30 من شوال 1445    الموافق   Apr 19, 2024

بسم الله الرحمن الرحيم




حسني عايش وتشويه المشوه

في مقال مضطرب مشوش بعنوان "التشويه المتعمد للعلمانية" في جريدة الغد الصادرة يوم الثﻻثاء31/1/2017م ( https://nabdapp.com/t/38466642 ).

زعم الكاتب حسني عايش أن المسلمين هم أكثر الناس في العالم حاجة للعلمانية، مفترضًا أن الصراع الدائر في سوريا والعراق وليبيا واليمن اﻵن هو صراع على البقاء - غير الديمقراطي- ومؤكدًا على أنه يدور بين السُّنة والشيعة أبناء الدين الواحد تارة، متعمدين تشويه الفكر واﻷيدولوجيا والدين والمذهب والرأي المختلف أو المخالف، تمامًا كما فعلت الشيوعية مع الرأسمالية والعكس بالعكس على حد قوله، ثم يقفز بك إلى ملعب آخر هذه المرة حيث يقول: "إن هؤﻻء اﻹسلاميين المتقاتلين فيما بينهم, ومنذ فترة كانوا يعدون أنفسهم لمعركة كسر العظم مع العلمانيين والعلمانية، باعتبارها المعركة اﻷخيرة التي يجب أن يكسبوها للفوز بحكم إسلامي في العالم".

أﻻ تلاحظ معي حجم التشوش والاضطراب والتضليل الذي يكتنف الطريقة التي يقذف بها الكاتب معلومات أصبحت حقائقَ ﻻ يخطئ فهمها حتى أبناء المدارس اﻷساسية، ولكي نتفق مع الكاتب يجب أن نقرأ اﻷحداث على النحو المشوش الآتي: فطائرات موسكو الشيعية هي التي قصفت سوريا وحلب، وآية الله فلاديمير بوتين, ومن حوزته في الكرملين هو الذي قرر التدخل في سوريا ﻹبادة السنة، وبراميل الموت ألقاها الجيش الحر على جبهة النصرة وفتح الشام وأخواتهما، والنظام السوري القاتل ﻷبنائه والمنشق عن شعبه كان يخوض معركة وجودية ضد المحتلين من الجيش الحر وتنظيم الدولة، وما إيران وحزبها في لبنان إﻻ فزعة لإخوان المذهب ليردوا الجميل القديم، فمن حلب أصبحت الطريق إلى الجوﻻن على ثلاثتهم أقرب، وأما طائرات التحالف الدولي ضد التنظيم والنظام فقد كانت تقوم بطلعاتها لمنع طائرات النظام من قصف المدنيين، الذي حصد منهم نحو الربع مليون قتيل غير ملايين المهجرين والنازحين، ﻻ بأس فهذا هو منطق القضاء والقدر الحربي ربما، ففي هذا المسرح على سبيل المثال جاء كل الشيعة ليحاربوا كل السنة، صحيح أنه ﻻ وجود للشيعة في ليبيا، وصحيح أن ﻻفروف قال: "لوﻻ تدخلنا بسوريا لسقط بشار خلال أسبوعين"، وصحيح أيضًا أن كل الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا الشيعية وفرنسا السنية وروسيا العلوية وبريطانيا الوهابية والصين الشعبية كلهم يقفون مع النظام ضد الشعب السوري وثواره، وصحيح أيضًا أن اﻷزمة السورية بدأها الشعب السوري بالمظاهرات السلمية طلبا للحرية ورفع الظلم المقبولة عند العلمانيين في بلادهم، إﻻ أن افتراء الكذب فن من فنون السياسة في عالم الديمقراطية، اليست السياسة عندهم فن الممكن؟! وأي ممكن أسهل من افتراء الكذب؟! ولكن لمصلحة من؟! ولماذا يجري هذا التشويش والتضليل والتشويه لحقائق اﻷمور, واختزال الصراع على أنه صراع بين المذاهب؟! وإغفال للدور الحقيقي الواضح لتلك الدول الكبرى وأذنابها في منطقتنا التي تقف وراء تلك الفصائل سنية كانت أو شيعية؟! وكأن مجلس اﻷمن الدولي لم يجتمع وﻻ مرة حول اﻷزمة السورية، أصحيح أن الكاتب لم يسمع بكل ذلك وﻻ حتى الفيتو الروسي والصيني؟! أيعقل أن يكتب عن هكذا أحداث وﻻ يعرف ما بجري فيها وحولها أم أن الكاتب يكتب لهدف ﻻ علاقة للأزمة السورية بها ناهيك عن اﻷزمات اﻷخرى؟!

