حزب التحرير ولاية الأردن

مستجدات السياسة الأمريكية في عهد ترامب

كتبه: حسن حمدان

بسم الله الرحمن الرحيم

مقال

مستجدات السياسة الأمريكية في عهد ترامب

 

    منذ فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية والعالم يقف مذهولا أمام تصريحات يومية فاقت كل التوقعات، ومواقف بشكل جنوني أذهلت العالم، بحيث لا يستطيع أحد محاولة فهم هذه العقلية الجدلية، وهذه الإجراءات لم تقف عند الخارج الأمريكي بل شملت حتى الداخل الأمريكي.

    فمن جملة تصريحات ترامب مثلا:

– ضم كندا لتصبح الولاية 51.

– شراء جزيرة غرينلاند.

– السيطرة على قناة بنما.

– امتلاك غـزة والمشاريع حولها.

– التعرفة الجمركية والحـروب التجارية مع الجميع وتقليص عجز الميزان التجاري.

– تجميد والتهديد بإلغاء المساعدات الأمريكية والتخطيط لتسريح آلاف الموظفين في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (يو إس أيد).

– المضي قدماً في خطة لتحفيز العمال الفيدراليين على الاستقالة.

– فرض عقوبات على المحكمة الجـ نائية الدولية والخروج من بعض المنظمات الدولية بل والتهديد بالخروج من الناتو.

– الطلب من أوكرانيا ضمان توريد المزيد من المعادن الأرضية النادرة للولايات المتحدة مقابل 300 مليار دولار لدعم حـ ربها ضد روسيا.

– إلغاء ترامب التصريح الأمني لأكثر من أربعين مسؤول استخبارات سابق اتهمهم بالتدخل في انتخابات 2020 لصالح بايدن، وبالنسبة لإلغاء التصريح الأمني لبايدن فقد سبق لبايدن أن ألغى التصريح الأمني لترامب.

– لقد هدد الرئيس المنتخب بالتخلص من الوكالات الحكومية المستقلة التي لا يحبها، وتحويل أخرى إلى إقطاعيات خاصة به، وتسيس المؤسسة العـسكرية، وتجاوز الكونجرس بتعيينات مؤقتة في حال رفض الموافقة على ترشيحاته.

    كما انتقد حلفاء أمريكا علنًا، والأسوأ من ذلك، أساء إليهم أمام خصومهم. وهو لا يرى أي قيمة أو مصلحة للولايات المتحدة من القانون الدولي أو القـواعد أو المؤسسات مثل الأمم المتحدة أو مـنظمة التجارة العالمية أو مـنظمة الصحة العالمية، وهو ينتقد حتى التحالفات الأمريكية الاستراتيجية مثل حلف الناتو.

    وهنا نقف أمام قضية مهمة جدا وهي كون الولايات المتحدة الأمريكية دولة ذات مؤسسات عريقة وليست دولة فرد طاغية يحكمها بفرديّته، وكيف نفهم هذه التصريحات وهذا الإذعان له؟ وهل يملك ترامب قدرات خارقة لتغيير هيكلة العلاقات الدولية واللعب بالداخل الأمريكي؟ أم أن ترامب مدفوع بأجندة خفية لتحقيق مكاسب سياسية للولايات المتحدة واقتضت هذه الإستراتيجية وجود شخصية تلاءم هذا الدور وهو ترامب، فقدمته وأعطته كل الصلاحيات والضوء الأخضر لتحقيق تلك الأهداف تحت ذريعة صلاحيات الرئيس الأميركي والدستور الأمريكي؟ وهل صحيح أن صلاحيات الرئيس تمكنه من ذلك؟ ولماذا هو من استخدمها بهذه الكثرة دون غيره؟ ومآل هذا كله على الدولة والمستقبل الأمريكي والنظرة إليها وقيادتها العالمية؟

