أولًا: الحج ركن عظيم من أركان الإسلام، فرضه الله سبحانه وتعالى على المسلمين  لقوله: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين). والحج المبرور سبب لغفران الذنوب. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "من حج لله فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه". البخاري، وعند مسلم: "من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه".

ثانيًا: يعيش المسلمون اليوم في أيام  موسم الحج، ويقومون بأداء فريضة الحج دون أميرٍ للحج، فلا خليفة لهم يقودهم، ولا خليفة لهم يحدد لهم أميرًا خاصًا  للركب، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدد أميرًا للحج أو يحج هو بهم، فمن المعروف أن نبينا صلى الله عليه وسلم أمر على الحج بعد فتح مكة اثنين من أصحابه رضي الله عنهما الأول: عتاب بن أسيد سنة ثمان (عام الفتح)، والثاني أبو بكر الصديق أمره على حج سنة تسع، فلما نزلت سورة براءة أتبعه النبي صلى الله عليه وسلم عليا ليقرأها على الناس، ثم كانت حجة النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع سنة عشر للهجرة، والتي قاد بها الحجيج بنفسه صلى الله عليه وسلم.

وفي عهد الخلافة الراشدة كان أبو بكر، وعمر، وعثمان هم من يتولى شؤون أداء فريضة الحج، وعندما تولى الإمام علي بن أبي طالب الخلافة أناب عنه مَنْ يحج بالناس مثل القيم بن عباس عامله على مكة، وفي سنة أخرى أناب عنه واليه على اليمن، من هنا كانت بداية إمارة أو ولاية الحج، فوالي الحج أو أمير الحج شخص  يختاره الخليفة؛ ليحج بالناس ويرعى شؤونهم، فالخليفة  هو المسئول عن تنظيم شؤون الحج، وتأمين أداء الناس, وإزالة العقبات، وتأمين الطرق, وراحة زوّار بيت الله، ومعاقبة من ترك الحج وهو قادر عليه، وكيف يُترك أمر الحج للناس بفرديتهم وهو ركن من أركان الإسلام العظيمة؟؟ فلما زالت دولة الخلافة أصبحت كل أحكام الإسلام, ومنها الحج متروكة يقوم بها المسلمون بفرديتهم بدافع تقوى الله حيث غابت عنهم الدولة التي تطبق الإسلام, وتقيم أحكامه وشعائره, فحج اليوم أيها المسلمون بلا أمير عام ولا خاص كما كان عليه الحج في دولة الخلافة.

ثالثًا: بعد أن أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق أميرًا على الحج أتبعه بعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما حيث ورد عنه في السيرة لابن هشام رحمه الله:

قال ابن إسحاق: وحدثني حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف عن أبي جعفر محمد بن علي رضوان الله عليه أنه قال: لما نزلت براءة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان بعث أبا بكر الصديق؛ ليقيم للناس الحج قيل له: يا رسول الله لو بعثت بها إلى أبي بكر فقال: "لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي"، ثم دعا علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال له: "اخرج بهذه القصة من صدر براءة، وأذن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى، أنه لا يدخل الجنة كافر، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو له إلى مدته". فخرج علي بن أبي طالب رضوان الله عليه على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء حتى أدرك أبا بكر بالطريق, فلما رآه أبو بكر بالطريق قال أأمير أم مأمور؟ فقال بل مأمور ثم مضيا. فأقام أبو بكر للناس الحج, والعرب إذ ذاك في تلك السنة على منازلهم من الحج التي كانوا عليها في الجاهلية، حتى إذا كان يوم النحر قام علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأذن في الناس بالذي أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم، معلنا قرارات العزة  فقال: أيها الناس إنه لا يدخل الجنة كافر، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو له إلى مدته، وأجل الناس أربعة أشهر من يوم أذن فيهم ليرجع كل قوم إلى مأمنهم أو بلادهم.

رابعًا: إن الحج ليس مجرد  لقاء لأداء مناسك الحج فقط, بل هو لقاء سياسي, ومكان لإعلان استراتيجية دولة الخلافة، وسياستها الخارجية والداخلية وتحديد العلاقات الدولية, والمعاهدات، وبيان آجالها, ومدتها، فالحج على عهد رسول صلى الله عليه وسلم كان  لقاءً سياسيًا، وإعلانًا منه لسياسية الدولة بكل عزة وفخر، فقد منع كل مظاهر الكفر وممارساته بقرار سياسي، وإرادة سياسية ذاتية مخلصة،ولم يقم وزنا لأحد من زعماء الكفر ولا لكياناته.

أما في هذا الأيام, فإن المسلمين يؤدون فريضة الحج بلا خليفة لهم يقاتَلُ من ورائه, ويتقى به، يؤدون فريضة الحج بلا أمير ينتدبه خليفة المسلمين؛ لإمارة الحج، يؤدون فريضة الحج، وبلادهم ممزقة، وجميعها تحت نفوذ وسيطرة الكافر المستعمر، يؤدون فريضة الحج، وهم يعيشون تحت وطأة قرارات الذل والتبعية للغرب الكافر في كل المجالات، وعلى حساب أحكام الإسلام العظيم، وعلى حساب أرواح وأعراض وكرامة وعزة وحقوق المسلمين في كل مكان، حتى وصل بهم الأمر إلى التآمر علنا على دماء المسلمين ومقدساتهم, والتحالف مع أمريكا ضد الإسلام تحت مسمى مكافحة الإرهاب والتطرف، حيث أنشئُوا بالتعاون مع المخابرات الأمريكية لهذه الغاية الإجرامية المراكز التي أعلنوا عنها بعد زيارة عدو الله ترامب لبلاد الحرمين واجتماعه بكل حكام المسلمين!! تبكي العيون فرحًا من مواقف العزة عندما كان للمسلمين دولة، وتبكي دمًا ألما ومرارة من حال الأمة اليوم, ومن الخزي والذل  الذي فرض عليها بيد حكامها المغتصبين لسلطانها!!

خامسًا: الحج لقاء يجمع المسلمين في مكان واحد, وأمير واحد, وشعائر واحدة؛ لأن المسلمين أمة واحدة, ودولة واحدة، وأمير واحد، يقومون بأداء شعائر الحج في وقت واحد، ومكان محدد, كلهم لبوا نداء الله: لبيك اللهم لبيك, في هذه الفريضة، وهذا الركن، فكيف تتعدد دولهم وحكامهم؟؟ وكيف يتعدد صومهم وعيدهم؟؟ ولو استطاع الكفر وأنظمتة لجعل من وقفة عرفة وقفات، ومن وقت واحد لأوقات!! أي جريمة تلك التي  ترتكب بحق الإسلام على يد هذه الأنظمة.

فشتان شتان أيها المسلمون بين الحج الذي كان على عهد رسولكم صلى الله عليه وسلم ودولة الإسلام، وبين الحج في ظل هذه الأنظمة المجرمة، فهلا عملتم ليكون حجكم كما كان على عهد رسولكم صلى الله عليه وسلم ودولة الإسلام؟ تلتقون فيه بخليفتكم, فتسمعون منه، ويسمع منكم، يعيد بكم سيرة الخلفاء الراشدين: أبي بكر, وعمر, وعثمان, وعلي, وعمر بن عبد العزيز، والله إن العين لتشتاق بالحج مع خليفة المسلمين؛ ليعيد الأمة إلى ما كانت عليه من رفعة ومكانة!!