7 من شوال 1445    الموافق   Mar 28, 2024

بسم الله الرحمن الرحيم




 

همسات

الإفساد في الارض

 

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...


فقد حددت وزارة الأوقاف الخطبة الموحدة لهذه الجمعة  الرابع  من شهر شعبان 1439 هجرية الموافق  للعشرين من شهر نيسان 2018 ميلادية عن الإفساد في الأرض بعد إصلاحها، ولنا مع هذه الخطبة وقفات...


ركزت الكلمة الموحدة مستفيضة عن الفساد الذي يسببه الأفراد للبيئة فذكرت مخالفات المتنزهين في الحدائق العامة والغابات، وحذرت من الإسراف في المياه معتبرة ذلك فسادا أيضا، وطالبت بصلاح الفرد بأن يكون ذو خلق حسن مع الناس في كل ما يندرج تحت الفرد وأخلاقه مع الناس .


واختزلت الخطبة كل معاني الفساد وشموليته في السلوكيات الخاطئة التي يقع فيها الأفراد متناسية فساد المنظومة التشريعية وفساد القاعدة الفكرية ودورها في إفساد الأفراد .


هذا وإن كان الفساد لدى الأفراد جزء من الفساد ولكن ليس هو الفساد  كله ولا هو أعلاه وأخطره ، وإنما فساد الأفراد من فساد الأنظمة المطبقة عليهم وفساد المنظومة الفكرية والعقدية المطبقة عليهم ، وليس أعظم فسادا من تشريع البشر للبشر، فهو عرضة للتفاوت والإختلاف والتأثر بالبيئة من منطلق المصلحة البشرية التي يراها المشرع  في نفسه دون غيره من الناس، مما يجلب عليهم  الشقاء والتعاسة ويحملهم على ظلم بعضهم البعض، فأي فساد أعظم من فساد منظومة التشريع الرأسمالية التي جعلت التشريع للبشر فأفسدت البلاد والعباد.

 

قال تعالى : (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ )، إن القران الكريم تحدث عن فساد المنظومة الفكرية والعقدية وبين أنها أس الفساد وأساسه  ومنها هذه الآية ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ) التي فيها إدعاء فرعون وقد استدل العلماء  انطلاقاً من هذه الآية قديماً وحديثاً على التوحيد، وذلك لأننا لا نرى في الكون فساداً بل نظاماً وانسجاماً، فإذا بطل اللازم وهو الفساد بطل الملزوم وهو تعدّد الآلهة فثبت التوحيد، وكذلك فساد المنظومة التشريعية  فالتشريع حق الله وحده وليس لأحد سواه، إلا للخالق العظيم حصراً وقصراً  كما في الآية (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ).

 

ونستطيع القول أن تعريف الفساد شمل - وهو الأصل- فساد المنظومة العقائدية  (القاعدة الفكرية) والأفكار والمفاهيم عن  الحياة والتي بثبوت  فسادها يثبت فساد الفروع من باب أولى ولا يحق لنا أن ننظر إلى فساد الفروع  فقط مع إغفال فساد الأصل، أو أن نطالب بإصلاح بعض الفروع (القوانين والتشريعات) فقط ، كما يطالب بعضهم  لأن فساد  الأصل يلزم تغييره بأصل آخر ثبت صحته قطعا، ولأن المطالبة ببعض الإصلاحات مع فساد الأصل هي في حقيقتها محافظة على أصل الفساد ودوران في فلك دائرة الفساد،  لذلك كانت (المناداة ببعض الإصلاحات) وترك أصل الفساد هي مضيعة للوقت وللجهد وخيانة للأمم والشعوب  وبناء للأحلام على الرمال المتحركة وتكون أمام حتمية الانهيار ولو بعد حين، حيث قال تعالى: (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ ) وهذه القاعدة ملزمة شرعا ومقنعة عقلا.

 

ويشمل تعريف الفساد فساد الأدوات سواء أكانت أفرادا أم مؤسسات أو هيئات قائمة على قاعدة فاسدة ومفاهيم فاسدة ،ويكثر الحديث اليوم عن فساد الأفراد والأشخاص بعينهم بعيدا عن أصل فساد النظام بقاعدته الفكرية والتشريعية.