    بداية ينطلق ترامب من فكرة مفادها: أن الأمريكيين سئموا من كونهم رجال شـرطة العالم وعلى نفقتهم الخاصة ولم يستفيدوا من قيامهم بالدفاع عن العالم إلا مزيدا من المديونية والكلفة الاقتصادية العالية والدماء الأمريكية، وهذا بدوره ترك أثراً على قوة الولايات المتحدة -طبعا هذا مقارنة ببريطانيا -التي اكتسبت مغانم كبيرة جداً ولم تنفق إلا القليل واستخدمت الأدوات والعملاء لتنفيذ خططها وتحميلهم كلف بناء الإستراتيجية البريطانية آنذاك، فبريطانيا دولة صغيرة وذات اقتصاد ليس قوياً بذاته، ولا تملك الجـيوش الكبيرة، أو بناء القـواعد والنفقة عليها، لكنها استطاعت أن تحكم العالم لفترة، وحظيت ولا زالت – نوعا ما- بغنائم ضخمة وكبيرة جدا أدت إلى بقاء بريطانيا قوة كبرى مع قوة الجنيه الإسترليني، في المقابل أمريكا أصبحت شـرطي العالم على حسابها، فهي ودفعت تكاليف حماية الآخرين على حسابها ونفقتها هِيَ في الوقت الذي قويت فيه اقتصاد بعض الدول، وتراجع الاقتصاد الأمريكي وحملت الدولة الأمريكية ديوناً ضخمة، وقد آن الأوان لأن تتحمل تلك الدول نفقات الحماية والدفاع عنهم مع تعويض الولايات المتحدة عن تلك الفترة وإلا فإنها ستقوم بأفعال انتقامية وإجراءات عقابية ضد من يمانع.

    وأظن أن هذه الفكرة بحد ذاتها فكرة مجمع عليها بين الأمريكيين بشكل كبير خاصة مع بداية ظهور قوى إقليمية كبرى ونمو اقتصادي كبير لبعض الدول مقارنة بضعف أمريكي وظهور منازع إقليمي محتمل.

    ذكرت صحيفة “ذا هيل” الأمريكية، “أن السبيل الوحيد أمام واشنطن لاستعادة الاستقرار العالمي وتحسين صورتها، هو تغيير سياستها الخارجية”.

    وذكرت في سياق تقرير نشرته حديثًا: “أن حكومة الولايات المتحدة تمتلك أكثر من 750 قاعدة عـسكرية فيما لا يقل عن 80 دولة، وهي متورطة في جميع الصراعات الكبرى في العالم، وآخرها في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط، مشيرة إلى أنه خلال السنوات الأخيرة، ظهر تيار يدعو الولايات المتحدة لبذل المزيد من الجهد لإنهاء الصراعات.”

    وعلى مدار العقود الماضية، أنفقت أمريكا أكثر من 8 تريليونات دولار من أموال دافعي الضرائب على الحـ روب في الشرق الأوسط؛ وخسرت آلاف الجـ نود وقُـ تل مئات الآلاف من المدنيين، ومن المثير للدهشة أن البعض ما زال يريد من الولايات المتحدة أن تواصل تدخلها في الشرق الأوسط، بحسب “ذا هيل”.

هذه ملخص الفكرة التي ينطق بها ترامب.

    ويقول الدكتور ليون هدار، الذي قام بتدريس العلاقات الدولية في الجامعة الأمريكية وكان زميلا باحثا في معهد كاتو، في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية، إن أمورا كثيرة كُتبت ونوقشت حول مشكلة “الانتفاع المجاني” بشكل عام، وفي السياسة الخارجية بشكل خاص. وخلال الحـرب الباردة وما بعدها، تعرض حلفاء الولايات المتحدة عبر المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ لانتقادات في واشنطن لاعتمادهم عليها لإنفاق ثرواتها الوطنية من حيث زيادة النفقات العـسكرية لتزويدهم بالأمن العالمي.

