28 من رمــضان 1445    الموافق   Mar 19, 2024

بسم الله الرحمن الرحيم




رأي اليوم :

التفكير الإستراتيجي بين الممارسة  والإدعاء في ظل أزمة النظام الرأسمالي وضحالة التفكير السياسي

set

حسن محمد حسين حمدان

الإستراتيجية أو الخطة بمعنى واحد، وهي: سياسة عامة ترسم لتحقيق غاية من الغايات التي يقتضيها نشر المبدأ أو طريقة نشره، هذا بالنسبة للدولة المبدئية ومن ناحية مبدئية ويمكن رسم استراتيجيات وقائية وأخرى تتعلق بكيفية التعامل مع الكيانات السياسية الأخرى والمحافظة على الدولة ومركزها وأي خطر على الدولة  في الهيمنة العالمية ومركز الدولة الأولى،


أما الأسلوب فهو سياسة خاصة في جزئية من الجزئيات التي تساعد على تحقيق الخطة وتثبيتها بخلاف الأدوات والوسائل.


الأسلوب: هو كيفية معينة للقيام بالعمل وهو كيفية غير دائمة، أما الوسيلة فهي الأدوات المادية التي تستعمل للقيام بالأعمال لتنفيذ خطة معينة، وأيضا قد تكون للخطة الواحدة عشرات الوسائل والأساليب، والدولة العالمية لا تعدم الوسائل والأساليب لتحقيق خطتها، بل إن كثرة الوسائل والأساليب هي نقطة قوة في تنفيذ الخطط والإستراتيجيات، فإذا أخفقت وسيلة ما أو أسلوب معين، لجأت لأخرى مع المحافظة على ثبات الخطة الإستراتيجية، وهنا قد يظن البعض أن إخفاق أسلوب معين أو وسيلة معينة كأداة في تحقيق الخطط يعود بالتغيير على الخطط، فيظن أن الدولة غيرت خطتها ويقع في الخطأ، وأثر هذا  سيء جداً على قراءة الأحداث وكيفية التعامل معها وكشف الخطط والتفريق بين تعدد الوسائل والأساليب وتغيرها مع ثبات الخطة، مثل استراتيجية الولايات المتحدة في المحافظة على استمرارية الهيمنة واحتواء القوى الصاعدة خاصة الصين فهي خطة مرسومة منذ الخمسينات مع كثرة ما استخدمته الولايات المتحدة من أدوات وأوراق ولا زالت خاصة بعد شعور الدولة العميقة أن مكانة الولايات المتحدة خلال عقود على المحك  إن لم تستجعل تحقيق نتائج سياسية الاحتواء في وقت مناسب في ظل تصاعد القوى الأخرى وعامل الوقت لا يشك عاقل بأهمية .


والخطط والأساليب السياسية توضع للعمل المباشر، ولكن مع ذلك  على الدولة أن تغيّر الأساليب الموجودة، وأن تعثر على أساليب أخرى في حالات منها  إذا كُشفت تلك الأساليب أو أخفقت، بحيث أصبحت لا تؤدي المطلوب، وكذلك يمكن أن تغير الخطة ولكن  بدرجة أقل من تغيير الوسائل والأساليب -لأن الخطط الاستراتيجية هي سياسة عامة لأهداف كبرى سواء كانت تلك الإستراتيجية كونية أو متعلقة بمنطقة اقليمية أو بدول كبرى معينة- إذا أصبحت تلك الخطة لا تجدي، أو إذا كان بقاؤها يكلِّف الدولة صعاباً ليس من مصلحتها وجودها، ولكن الدولة حين تُغير خطتها إنما تَستبدل بها خطة أُخرى، وحين تُغير الأسلوب تضع مكانه أسلوباً آخر، ولا تقعد  عن وضع الخطط والأساليب إلاّ إذا عجزت وإنحطت عن مكانتها في الموقف الدولي. ومهما يكن من أمر، فإن جميع الدول ترسم خططاً سياسيةً تتغير حسب الحاجة، وتتبع أساليب تختلف وتتعدد حسب الأوضاع.


