8 من شوال 1445    الموافق   Mar 29, 2024

بسم الله الرحمن الرحيم




همسات حول خطبة الجمعة
الدين الإسلامي هو دين الحب والرحمة

 

ليس من المستغرب على وزارة الأوقاف أن تسير على نهج النظام في التضليل، وتمييع أفكار الإسلام، وتغييب المسلمين عن واقعهم المرير، وإبعادهم عن معالجاته الشرعية الصحيحة من الأساليب الخبيثة التي تمارسها الحكومات في بلاد المسلمين، وليس من المستغرب عليها أن تلزم خطباءها بالتهديد والترهيب، بنمط خطب موحدة لا يمت لقضايا الناس بصلة، ولا يلامس مشاعر الأمة، ولا يخاطب عقولها، بل أن جل اهتمامها توظيف المعاني التي يريد النظام تكريسها بين الناس وهم منها براء، وعلى قدر من الوعي ليعلموا تدليسهم والمقاصد التي يبتغون تحقيقها، والتي لا تهدف إلى ابتغاء مرضاة الله، والصدق مع الناس، وإلا ما المقصود من خطب عناوينها: "السلم في الإسلام"، و "الإسلام دين المحبة والرحمة"، و "منزلة آل البيت في الإسلام"، بدلًا من توعية الناس بالخطاب الجاد الحقيقي لقضايا المسلمين المصيرية، مثل ضرورة إيجاد كيان وحدة للمسلمين، يطبق شرع الله، و تحرير بلاد المسلمين المغتصبة، وكيفية الانعتاق من ربقة الاستعمار، ونهبه لثروات المسلمين، وسياسة التعليم في بلاد المسلمين، وبيان النظام الاقتصادي في الإسلام، إلى غير ذلك من الأمور التي يصحو الناس ويمسون في الحديث عنها، وحولها وحول مشروع نهضتها الحقيقي بإقامة دولة الخلافة على منهاج النبوة.


أما الحديث عن الإسلام بأنه دين المحبة والرحمة، في الوقت الذي يشيع الكفار ووكلاؤهم من حكام المسلمين، شرقًا وغرباً الكراهية والبغض للإسلام، ويمعنون في قتل المسلمين وتجويعهم وإغراقهم في البحر، وتشتيتهم، وتهجيرهم، بل وتعذيبهم، أقل ما يقال فيه: "إنه تدليس، وتلاعب بمشاعر الأمة، وسذاجة وسخف، تنعقد ألسنة الخطباء بالنطق به، في ظل هذا الهوان من أنظمة الاستبداد والقهر والعهر التي تحكم المسلمين، دون خجل ولا استحياء ولا اعتبار للناس ومشاعرهم.


ومع ذلك فلنا وقفات حول هذه الخطبة نوجهها لمن غلب على أمره في الحديث حولها:


أولاً: عن معنى حب الله ورسوله، قال الأزهري: محبةُ العبد لله ورسوله تعني طاعتُه لهما، واتباعه أمرهما. وقال البيضاوي: المحبة إرادة الطاعة. وقال ابن عرفة: المحبة، عند العرب، إرادة الشيء على قصد له. وقال الزجاج: ومحبة الإنسان لله ورسوله طاعته لهما، ورضاه بما أمر الله سبحانه به، وأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه المحبة بالمعنى المذكور فرض، ومحبة الله ورسوله هي النوع الذي ربطه الله سبحانه بمفهوم شرعي جعله فرضًا.


والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة، قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ). (البقرة 165) والمعنى أن الذين آمنوا أشد حبًا لله، من حب المشركين للأنداد. وقوله: (قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ). (التوبة 24)


وعن أنس أن النبي ﷺ قال: «ثلاث من كن فيه، وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار». (متفق عليه).


ثانيًا: الحب في الله يعني أن تحب العبد لله، أي بسبب إيمانه وطاعته، والبغض فيه يعني أن تبغض العبد بسبب كفره أو معصيته، وحب المؤمنين الطائعين أجره عظيم والأدلة على ذلك:


حديث أبي هريرة المتفق عليه عن النبي ﷺ قال: «سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه، وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال إني أخاف الله، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً، ففاضت عيناه».


● والرسول ﷺ يبين عظم أجر المؤمن الذي يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويحرص على جلب الخير له في دنياه وآخرته ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، ففي حديث أنس المتفق عليه عن النبي ﷺ قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»


● ومن هذا الباب أن يكون في حاجة أخيه وُسعه، وأن يفرج عنه كربه جهده، ففي حديث ابن عمر المتفق عليه، أن رسول الله ﷺ قال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة
»، فالمسلم مأمور بأن يهتم بأمور المسلمين وليس التفرج عليهم وأخذ الحياد والصمت وهم يرزحون تحت ظلم وسطوة الحكام وقضائهم الجائر، قال ﷺ: «ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم»، وهذا يتطلب من المسلم أن يدافع عن أخيه المسلم، وأن يقوم بكل مقتضيات الأخوة ولا يظلمه ولا يخذله، فالحياد هو موقف المتخاذلين. وعدم تحمل المسؤولية تجاه من يوالون الله، ويدعون حبهم في الله، هو هروب وتخاذل، بل مخالف لأحكام الشرع، فعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه، عن رسول الله ﷺ قال: «يؤتى يوم القيامة بعبد محسن في نفسه لا يرى أن له سيئة، فيقال له: هل كنت توالي أوليائي؟ قال: يا رب، كنت من الناس سلماً، قال: فهل كنت تعادي أعدائي؟ قال: يا رب، إني لم أكن أحب أن يكون بيني وبين أحد شيء، فيقول: وعزتي، لا ينال رحمتي من لم يوالِ أوليائي ولم يعادِ أعدائي».


