حزب التحرير ولاية الأردن

مقال: البلطجة الأمريكية وسرقة ثروات العالم… أوكرانيا مثالا (ج1)

المعادن الأرضية وأهميتها في التكنولوجيا كتبه: الأستاذ حسن حمدان

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مفهوم المعادن الأرضية وأهميتها في التكنولوجيا:

لقد كثر الحديث عن المعادن الأرضية في ظل الصراع الدولي على الثروات والتكنولوجيا، وللوقوف على مفهوم هذه المعادن وأثرها وأهميتها في الصراع كان لا بد من مقدمة عن هذه المعادن وعددها وأماكن تواجدها وأهميتها…

بدايةً، تتكون المعادن الأرضية النادرة من 17 عنصراً كيميائياً تتميز بخصائص فريدة تجعلها أساسية في الكثير من التطبيقات التكنولوجية الحديثة.
وتشمل هذه المعادن كلاً من السيريوم، الديسبروسيوم، الإيربيوم، الأوروبيوم، الجادولينيوم، الهولميوم، اللانثانم، اللوتيتيوم، النيوديميوم، البراسيوديميوم، البروميثيوم، الساماريوم، السكانديوم، التيربيوم، الثوليوم، والإيتربيوم. (الاتحاد الدولي للكيمياء البحتة والتطبيقية).

والمعادن النادرة ليست نادرة في حقيقة الأمر، فمثلا يُنتج عالميًا نحو 250 ألف طن من المعادن النادرة، وإذا قارنا تلك الكميات بمعدن نادر بالفعل -مثل الذهب- فستعادل عدة أضعاف الكمية المُنتجة من المعدن الأصفر”، ربما تأتي الندرة من أن تلك المعادن الـ17 متشابهة جدًا؛ ما يعني أن فصلها وتنقيتها شديد الصعوبة” وتسميها وزارة الطاقة الأمريكية “معادن التكنولوجيا” وهذا للعلم اسم دقيق ومعبر جداً.

• مواطن هذه المعادن والانتاج العالمي:

كانت البرازيل من المنتجين الأوائل لهذه المعادن حتى عام 1948، حيث سيطرت مع الهند على سوقها، إلا أن الوضع تبدّل، وباتت الصين أكبر منتج للمعادن النادرة.

وتستحوذ الصين على 80% من سوقها حاليًا، وتتوزع النسبة الباقية بين الولايات المتحدة والبرازيل والهند وفيتنام وأستراليا وروسيا وماينمار، وأيضًا إندونيسيا، وفقًا لموقع “داون تو إيرث”. وتتواجد كذلك في أفريقيا وتتركّز مواقع التعدين بكثافة في المنطقة الممتدة من الكونغو الديمقراطية إلى جنوب أفريقيا والتي تُعرف باسم حزام التعدين، خاصة في جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا.

وكذلك في أوكرانيا التي تستحوذ على 7% من إنتاج التيتانيوم (قبل الغزو الروسي) الذي يستخدم في الصناعات الحديثة ومنها صناعة الطائرات إلى محطات الطاقة ويتواجد كذلك في جزيرة غرينلاند التي طالب ترامب بضمها.

وتمتلك الصين أكبر المصانع لمعالجة المعادن الأرضية النادرة في العالم، وتأتي في مقدمة الدول المنتجة لهذه المعادن، وتحتكر قرابة نصف الاحتياطي العالمي للمعادن الأرضية النادرة، تليها البرازيل ثم فيتنام وروسيا، مقابل 12% فقط في الولايات المتحدة.

ولا تملك أميركا سوى منجم واحد في كاليفورنيا يصدّر مستخلصات المعادن النادرة إلى الصين لتتم معالجتها هناك، ويعود ذلك للأضرار البيئية الناجمة عن عملية المعالجة، التي تحاول الولايات المتحدة تجنبها التزاما باتفاقية المناخ التي انسحب منها ترامب.

ومن باب العلم، فإن استخراج المعادن النادرة وتعدينها يسبب أضرارًا بيئية، وتستهلك كميات هائلة من الطاقة، وتضخ انبعاثات الكربون في الهواء والسموم في التربة، فضلًا عن أن عددًا منها -مثل الباريوم والكادميوم- يسببان أضرارًا صحية للإنسان.

• أهميةً المعادن النادرة:

– المعادن النادرة ذات قيمة كبيرة جدا وتلعب دورا هاماً في صناعة التكنولوجيا حيث يقول عنها عالم السياسة الدكتور روبرت موغا: إنها “أساس اقتصاد القرن الحادي والعشرين.”

– أما قيمتها الاقتصادية، فتقدر قيمة احتياطيات أوكرانيا من المعادن النادرة والليثيوم، بما يتراوح بين 3 تريليونات و11.5 تريليون دولار، وفقا لتقرير لـ”المنتدى الاقتصادي العالمي”.

