8 من شوال 1445    الموافق   Mar 29, 2024

بسم الله الرحمن الرحيم




نداءات القرآن للمؤمنين
الإشهاد على الوصية في حالة السفر

قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ ۚ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۙ وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الْآثِمِينَ) (المائدة 106) قَالَ ابنُ كَثِيرٍ فِي تَفسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: "اِشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة عَلَى حُكْم عَزِيز. فَقَوْله تَعَالَى: (اِثْنَانِ) هَذَا هُوَ الْخَبَر لِقَوْلِهِ: (شَهَادَةُ بَيْنكُمْ) فَقِيلَ تَقْدِيره: شَهَادَة اِثْنَيْنِ حُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَاف إِلَيْهِ مَقَامه. وَقَوْله تَعَالَى: (ذَوَا عَدْل) وَصَفَ الِاثْنَيْنِ بِأَنْ يَكُونَا عَدْلَيْنِ وَقَوْله: (مِنْكُمْ) أَيْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَالَهُ الْجُمْهُور. وَقَالَ آخَرُونَ: قَوْله: (مِنْكُمْ) أَيْ مِنْ أَهْل الْمُوصِي وَذَلِكَ قَوْل رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَة وَعُبَيْدَة وَعِدَّة غَيْرهمَا وَقَوْله: (أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ) قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا سَعِيد بْن عَوْف حَدَّثَنَا عَبْد الْوَاحِد بْن زِيَاد حَدَّثَنَا حَبِيب بْن أَبِي عَمْرَة عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ: قَالَ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله: (أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ) قَالَ: مِنْ غَيْر الْمُسْلِمِينَ يَعْنِي أَهْل الْكِتَاب، وَعَلَى مَا حَكَاهُ اِبْن جَرِير عَنْ عِكْرِمَة وَعُبَيْدَة فِي قَوْله: (مِنْكُمْ) أَنَّ الْمُرَاد مِنْ قَبِيلَةِ الْمُوصِي يَكُون الْمُرَاد هَهُنَا (أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ) أَيْ مِنْ غَيْر قَبِيلَة الْمُوصِي وَقَوْله تَعَالَى: (إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْض) أَيْ سَافَرْتُمْ. وَقَوْله: (فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة الْمَوْت) وَهَذَانِ شَرْطَانِ لِجَوَازِ اِسْتِشْهَاد الذِّمِّيِّينَ عِنْد فَقْد الْمُؤْمِنِينَ: أَنْ يَكُون ذَلِكَ فِي سَفَر، وَأَنْ يَكُون فِي وَصِيَّة، كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ شُرَيْح الْقَاضِي. قَالَ شُرَيْح عَنْ الْإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَة مِنْ إِفْرَادِهِ، وَخَالَفَهُ الثَّلَاثَةُ فَقَالُوا: لَا تَجُوز شَهَادَة أَهْل الذِّمَّة عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَجَازَهَا أَبُو حَنِيفَة فِيمَا بَيْن بَعْضِهِمْ بَعْضًا.

وَقَالَ اِبْن جَرِير: اُخْتُلِفَ فِي قَوْله: (شَهَادَة بَيْنكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْتُ حِين الْوَصِيَّة اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ) هَلْ الْمُرَاد بِهِ أَنْ يُوصِي إِلَيْهِمَا أَوْ يُشْهِدهُمَا عَلَى قَوْلَيْنِ:


أَحَدهمَا: أَنْ يُوصِي إِلَيْهِمَا كَمَا قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَنْ يَزِيد بْن عَبْد اللَّه بْن قُسَيْط قَالَ: سُئِلَ اِبْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَة قَالَ: هَذَا رَجُل سَافَرَ وَمَعَهُ مَالٌ فَأَدْرَكَهُ قَدَرُهُ، فَإِنْ وَجَدَ رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ دَفَعَ إِلَيْهِمَا تَرِكَتَهُ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِمَا عَدْلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. (رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم وَفِيهِ اِنْقِطَاع)

 

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُمَا يَكُونَانِ شَاهِدَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِر سِيَاق الْآيَة الْكَرِيمَة، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَصِيٌّ ثَالِثٌ مَعَهُمَا اِجْتَمَعَ فِيهِمَا الْوَصْفَانِ الْوِصَايَة وَالشَّهَادَة.
وَقَوْله تَعَالَى: (تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْد الصَّلَاة) قَالَ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس: يَعْنِي صَلَاة الْعَصْر، وَكَذَا قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ وَقَتَادَة وَعِكْرِمَة وَمُحَمَّد بْن سِيرِينَ. وَقَالَ الزُّهْرِيّ يَعْنِي صَلَاة الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ السُّدِّيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس: يَعْنِي صَلَاة أَهْل دِينهمَا.

 