والدول في عملها السياسي إنما ترعى مصالح أمتها وتقيم علاقتها بغيرها حسب المصالح، إلا أنها تختلف في ذلك اختلافاً كبيراً، فالدولة التي لا تحمل مبدأ معيناً تجعل المصلحة وحدها العامل المؤثر في علاقتها الدولية، وأما الدولة التي تعتنق مبدأ معيناً وتحمله للعالم فإنها تجعل المبدأ عاملاً فعالاً في علاقاتها الدولية، وتجعل المصلحة التي يعيّنها المبدأ عاملاً مساعداً في هذا السبيل؛ ولذلك كان لزاماً أن تُعرف الدولة من حيث الأفكار التي تعتنقها، هل هي دولة تعتنق مبدأ أو لا تعتنق أي مبدأ؟ وحينئذ تـُعرف العوامل التي تؤثر في علاقاتها الدولية وكيف تتعامل هي مع الآخريين وكيف ينبغي للطرف الآخر ان يتعامل معها .


أما الفكرة التي تقوم عليها سياسة الدولة فهي الفكرة التي تبنى على أساسها علاقتها بغيرها من الشعوب والأمم، فالدول التي لا مبدأ لها تعتنقه تكون الأفكار لديها مختلفة متباينة وفيها قابلية التغيّر، ومثل هذه الدول ينطبق عليها بحث الخطط والأساليب السياسية، ولا ينطبق عليها بحث الفكرة السياسية.


أما الدول التي لها مبدأ تعتنقه فإن فكرتها ثابتة لا تتغير، وهي نشر المبدأ الذي تعتنقه في العالم بطريقة ثابتة لا تتغير مهما اختلفت الأساليب وتغيرت، وينطبق عليها بحث الفكرة السياسية.


والمعسكر الغربي لا يغير فكرته السياسية ولا طريقته، -وكذلك دولة الإسلام - ولكنه يغير خططه وأساليبه، ليرسم خططاً أخرى، ويتبع أساليب جديدة حتى يتأتى له نشر مبدئه، وإذا  قُضي على أساليبه وأُحبطت خططه، أخفقت مشاريعه التي رسمت من أجلها تلك الخطط والأساليب؛ ولذلك كان الكفاح السياسي موجهاً للخطط والأساليب -في كشفها ومقاومتها- في الوقت الذي يوجه لمحاربة الفكرة السياسية وطريقتها من أجل الحفاظ على كيان الأمة والدولة حتى لا تضيع فكرتها السياسية ولا طريقتها وكذلك حتى لا تكون مطية للغرب في تحقيق مصالحه .


وحتى لا  يكون الكلام عاماً كان لا بد من تنزيل هذه النقاط على مثال من تاريخ الإسلام على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذلك القائد السياسي الذي لن ترتقي البشرية  مهما بلغت إلى مستوى تلك العقلية السياسية الفذة  ولنضرب مثالاً على ذلك في حادثة  صبح  الحديبية.


بعد أن إنقضت ست سنوات على هجرته من مكة وبعد أن اطمأن إلى جيشه وإلى المجتمع الإسلامي، وبعد أن أصبحت دولة المسلمين مرهوبة الجانب عند جميع العرب، فكر في خطوة أخرى يخطوها في سبيل الدعوة وفي سبيل تقوية الدولة الإسلامية وإضعاف أعدائه، وقد بلغه أن مواطأة كانت بين أهل خيبر ومكة على غزو المسلمين، فرسم خطة يصل بها إلى موادعة مع أهل مكة ينتج عنها أن يخلى بينه وبين العرب لتسهيل نشر الدعوة في الجزيرة، وأن يعزل بها خيبر عن قريش هذه الخطة تتكون من نقطتين:-


1- تحييد قريش:2- عزل قريش عن خبير، والهدف  والغاية من هذه الخطة هو   نشر الدعوة في عموم الجزيرة، وأن يخلى بينه وبين العرب، ولن يتم هذا إلا بتحييد قريش وهذا الهدف العام والمخفي والمقصود والذي يجب ألا يكشف .


فقد رأى أن هذه الخطة لن تكون إلا بالإحتكاك بقريش و زيارة بيت الله الحرام سلماً حتى يصل إلى مقصوده، وكان يعلم أن قريشاً قد تفككت وحدتها، وصار يساورها الخوف من المسلمين وأنّها تحسب له ألف حساب، فأراد أن يذهب إلى البيت الحرام حاجاً حتى لو حاولت قريش منعه سيكون  هذا المنع وسيلة من وسائل الدعوة للإسلام ولدولته وإثارة الرأي العام ضد قريش في منع زيارة بيت الله  -وهذا المنع- إن حصل سيكون أثره أخطر من كسب معركة مادية  مهما بلغت النتائج، ولذلك لم يأذن للمسلمين أن يحملوا سلاحاً إلاّ السيوف في أغمادها وأعلمهم أنه خارج للحج لا للقتال، حتى بلغ خبرهم قريشاً بأنهم قدموا للحج لا للقتال، فخافت أن يكون ذلك حيلة من  المسلمين لدخول مكة، وحسبت لهذا الأمر ألف حساب، وقررت أن تحول بينهم وبين دخول مكة مهما كلفها ذلك من تضحيات، فجهزت جيشاً للقاء المسلمين وصدهم عن مكة.