– أما أهميتها ودورها في التكنولوجيا: فتكمن من كونها مستخدمة في حزمة واسعة من المنتجات المتطورة، بدءًا من الهواتف المحمولة إلى السيارات الكهربائية، كما أوردت جريدة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.

وقد اهتم ترامب بالمعادن النادرة منذ ولايته الأولى حيث وقّع في العام 2017 أمرًا تنفيذيا بتأمين امدادات المعادن النادرة، أعقبه أمر تنفيذي آخر في العام 2020 يركز على مواجهة الهيمنة الصينية في مجال المعادن الأرضية النادرة، كما طالب بضم غرينلاند التي تمتلك ثامن أكبر احتياطيات من هذه المعادن النادرة.

– وهذه المعادن النادرة أساسية للطاقة المتجددة والتطبيقات العسكرية والبنية التحتية الصناعية، فضلاً عن لعب “دور استراتيجي متزايد في الجغرافيا السياسية والاقتصاد الجغرافي”.

– وتزداد أهميتها للولايات المتحدة نظراً لرغبتها في تقليل اعتمادها على الصين وكسر حاجز سيطرتها على تلك المعادن، إذ تسيطر حاليا على حوالي 75 في المئة من رواسب المعادن النادرة في العالم، وفقا لمجموعة الاستثمار الجيولوجي.

وفي عام 1992، أثناء زيارته لمدينة باوتو في منغوليا الداخلية، أحد أكبر مناجم المعادن النادرة في الصين، قال الزعيم الصيني دينج شياو بينج: “الشرق الأوسط لديه النفط، والصين لديها المعادن النادرة”. وكان يشير إلى ثروات الصين.

والصين رائد هذه الصناعة بلا منازع وسبقت الجميع وحافظت على قيادتها في كل خطوة على سلم الإنتاج. ورغم أن حصتها في الإنتاج العالمي انخفضت من 97% في عام 2011 إلى نحو 70% في عام 2022، فإنها لا تزال تسيطر على أكثر من 85% من القدرة على المعالجة. وتتمتع الصين باحتكار فعال في معالجة المعادن النادرة الثقيلة الرئيسية ــ الديسبروسيوم (Dy) والتربيوم (Tb)، والمعادن النادرة الخفيفة ــ النيوديميوم (Nd) والبراسيوديميوم (Pr).

– أما أهميتها ودورها في الصراع فنذكر هذه القصة التي ذكرتها وسائل الإعلام الغربية: أعلنت الحكومة الصينية وقف تصدير “المعادن الأرضية النادرة” إلى اليابان بعد أن قام خفر السواحل الياباني بإلقاء القبض على قبطان قارب الصيد على أثر حادث بين القارب وسفينتين لخفر السواحل الياباني وكان رد الصين على اليابان بوقف تصدير المعادن الأرضية النادرة إلى اليابان حيث أدى القرار الصيني إلى حالة من الذعر تجاوزت الصناعات اليابانية إلى الأسواق الأمريكية والاتحاد الأوروبي، ودب الهلع في صناعة السيارات العالمية، حيث لا غنى عن المعادن الأرضية النادرة لإنتاج المغناطيسات الدائمة المستخدمة في السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح.

⁠- ولبيان أهمية وقيمة وحاجة الدول والصراع التكنولوجي لهذه المعادن خاصة في الصناعات العسكرية فقد ذكر تقرير صادر عن حلف شمال الأطلسي عام 2020 حول أمن الطاقة: (تتطلب غواصة أمريكية من فئة فرجينيا حوالي 400 طن من العناصر الأرضية النادرة، وتحتاج مدمرة من فئة أرلي بيرك أكثر من طنين وطائرة مقاتلة من طراز إف-35 400 كيلوجرام) قد يكون هذا الطلب في الواقع أكثر تحديًا مما يبدو فيما يتعلق بالإنتاج العالمي السنوي، حيث أن بعض العناصر الأرضية النادرة المحددة للقطاعات مطلوبة أكثر من غيرها. وكما جاء في تقرير حلف شمال الأطلسي، “كلما أصبحت المعدات العسكرية أكثر تطورًا، زاد تنوع الطلب على العناصر الأرضية النادرة للقوات المسلحة.

ومع ذلك، في الوقت الحاضر، يبلغ اعتماد حلف شمال الأطلسي على العناصر الأرضية النادرة الصينية ما يقرب من 100 في المائة”.

من هنا يظهر لنا مدى أهمية وحساسية مسألة المعادن وأثرها على النظرة المستقبلية للولايات المتحدة حيث قال أحد كبار مستشاري الرئيس دونالد ترامب، مايك والز، لوكالة الأنباء الأمريكية نيوز نيشن، إن الصفقة مع أوكرانيا كانت “تتعلق بتنمية العلاقة اقتصاديا وربط الولايات المتحدة وأوكرانيا معا للمستقبل”.

…… يتبع