وينتقد الكاتب تعمد اﻹسلاميين ممارسة التشويه لمفهوم العلمانية، فينعي على أوسعهم علمًا وأكثرهم تقىً جهلهم وتشويههم لحقيقة مفهوم العلمانية، فيعطيهم هذه المرة درسا يشوه هو فيه العلمانية بشكل مفضوح، من حيث يدري أو ﻻ يدري فيقول: "العَلْمانية يا سادة يا كرام (بالفتحة على العين والسكون على اللاّم) مشتقة من العلم"، وهذا محض افتراء فالعلم يتمتع بكسرة وليس بفتحة، فمن ذلك "الحيط" على حد وصفه الذي سيوافقه على أن العَلْمانية بفتح العين مشتقة من العلم بكسر العين، وعليه فصار لزاما عليه أن يعود ﻷساتذته فولتير وجيفرسون واضعي هذا المصطلح ليعلموه أن العَلْمانية ﻻ تعني العلم، بل تعني فصل السلطة الدينية عن السلطة السياسية، ثم ينسى ربما فيقول الشيء نفسه في سطوره اللاحقة حيث قال بالحرف: "يجب على نظام الحكم "الدولة" أن لا ينغمس في الشؤون الدينية، وأن لا يسيّس الدين أو يديّن السياسة". هذا كلامه!! فهل يبقى مصرًا على أن العَلْمانية بالفتحة هي من العلم بالكسرة؟؟
عيب والله عيب, ولكن لمصلحة من هذا التدليس والتضليل؟! أم أن هذا مبلغ علمه؟! وإن كان كذلك فكيف يتجرأ أكاديميًا على اﻷقل ويصف من ﻻ يفهمه بأنه "حيط"؟! فأحيانا ومن الناحية اﻷكاديمية ﻻ يكون العيب في المتلقي الذي سَمَّاهُ "حيط" بل في المدرس الذي يكتب "للحيط" على الحيط، بدها مراجعة حسني.

أتدري أنني تفاءلت بمقالك جدًا على شراسته وقسوته على أبناء جلدتك، لكنني تذكرت كم كان الشيوعيون العرب شرسين بشيوعيتهم أكثر من الروس واﻷلمان حتى سقطت الشيوعية عندهم وظل العرب متمسكين بشذوذهم الفكري، وهذا ما يحصل معكم أنتم اﻵن علمانيو العرب فهاهم الرأسماليون وعلمانيتهم تترنح عقولهم سكرًا من حدة عفنهم الفكري لمعاكسته لمنطق الخلق والخالق وأنتم ما زلتم تتباهون بنشاز الأفكار والنظريات والنظم. وإليك هذه الحقائق التي ﻻ يصح أن تبقى جاهلا أو متجاهلا لها:

* لقد اكتشف الناس أنهم يعيشون ومنذ ما قبل الحرب العالمية اﻷولى في ظل أنظمة رأسمالية علمانية عفنة لم تحقق لهم حياة سعيدة، فكثرت حروبهم فيما بينهم واستعمارهم للبلاد اﻷخرى ونهبهم لثرواتها، وفي الداخل قدست رعايتها لرأس المال دون الالتفات إلى رعايتهم من ناحية إنسانية، فتكدس رأس المال بأيدي فئة قليلة استعبدت اﻷكثرية، واختلطت أنسابهم وكثرت فئة اللقطاء فيهم، وشرعت لهم الشذوذ وزواج المثليين، وأزكمت رائحة زنا المحارم عندهم أنوف اﻷسوياء منهم، وحرروا المرأة التي وجدت نفسها تكسب عيشها بجسمها على قارعة الحياة، ناهيك عن الحياة الكريهة التي جناها عجزتهم في بيوت المسنين والعجزة التي تقطع صلتهم عن حياة أسرية كريمة.

* ﻻ يصح أن تجهل أو تتجاهل مئات الملايين من القتلى في الحرب العالمية الثانية وبعدهها التي أدارتها النظم الرأسمالية العلمانية فيما بين شعوبها العلمانية سعيا وراء النفوذ والثروة، حيث أكلت أوروبا نفسها بلا رحمة فكيف للعلماني محاربة العلماني وعندهم كل ذلك التسامح الذي تتشدق به أنت -نيابة عنهم- مع المسلمين؟! ﻻ بل أين كان هذا التسامح اﻷمريكي العلماني عندما ألقى بقنابله الذرية على العلمانيين اليابانيين في هيروشيما وناكازاكي فدمروا الحجر وقتلوا كل إنسان يعيش فيهما, ﻻ بل وكل دواب اﻷرض هناك لم تسلم من هذا الموت غير المبرر وغير الرحيم؟!

* أتكون معذورًا إن لم تعرف شيئًا عن حرب فيتنام؟ ترى كم عدد المسلمين في فيتنام؟ وما سبب تلك الحرب التي قادتها أمريكا "قبلة علمانيتكم" على ذلك البلد غير المتدين أيضا؟!

* وفي منطقتنا ترى بأي منطق علماني متسامح يمنح بلفور اللعين وعدًا لليهود ﻹقامة وطنهم القومي فيه؟! وبأي منطق يشرد أهلك أهل فلسطين خارج ديارهم يهيمون على وجوهم من هول المجازر اليهودية؟! اسأل أجدادك في كفر اللبد وعموم أهل طولكرم وفلسطين عن مدى التسامح الذي عاملهم به اﻹنجليز العلمانيون ومن ثم اليهود العلمانيون، والله إنني ﻷخجل وأنا أذكرك بهذا الماضي المؤلم فكيف ﻻ تستحيي أنت من تسويق العلمانية العفنة المجرمة علينا وأنت أحد جزئيات ضحاياها وتصفنا بالجهل؟! كيف؟!