وَرُوِيَ عَنْ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ أَيُّوب عَنْ اِبْن سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَة، وَكَذَا قَالَ إِبْرَاهِيم وَقَتَادَة، وَغَيْر وَاحِد وَالْمَقْصُود أَنْ يُقَام هَذَانِ الشَّاهِدَانِ بَعْد صَلَاة اِجْتَمَعَ النَّاس فِيهَا بِحَضْرَتِهِمْ. (فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ) أَيْ فَيَحْلِفَانِ بِاَللَّهِ. (إِنْ اِرْتَبْتُمْ) أَيْ إِنْ ظَهَرَتْ لَكُمْ مِنْهُمَا رِيبَة أَنَّهُمَا خَانَا أَوْ غَلَّا فَيَحْلِفَانِ حِينَئِذٍ بِاَللَّهِ. (لَا نَشْتَرِي بِهِ) أَيْ بِأَيْمَانِنَا. قَالَهُ مُقَاتِل بْن حَيَّان: (ثَمَنًا) أَيْ لَا نَعْتَاض عَنْهُ بِعِوَضٍ قَلِيل مِنْ الدُّنْيَا الْفَانِيَة الزَّائِلَة، وَقَوْله تَعَالَى: (وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمَشْهُود عَلَيْهِ قَرِيبًا لَنَا لَا نُحَابِيه. (وَلَا نَكْتُم شَهَادَة اللَّه) أَضَافَهَا إِلَى اللَّه تَشْرِيفًا لَهَا وَتَعْظِيمًا لِأَمْرِهَا. وَقَوْله تَعَالَى: (إِنَّا إِذًا لَمِنْ الْآثِمِينَ). أَيْ إِنْ فَعَلْنَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مِنْ تَحْرِيف الشَّهَادَة أَوْ تَبْدِيلهَا أَوْ تَغْيِيرهَا أَوْ كَتْمهَا بِالْكُلِّيَّةِ .

 

وَقَدْ حَثَّ الإِسلَامُ عَلَى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا الصَّحِيحِ، وَحَذَّرَ وَنَفَّرَ مِنْ شَهَادَةِ الزُّورِ التي تَقَلِبُ الحَقَّ بَاطِلًا، وَالبَاطِلَ حَقًّا - وَالعِيَاذُ بِاللهِ تَعَالَى -كَمَا يَجرِي فِي أَيَّامِنَا هَذِهِ فِي ظِلِّ أَنظِمَةِ الضِّرَارِ الآيِلَةِ إِلَى السُّقُوطِ - عَجَّل اللهُ في زَوَالِهَا - آمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ!!

قَالَ تَعَالَى: (وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ للهِ). وَمَعْنَى إِقَامَةِ الشَّهَادَةِ: إِيقَاعُهَا مُستَقِيمَةً لَا عِوَجَ فِيهَا فَالإِقَامَةُ مُستَعَارَةٌ لِإِيقَاعِ الشَّهَادَةِ عَلَى مُستَوفِيهَا مَا يَجِبُ فِيهَا شَرْعًا مِمَّا دَلَّتْ عَلَيهِ أَدِلَّةُ الشَّرِيعَةِ وَهَذِهِ استِعَارَةٌ شَائِعَةٌ. وَقَولُهُ (للهِ) أي لِأَجْلِ اللهِ وَامتِثَالِ أَمرِهِ، لَا لِأَجْلِ الـمَشهُودِ لَهُ، وَلَا لأجْلِ الـمَشهُودِ عَلَيهِ، وَلَا لِأَجْلِ مَنفَعَةِ الشَّاهِدِ، وَالإِبقَاءِ عَلَى رَاحَتِهِ.
وَعَنْ عَبدِ الرَّحمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: "كُنَّا عِندَ رَسُولِ اللهِ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟ ثَلاثًا: الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَينِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ - أَوْ قَولُ الزُّورِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُتَّكِئًا، فَجَلَسَ، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا؛ حَتَّى قُلْنَا: لَيتَهُ سَكَتَ". (رَوَاهُ مُسلِمُ فِي بَابِ بَيَانِ الكَبَائِرِ)

 

اللَّهُمَّ اجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ، وَاتَّبَعَ فِي الحَقِّ رِضَاكَ!! اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا وَلَا تُهِنَّا، وَأَعْطِنَا وَلَا تَحرِمْنَا، وَآثِرْنَا وَلَا تُؤْثِرْ عَلَينَا، وَانصُرْنَا وَلَا تَنصُرْ عَلَينَا، وَإِلَى غَيرِكَ لَا تَكِلْنَا، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يُقِيمُونَ الشَّهَادَةَ للهِ، وَجَنِّبْنَا اللَّهُمَ قَولَ الزُّورِ وَشَهَادَةَ الزُّورِ. اللَّهُمَّ اجْمَعْ عَلَى الحَقِّ كَلِمَةَ الـمُسلِمِينَ، وَوَحِّدْ صَفَّهُمْ، وَانْزَعِ الغِلَّ وَالحَسَدَ وَالبَغضَاءَ مِنْ قُلُوبِهِمْ، وَاحْقِنِ اللَّهُمَّ دِمَاءَهُمْ، وَاجْعَلْهُمْ أَهْلًا لِنَصْرِكَ وَتَأيِيدِكَ!! اللَّهُمَّ أَعِزَّنَا بِالإِسلَامِ، وَأَعِزَّ الإِسلَامَ بِنَا، وَارزُقْنَا قَبْلَ الـمَـمَاتِ مُبَايَعَةَ إِمَامِ الـمُؤمِنِينَ وَخَلِيفَةِ الـمُسلِمِينَ الَّذِي يَحكُمُهُمْ بكتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.


كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية الأردن
الأستاذ: محمد النادي

 

     
05 من ذي القعدة 1438
الموافق  2017/07/28م
   
     
 
  الكتب المزيد
 
  • الدولـــة الإسلاميـــة (نسخة محدثة بتاريخ 2014/12/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الملف) الطبعة السابعة (معتمدة) 1423ه... المزيد
  • من مقومات النفسية الإسلامية الطبعـة الأولى 1425هـ - 2004 م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/10/21م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الم... المزيد
  • النظام الاقتصادي في الإسلام الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1425 هـ - 2004م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/01/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة... المزيد
  • النظام الاجتماعي في الإسلام الطبعة الرابعة 1424هـ - 2003م (معتمدة)   (نسخة محدثة بتاريخ 2013/09/10م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند ف... المزيد
  • نظــــام الإســـلام   الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1422هـ - 2001م   (نسخة محدثة بتاريخ 2012/11/22م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الص... المزيد