وهنا وقف عليه الصلاة والسلام يفكر في الأمر ويعيد النظر في الخطة التي اختطها، لقد قرر خطة السلم ولم يهيئ للقتال، ولكن قريشاً أرسلت إليه جيشاً لتقاتله وهو لا يريد قتالاً، ولكن أيرجع دون تحقيق هدفه ومقصوده وستكون هذه العودة وبالا على الدعوة والدولة وحركة ارتجالية لا تلتقي مع العقلية السياسية الإستراتيجية  أم ينجر لخطة قريش وهي الحرب!؟ ويكون منفعلا وضحية لخطة الغير وتنقلب النتائج ضده .


ولو فُرض ومُنع من الحج وكان مقدراً هذا المنع، فإنه يريده منعاً سلمياً أيضاً لا منعاً حربياً، لأن المنع الحربي  سيرتد بالأثر السيء على الدولة والدعوة، وإن قُدر  له الدخول أو المنع السلمي سيحقق  رأيا عاماً عند العرب كافة عن الدعوة والدولة وكذلك عند قريش،  لأنّ هذه الأجواء من أكبر العوامل المساعدة للدعوة على الإنتشار، وعلى النصر، ولذلك قرر خطة السلم  و مواصلة تلك  الخطة  حتى لا يفوت عليه قصده الذي خرج من أجله وحتى لا تنعكس خطته؛ فيكون لقريش عند العرب حجة عليه ويكون الرأي العام لقريش بدل أن يكون له، فنادى في النّاس: «من رجل يخرج بنا على طريق غير طريقهم التي هم بها» حتى استقر في الحديبية، وهي بأسفل مكة فلما رآهم جيش خالد وعكرمة، فزعوا وكروا راجعين إلى مكة ليدافعوا عنها، وداخلهم الرعب والفزع من تجاوز المسلمين جيشهم واقتحامهم حدود مكة، جيش المشركين داخل مكة  ورابط جيش النبي ومن معه في الحديبية منتظراً أن يرى ما ستفعل قريش وكان يعلم أنّها ترتجف خوفاً منه، وأنّها سترسل له لتفاوضه في شأن مجيئه للحج، وآثر التريث حتى ترسل رسلها، وبالفعل أرسلت قريش بديل بن ورقاء في رجال من خزاعة وفد مفاوضة، ليسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم ما الذي جاء به، وما لبثوا بعد مفاوضة قصيرة حتى اقتنعوا بأن المسلمين لم يأتوا يريدون حرباً وإنما أتوا زائرين للبيت معظمين لحرماته فعادوا لإقناع قريش بذلك، وحاولوا إقناعها حتى اتهمتهم قريش بممالأتهم لمحمد صلى الله عليه وسلم ولم تثق بكلامهم، فأرسلت وفداً آخر برئاسة مكرز بن حفص فكان كالوفد الأول، ثمّ أرسلت الحليس بن علقمة سيد الأحابيش لمفاوضة محمد صلى الله عليه وسلم وكانت تعتمد عليه وعلى قومه في صد محمد صلى الله عليه وسلم وقصدت إثارته على المسلمين، إذا رجع ولم تنجح مفاوضته فيزداد حقده، ويشتد في الدفاع عن مكة، غير أن النبي صلى الله عليه وسلم حين علم بخروجه أمر بالهدي أن تطلق أمامه، لتكون تحت نظره دليلاً محسوساً على أن نية المسلمين الحج وليس الحرب فخرج الحليس، ولما أقبل على معسكر المسلمين رأى الإبل في عرض الوادي ورأى مناظر المسلمين وهديهم مناظر معتمرين لا محاربين، تظهر في معسكرهم أجواء العبادة فتأثر لهذه المناظر، وأيقن بأن هؤلاء النّاس يبغون العبادة لا القتال، وما لبث أن اقتنع بوجهة نظر المسلمين وانقلب إلى مكة قبل أن يلقى الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبر قريشاً وطلب إليها أن تسمح للمسلمين بالحج، وغضب عليها واشتد في غضبه وهددهم بأنه إذا لم يخلوا بين محمد والكعبة تركهم ونفر بالأحابيش عن مكة، ولكنهم استرضوه وطلبوا إليه أن يمهلهم حتى يفكروا في أمرهم، فسكت عنهم ثمّ إنّهم أرسلوا عروة بن مسعود الثقفي بعد أن أكدوا له أنهم يطمئنون إلى رأيه ويثقون به، فخرج إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأخذ يفاوضه أن يرجع عن مكة، واستعمل في مفاوضته جميع الأساليب ولكنه لم ينجح في ذلك ورجع مقتنعاً بوجهة نظر الرسول، فزاد ذلك قريشاً عناداً وخصومة، وطالت المحادثات دون أن تصل إلى رأي.