ثالثًا: أما البغض في الله، فقد نهى الله سبحانه عن حب الكفار والمنافقين والفساق المجاهرين، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ). وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ).


وروى الطبراني بإسناد جيد عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله: «
ثلاث هن حق: لا يجعل الله من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له، ولا يتولى اللهَ عبدٌ فيوليه غيره، ولا يحب رجل قومًا إلا حشر معهم». وفي هذا نهي جازم عن محبة أهل السوء خشية أن يحشر معهم. وأخرج الترمذيُّ، وقال هذا حديث حسن، عن معاذ بن أنس الجُهني أن رسول الله ﷺ قال: «من أعطى لله، ومنع لله، وأحبّ لله، وأبغض لله، وأنكح لله فقد استكمل إيمانه». هذا وقد وردت بعض الآثار في بغض الصحابة للكفار، منها حديث جابر بن عبد الله عند أحمد أن عبد الله بن رواحة قال ليهود خيبر: «يا معشر اليهود، أنتم أبغض الخلق إلي، قتلتم أنبياء الله عز وجل، وكذبتم على الله، وليس يحملني بغضي إياكم على أن أحيف عليكم ...».


رابعاً: ومن أهم مقتضيات وفروض حب الله ورسوله ﷺ، والحب والبغض في الله، ليس حب الإنسان لله بمحاربة شهواته وهواه فحسب، بل بالتزام الإنسان بما أنزل الله من الأحكام الشرعية، وطاعته سبحانه وتعالى في تنزيلها على واقعها، فتتجه عند ذلك بوصلة مشاعر الحب والكراهية حسب ما اقتضى الشرع، وليس حسب الهوى ...


فحب الله ورسوله يقتضي نشر دعوته وتطبيق شريعته، ونصرة العاملين لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة ...


• وحب الله ورسوله يتطلب العمل على إيجاد الحاكم الذي يطبق شرع الله ويقيم الحدود، حتى تكون في عنقه بيعة ولا يموت ميتة جاهلية ...


• وحب الله ورسوله يلزم المسلمين نصرة دين الله ونصرة المسلمين الذين يتعرضون للقتل والتعذيب والتهجير دون منة أو رئاء ...


• وحب الله ورسوله يستوجب على المسلمين أن لا يقفوا صامتين من نصرة إخوانهم المسلمين، من حملة الدعوة ودعاة الحق، الذين يعتقلوا ويعذبوا ويحاكموا ويسجنوا لأنهم تلبسوا بالعمل للدعوة إلى الله وقالوا كلمة حق أمام سلطان جائر ولأنهم قالوا ربنا الله ...


أما البغض في الله فيقتضي عدم اتخاذ النصارى واليهود أولياء من دون الله وعقد المعاهدات معهم، بل والاجتماع بهم وودهم وتمكينهم من البلاد والعباد ...


 والبغض في الله يكون في قول كلمة حق عند الحكام الذين لا يطبقون ما أنزل الله والذين وصفهم القرآن بالفسق والظلم والكفر، ولا يكون بمدحهم والدعاء لهم، كما لا يكون في رعاية الفساد والفاسدين، وفرض المكوس والضرائب ، وتمكين المستعمر الكافر من نهب ثروات المسلمين...


 والبغض في الله يكون لمن يتحالف مع أعداء الأمة، ويقف إلى جانبهم في حربهم على الإسلام، ونهب خيرات بلاد المسلمين، ويزج بأبناء المسلمين في الحرب على المسلمين، بدل الجهاد في سبيل الله والتقاعس عن تحرير مقدسات المسلمين وبلادهم ...


 والبغض في الله يكون لعلماء السلاطين الذين يؤولون النصوص وآيات الله، لتضليل الناس عن جادة الحق في إقامة الخلافة الإسلامية، وهي تاج الفروض.


 والبغض في الله يكون لولاة الأمور الذين يوادون من حاد الله ورسوله ويصدون عن سبيل الله، ويبغونها عوجا ...


 وأخيراً البغض في الله يكون لقضاة الجور والظلم في محاكم الدولة الذين يحكمون بسجن دعاة الحق والذين يقولون ربنا الله، حسب قوانين عقوبات ظالمة وضعية، سنها لهم الحكام ثم يدعون باستقلالية القضاء ...

 

     
29 من محرم 1439
الموافق  2017/10/19م
   
     
 
  الكتب المزيد
 
  • الدولـــة الإسلاميـــة (نسخة محدثة بتاريخ 2014/12/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الملف) الطبعة السابعة (معتمدة) 1423ه... المزيد
  • من مقومات النفسية الإسلامية الطبعـة الأولى 1425هـ - 2004 م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/10/21م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الم... المزيد
  • النظام الاقتصادي في الإسلام الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1425 هـ - 2004م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/01/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة... المزيد
  • النظام الاجتماعي في الإسلام الطبعة الرابعة 1424هـ - 2003م (معتمدة)   (نسخة محدثة بتاريخ 2013/09/10م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند ف... المزيد
  • نظــــام الإســـلام   الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1422هـ - 2001م   (نسخة محدثة بتاريخ 2012/11/22م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الص... المزيد