيان يهود ومَنْ خلفَه الردود الحقيقية من دولة الخلافة عليهم وعلى جرائمهم وتصريحاتهم.
كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير ولاية الأردن
أ. عبد الله أحمد