ففكر الرسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يرسل هو وفداً للمفاوضة، فلعل رسل قريش تخاف منها، ولعل رسوله يقنعهم، فأرسل رسولاً إليهم هو خراش بن أمية الخزاعي، ولكنهم عقروا به جمل الرسول وأرادوا قتله لولا حماية الأحابيش له، واشتدت قريش في خصومتها وكانت ترسل سفهاءها في الليل يرمون معسكر المسلمون بالحجارة، فغضب لذلك المسلمون وفكروا في قتال قريش، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخفف من غضبهم ويهدئهم، وحدث أن خرج خمسون رجلاً من قريش إلى معسكر المسلمين ليضربوهم وليصيبوا لهم من أصحابه أحداً، فألقي القبض عليهم وأُحضروا إلى رسول الله فعفا عنهم وخلىّ سبيلهم، فكان لهذا العمل الأثر الأكبر في مكة والدلالة القاطعة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم فيما يقوله من أنه إنما جاء للحج لا للحرب، وَوُجد بذلك رأي عام في مكة في جانب الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى لو دخلها في ذلك الحين وحاولت قريش منعه لكانت الدائرة عليها، وكان أهل مكة والعرب ضدها، ولهذا سكتت قريش عن تحرشاتها وصارت تفكر في أمرها، وظهرت في أجوائها أمارات السلم.


فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأرسله إلى أبي سفيان فانطلق عثمان إلى قريش وبلّغهم رسالته، فقالوا: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف، فأجابهم: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله وفاوضهم في مهمته فرفضت قريش، وطال بينهم الحديث واستمرت المفاوضات، وانتقلت من قبل قريش من الرفض إلى وضع خطة مقابلة توفق بين مطالب قريش ومطالب المسلمين، وبحثوا معه في إيجاد علاقات بينهم وبين محمد، وأَنِسوا بعثمان أن يجد لهم طريقاً يخلصون به من مأزقهم هذا، ومن استمرار العداوة مع محمد ، ولما طال مكث عثمان ولم تظهر له آثار في مكة سَرَتْ إشاعة بين المسلمين بأن قريشاً غدرت بعثمان وقتلته، واشتد القلق بالمسلمين ودخل في رُوع النبي صلى الله عليه وسلم أن قريشاً قتلت عثمان، وهاج المسلمون واضطربوا، ووضع كل منهم يده على قبضة سيفه، واستعدوا للحرب والقتال وحينئذٍٍ أعاد الرسول عليه السلام النظر في خطته التي اختطها وهي خطة السلم، ورأى أن الأمر يحتاج إلى إعادة النظر في تلك الخطة بعد أن غدرت قريش بعثمان في الشهر الحرام وهو رسول مفاوضة، ولذلك قال: «لا نبرح حتى نناجز القوم»، ودعا أصحابه إليه ووقف تحت شجرة وطلب مبايعة أصحابه له فبايعوه جميعاً على أن لا يفروا حتى الموت، وكانوا أشد ما يكونون حماسة وقوة عزيمة وصدق إيمان.