    لذا كانت الرسالة واضحة من واشنطن بلغة فظة وعنيدة – بعدما حاولت إدارة أوباما إفهام الأوروبيين بانتهاء سياسية -الراكب بالمجان – والرسالة تقول: أنه إذا أراد الحلفاء أن يكونوا قادرين على الاستمرار في الاعتماد على القيادة العـ سكرية الأمريكية، سيتعين عليهم التالي:

    أولاً: الدخول تحت العباءة الأمريكية وعدم التفكير بتكتلات خاصة بهم أو دفاع خاص بهم، ذكر ترامب أن رئيس “دولة كبيرة”، لم يُسمّها، في أوروبا سأله ذات مرة: “إذا لم ندفع، وتعرضنا لهـجوم من روسيا، هل ستقومون بحمايتنا؟”، فردّ ترامب قائلاً: “لا، لن أحميكم. في الواقع، سأشجعهم (أي روسيا) على فعل كل ما يحلو لهم بكم. عليكم أن تدفعوا كل ما يترتب عليكم من التزامات”.

    “إن ما يجري الآن هو ما يسميه مستشارو ترامب بـ “إغراق المنطقة”، حيث يتم إطلاق سلسلة من القرارات الرئاسية المتلاحقة والتصريحات المتفـجرة، بوتيرة تجعل من المستحيل على خصومه السياسيين أو الإعلاميين مواجهتها أو حتى معالجتها بشكل فعال. هذه الاستراتيجية لا تمنح أي طرف فرصة لالتقاط الأنفاس، فبينما يحاولون التعامل مع أزمة، يكون ترامب قد فجّر أخرى، محوّلاً السياسة إلى مــعركة استنزاف لا تنتهي.”

    ثانيا: قبول الشروط الاقتصادية التي وضعها الأمريكيون: إنهاء صفقات الطاقة مع روسيا، وفرض عقوبات عليها، والانضمام إلى الولايات المتحدة في حرب اقتصادية تكنولوجية طويلة ومكلفة مع الصينيين.

    ثالثاً: تعويض الولايات المتحدة عن فترة الحماية والدفاع وتعديل عجز الميزان التجاري والمشاركة في الدفاع بقيادة أمريكية وحيدة وهم جنود وتلقي الأوامر الأمريكية والمشاركة بنسبة تحددها الولايات المتحدة وقد تصل الأمور عندها نسبة كاملة على الدول فوق هامش ربح ومقدار من الثمن لدخولها تحت مظلة الحماية الأمريكية.

    رابعاً: الدخول في تنفيذ الخطط الأمريكية كاملة وعدم معارضتها.

    هذه أبرز النقاط حول المرحلة الحالية.

    وقد قال ترامب خلال حفل تنصيبه: “العهد الذهبي للولايات المتحدة بدأ، وسأضع أمريكا أولا”. ولعلها في حال نجاحها ستكون أخطر وأعنف في مراحل متقدمة وستعتمد على مدى المقاومة والضغوط وخضوع الدول أو حدوث مفاجآت تقلب الأوضاع.

    إذا فيما يبدو أننا أمام محاولة تغيير كبير على المستوى العالمي والمحلي والإقليمي لمشروع محاولة المحافظة على بقاء الولايات المتحدة دولة أولى من خلال إعادة مصادر القوة وإضعاف الآخرين وتحطيم وتفكيك صعود محتمل لقوى إقليمية.

    ويبدو أن وضع الولايات المتحدة حاليا باتت تستشعر خطورة الوضع لذا لجأت إلى شخصية كهذه بلطجية وهذا محل توافق في الدولة العميقة تحت حجة صلاحيات الرئيس التي يخولها الدستور الأمريكي للرئيس تحت حجة استنزاف الولايات المتحدة وحقها في كلفة حماية النظام العالمي الذي يحافظ على الولايات المتحدة كقائدة له.

كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية الأردن

الأستاذ حسن حمدان