إن القرآن الكريم ذكر أن المفسدين ( أصحاب الآراء والأفكار الفاسدة ) لهم تعريفهم الخاص للفساد  نتيجة لنظرتهم  الفاسدة في الحياة، فتعريف الفساد عند هؤلاء القوم المفسدين على خلاف النظرة الصحيحة والفهم الشرعي ، فها هو فرعون مدعي الألوهية  كما ذكر لنا القران الكريم : (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي ) وهو أساس الفساد يحارب دعوة الله واصفاً دعوة نبي الله موسى عليه السلام  - وهي الحق - ويتهمها بالفساد حيث قال الله تعالى عنه: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ)،  وكذلك زعم قومه قائلين له كما ذكر القرآن عنهم: (وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ).

 

وهذا حال أنظمة اليوم تتهم حملة الإسلام والدعوة لدولة الخلافة وإقامة حكم الله باستئناف الحياة الإسلامية تتهمهم بالفساد والخطورة على أمن المجتمع، فتعتقلهم وتفرض عليهم السجن والإقامة الجبرية الظالمة، وهذا والله هو منطق فرعون ومن حوله الخوف من تغيير فسادهم وطغيانهم ثم يتشدقون بأمن المجتمع ويتهمون أهل الحق بالفساد.


إن المنظومة التشريعية  والحكم بقوانين الرأسمالية المتوحشة ومنها الديمقراطية حكم الشعب للشعب، هي التي أفسدت البر والبحر والغابة والبيئة وأفسدت البشر قبل ذلك، وعليه ففساد منظومة التفكير لدى البشر هو نتيجة حتمية لتطبيق المنظومة الرأسمالية التشريعية التي تجعل التشريع للناس من دون الله، وإذا ما فسدت القاعدة العقدية لدى البشر فسدت سلوكياتهم المبنية على هذه القاعدة الفاسدة.

 

إن ما يشهده العالم اليوم من فساد على شتى الصعد هو نتيجة حتمية لغياب تطبيق شرع الله في الأرض، فالله تعالى الخالق المدبر أعلم بخلقه وبما يصلح حالهم، وهو أنزل منظومة تشريعية متكاملة في السياسة والاقتصاد والاجتماع والعبادات والأخلاق والمعاملات والمطعومات والملبوسات، بيضاء نقية من فوق سبع سماوات تحل مشكلات البشر وتضبط تصرفاتهم وسلوكياتهم و تنظم علاقاتهم ببعضهم البعض.


إن الفساد بأم عينه أن يرهن حكام الضرار حكام البلاد الإسلامية البلاد والعباد للكافر المستعمر فتراه يسفك الدماء وينهب الثروات، و يفسد العباد بثقافة ماجنة فاسدة مفسدة، فأين الفساد إن لم يكن هو هذا ؟ ...


أليس الفساد أن يكون كيان يهود محتلا لأرض فلسطين وطائرات المسلمين وجيوشهم مسلطة على رقاب المسلمين كما يحدث في الشام واليمن وليبيا ومصر والعراق وغيرها كثير...

أليس من الفساد ألا تتوجه هذه الجيوش إلى كيان يهود لتطهر البلاد من رجس يهود الغاصبين !.

 

ونحن المسلمين أمرنا الله جل في علاه أن نتبع هذه المنظومة التشريعية الإلهية ونحكمها في الأرض فقد قال عز وجل مخاطبا نبيه : (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ )

 

ولكن الله منجز وعده رسله وهو حتماً ناصر عباده المخلصين لتحكيم شرع الله في الأرض، لإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).

 

 

المكتب الإعلامي لحزب التحرير

 

 

 

     
03 من شـعبان 1439
الموافق  2018/04/19م
   
     
 
  الكتب المزيد
 
  • الدولـــة الإسلاميـــة (نسخة محدثة بتاريخ 2014/12/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الملف) الطبعة السابعة (معتمدة) 1423ه... المزيد
  • من مقومات النفسية الإسلامية الطبعـة الأولى 1425هـ - 2004 م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/10/21م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الم... المزيد
  • النظام الاقتصادي في الإسلام الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1425 هـ - 2004م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/01/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة... المزيد
  • النظام الاجتماعي في الإسلام الطبعة الرابعة 1424هـ - 2003م (معتمدة)   (نسخة محدثة بتاريخ 2013/09/10م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند ف... المزيد
  • نظــــام الإســـلام   الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1422هـ - 2001م   (نسخة محدثة بتاريخ 2012/11/22م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الص... المزيد