* أما حديثا فمثال واحد يكفينا، أليست هي العلمانية ونظامها التي أوصلت اﻹسلاميين إلى الحكم عن طريق ديمقراطية صندوق العجايب؟! ففي البرلمان الفلسطيني حيث فازت حماس بنزاهتكم
المعلنة، ثم لعنتم اليوم الذي عرفتم فيه الديمقراطية، فانقلبتم عليهم وحرثتم غزة بقنابل الفوسفور اليهودية "العلمانية" التي ترى بعبقريتك أننا أحوج الناس لها!!
وفي مصر حيث انتخب حوالي 35 مليون مصري مجلس الشعب بطريقتكم النزيهة، ثم رأت علمانيتكم "غير النزيهة" بضرورة فض مجلس الشعب ليس إﻻ ﻷن نسبة اﻹسلاميين تجاوزت حاجز ال 80% من المقاعد، ونسبة العلمانين مع غيرهم من بقايا الشيوعيين كانت ﻻ تكاد تذكر!!

* ليتكم تفهمون أن الرأسمالية العالمية تعجز عن أن تحل محل اﻹسلام، حتى وإن نجحت وحلت محل المسيحية هناك فلهم أسبابهم وللمسيحية ظروفها، ذلك أن اﻹسلام دين في ثناياه نظام شامل يعالج كل تفاصيل الحياة، دين يقنع العقل السليم الحر غير المضبوع أو المتعصب المنغلق، ويملأ قلب صاحبه يقينًا بأنه على طريق الحق قبل الموت وبعده.


والخلاصة: فلو كنت متابعًا لتطور اﻷفكار السياسية والاقتصادية في عالمنا والعالم كله ﻷدركت أن العالم العلماني ومنذ فترة يبحث عن أفكار للخلاص من الرأسمالية العلمانية التي ما زلتم تنعقون بها، وهذا هناك في عقر دار أصحابها الداعمين الممولين لتوجهاتكم التي لم تتعب من التقليد، أما في بلادنا العربية واﻹسلامية فأنتم أكثر الناس اطلاعًا على أنكم تلفظون اﻷنفاس اﻷخيرة قبل مغادرتكم للساحة غير مأسوف عليكم من الناس، فقد ﻻحظتم كيف كنتم حتى بمنطقكم الديمقراطي أقزامًا أمام المد والسيل الجارف لجماهير المسلمين عند صناديق الاقتراع، مما يدل على أن المسلمين يرفضونكم, وﻻ يحتاجون علمانيتكم, وﻻ بأي شكل حتى عندما استخدموا أدواتكم!!

كلامنا هذا ربما ﻻ يفقهه إلا ذو عقل حر سليم, غير ذي مصلحة أو هوى، أو عقل نهل من مشكاة مصباحها الثقافة اﻹسلامية أنارت له الفكر وطرق المعارف، مصباح وقوده من شجرة مباركة زيتونة ﻻ شرقية وﻻ غربية، وحبذا لو تكون من زيتونات كفر اللبد أو طولكرم فتشكل لديك شخصيته إسلامية متميزة قادرة على فرز الغث من السمين، فإننا نشفق عليك وعلى أقرانك من رفاقك العلمانيين الذين يستخدمهم أعداء اﻹسلام كمعاول هدم وتشويه لهوية أهلهم ومفاهيم دينهم, وإنه مهما يكن اﻷجر الذي تتقاضون, فإنة ﻻ يساوي لحظة صدق مع النفس تكون قادرًا فيها على إحقاق حق فتنال احترام ذاتك لذاتك، بعيدًا عن التشوية الذي لحق باﻹسلام وحتى العلمانية على أيديكم، فلو قدر لفولتير أن يعيش أيامنا هذه ويرى انجازات العَلمانيين العرب بالذات لما وسعه اﻹ أن يتبرأ من فكرته ويعلن أنها ﻻ تصلح لبني يعرب على اﻷقل.

كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية الأردن

الأستاذ: عبدالرؤوف بني عطا

     
05 من جمادى الأولى 1438
الموافق  2017/02/01م
   
     
 
  الكتب المزيد
 
  • الدولـــة الإسلاميـــة (نسخة محدثة بتاريخ 2014/12/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الملف) الطبعة السابعة (معتمدة) 1423ه... المزيد
  • من مقومات النفسية الإسلامية الطبعـة الأولى 1425هـ - 2004 م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/10/21م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الم... المزيد
  • النظام الاقتصادي في الإسلام الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1425 هـ - 2004م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/01/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة... المزيد
  • النظام الاجتماعي في الإسلام الطبعة الرابعة 1424هـ - 2003م (معتمدة)   (نسخة محدثة بتاريخ 2013/09/10م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند ف... المزيد
  • نظــــام الإســـلام   الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1422هـ - 2001م   (نسخة محدثة بتاريخ 2012/11/22م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الص... المزيد