وما أن تمت البيعة واستعد المسلمون لخوض المعارك والدخول في الحرب، حتى بلغهم أن عثمان لم يقتل، وما لبث أن عاد عثمان وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بما قالته قريش، فعاد إلى خطة السلم بسبب زوال أسباب تغيير الخطة، وتجددت المفاوضات السلمية بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين قريش حتى أوفدت قريش سهيل بن عمرو ليفاوض الرسول صلى الله عليه وسلم مفاوضة أوسع من مسألة الحج والعمرة؛ ليفاوضه على صلح يعقد بينه وبينهم، على أن يكون أساس الصلح أن يرجع عن مكة هذا العام. وقَبلَ الرسول صلى الله عليه وسلم مفاوضات الصلح على هذا الأساس، لأنّها حققت الغرض الذي يقصده من موضوع زيارة البيت، ولا يضيره أن يزور البيت هذا العام أو يزوره العام القادم. إنه يريد أن يعزل خيبر عن قريش وأن يخلي بينه وبين العرب لنشر الدعوة الإسلامية، ولذلك يرغب في وضع معاهدة بينه وبين قريش توقف القتال الناشب بينها وبينه والحرب المتلاحقة بينهما.


وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفذ خطته في القضاء على كيان خيبر، وفي نشر الدعوة خارج الجزيرة وتثبيتها داخل الجزيرة، ويتفرغ في هذه الفترة من الهدنة مع قريش للقضاء على بعض الجيوب، وللاتصال الخارجي، فتم له ذلك بفضل هذه المعاهدة، وبهذا إستطاع عليه السلام أن ينفذ خطته التي وضعها حين عزم على الحج تنفيذاً دقيقاً رغم ما اعترضها من صعاب، وما قام في وجهها من عقبات، ووصل إلى الأغراض السياسية التي أرادها، وكانت الحديبية فتحاً مبيناً لا ريب فيه،


في  هذه العجالة  تقف أمام عقلية سياسية عملاقة  بلا  شك  ترينا كيف وضع رسول الله خطته وكيف جعلها موضع التطبيق  واستخدم أسلوب أداء العمرة وتحريك الرأي العام ودعوة الناس ولم يحمل عدة الحرب وكيف غيّر الطريق  وفاجأ أهل مكة  وكيف حطّم خطة قريش والزمها خطته وكيف جعل من أدوات قريش سهاما ضدها وليس لها بل حملت ما يريد من موقف ، وكيف تعامل مع كل ورقة منها  بحيث  جعلها في صالحه وهذا يدلل على مدى وقوف القائد السياسي على كافة التفاصيل وقوة الأدوات عند الطرف الآخر وكيف يتعامل معها  وأصبحت تلك السهام والأوراق خطرا على قريش وليست لها  ثم كيف حيّد قريشا  وانطلق بعدها للجزيرة وكيف  أنهى الأمر بين قريش وخيبر .......حتى أصبحت الدعوة في كافة الجزيرة العربية والدولة دخل في حلفها كيانات سياسية بحيث أصبحت رقما صعبا نازعت قريش القوة الإقليمية  وعزلتها بلا حرب أو إراقة دماء أو كلفة مالية بل من خلال التفكير الإستراتيجي الذي جعل من قريش دولة هامشية تنتظر الفتح القريب .

أنها العقلية السياسية المبدئية التي أنتجتها  العقيدة الإسلامية وهي ليست حكرا على رسول الله وإن كان أرقاها وأعظمها في الوقت الذي ماتت فيه البذرة في الأرض الرأسمالية فلم تعد تجد  عقليات سياسية نتيجة عقم هذا المبدأ الذي اذاق العالم ويلات تحكمه وفساده وجعل من الغاية مبررا للوسيلة  وجعل من كتاب الأمير مرجعا للسياسيين  .


المصدر: رأي اليوم

     
30 من جمادى الأولى 1440
الموافق  2019/02/05م
   
     
 
  الكتب المزيد
 
  • الدولـــة الإسلاميـــة (نسخة محدثة بتاريخ 2014/12/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الملف) الطبعة السابعة (معتمدة) 1423ه... المزيد
  • من مقومات النفسية الإسلامية الطبعـة الأولى 1425هـ - 2004 م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/10/21م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الم... المزيد
  • النظام الاقتصادي في الإسلام الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1425 هـ - 2004م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/01/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة... المزيد
  • النظام الاجتماعي في الإسلام الطبعة الرابعة 1424هـ - 2003م (معتمدة)   (نسخة محدثة بتاريخ 2013/09/10م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند ف... المزيد
  • نظــــام الإســـلام   الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1422هـ - 2001م   (نسخة محدثة بتاريخ 2012/11/22م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الص... المزيد