8 من شوال 1445    الموافق   Mar 29, 2024

بسم الله الرحمن الرحيم




قراءة في استراتيجية بريجنسكي
حول وضع الولايات المتحدة ودورها المستقبلي في العالم

في مقالة بعنوان نحو تنظيم العالم بعد انتهاء عصر الخيانة يقول: "إن عصر الهيمنة انتهى, وهو عصر استمر فترة طويلة ما بعد الحرب العالمية الثانية, والتي أخرجت أمريكا من عزلتها إلى العالم, وبدأت في مرحلة الصعود نحو الهيمنة العالمية, وبتسارع مع انحسار القوى العالمية الأخرى, وخاصة الأوروبية, والتي فقدت مساحاتها الاسترتيحيه لصالح أمريكا, ولكن المنافسة بحرب باردة مع ظهور الاتحاد السوفيتي كان هو العامل, والمحفز لهذه القوة العالمية في الصعود حتى أصبح الجزء الأعظم من العالم تابعا لها إلى أن سقط الاتحاد السوفيتي مما جعل الهيمنة لها عالميًا, ولكن هذه الهيمنة لم تدم طويلا لظهور المعيقات الجيوسياسية القديمة والحديثة مع السعي الحثيث للتفرد عالميًا".

إن الفراغ الذي نشأ عن انهيار الاتحاد السوفيتي أسال لعاب صاحب القرار الأمريكي, ليس للهيمنة فقط, وإنما التفرد في سياسة وإدارة العالم, وهو في حقبة بوش الأب, وهي حقبة صغيرة ظهر عوارها حينما أراد صياغة نظام دولي جديد, يعطي أمريكا حق إدارة العالم منفردة, مما استنفر دول العالم الغربي فاصطفت لمنع هذا التفرد, وحركت قواها المحليه لكبح جماح هذا الثور الهائج, وكان لها ما تريد إذ تراجعت أمريكا عن تفردها, وحتى عن خوض حروب بمفردها, واستجابت لمطالب دول العالم بالشراكة مع بقاء أمريكا كدولة عظمى تتقتضيها المصلحة الدولية والأممية، هذا يعني أن عصر تفردها والذي أدارت به ظهرها للعالم, ومجلس أمنه لم يدم طويلا, وعادت ثانية إلى حالتها الطبيعية, وهي حالة الهيمنة, لكنها فوجئت بوجود قوى أخرى بدأت بالظهور والصعود مما يؤشر بأن عصر الهيمنة قد انتهى؛ ولذا لا بد من الإعداد لعصر ما بعد الهيمنة, وهو إعادة تنظيم العالم.

قراءة في استراتيجية بريجنسكي حول وضع الولايات المتحدة ودورها المستقبلي في العالم في مقالة بعنوان نحو تنظيم العالم بعد انتهاء عصر الهيمنه. بريجنسكي يقر بهذه المراحل التي مرت فيها أمريكا وهي:

*الانعتاق من العزلة.
*الخروج للعالم.
*ملء الفراغ.
*الهيمنة العالمية.
*التفرد العالمي.
*العودة لمرحلة الهيمنة.
*تنظيم العالم لما بعد مرحلة الهيمنة.
*الإقرار بوجود قوى صاعدة مثل الصين وروسيا, وقوى محليه لا بد من إدماجها في هذه السياسة الجديدة مع استبعاد أوروبا.

إن المبررات التي ادعتها هذه الدراسة, والتي تؤشر لحقبة قادمة خمسة عوامل, وهي ما تستدعي إعادة تنظيم العالم, ما يعني أنه لا يجوز ترك العالم أن يتنظم من تلقاء نفسه, أو أن تقوم قوى أخرى صاعدة لها روئ في تصورها للعالم, وبالتالي تكون أمريكا هي في مقام السيد الذي يجعل العالم يتشكل على عينه, وبالطريقة التي يريدها هو؛ فهو يقول: هناك خمسة حقائق أساسية وهي متعلقة بعودة انتشار القوى السياسية العالمية الصاعدة والصحوة السياسية العنيفة في منطقة الشرق الأوسط.

أولها/ أمريكا لم تعد القوة الإمبريالية عالميًا بالرغم أنها ما زالت أقوى كيان سياسيًا, واقتصاديًا, وعسكريًا, وسبب ذلك التحولات الجيوسياسية المعقدة في التوازنات الإقليمية.

ثانيها/ إن روسيا تشهد المرحلة المتشنجة الأخيرة من نقلتها الإمبريالية (لذا يسميها بالمؤلمة, ولذا وصفها بأنها ليست ميتة, امتنع من أن تصبح في نهاية المطاف الدولة الأوروبية القومية الرائدة, مشترطا تصرفها بالحكمة, وبذلك يحدد الطريقة التي يجب ترشيد روسيا الصاعدة, ومن ثم حشرها في إقليم أوروبا كدولة رائدة فيها, وقائدة لها حتى لا تخرج عن الخط المرسوم, وتبقى تحت السيطرة فلا تزاحم أمريكا في المسرح الدولي.

ثالثها/ الصين الصاعدة ببطء في الآونة الاخيره معتبرا أيها منافسا حقيقيا لأمريكا ولكنها اي الصين حريصة على أن لا تشكل تحديا مباشرا لأمريكا، وأما عسكريا فيبدو أنها تسعى الإختراق جيل جديد من الأسلحة مع محدودية قوتها البحرية.

رابعها/ أوروبا لن تصبح قوة عالمية الآن, وليس بالمنظور القريب, ولكن يمكن أن تلعب دورًا بناءً في أخذ زمام المبادرة (القيادة) فيما يتعلق بالتهديدات العابرة للحدود الوطنية، ثم يحدد وظيفتها بالداعمة لمصالح أمريكا في الشرق الأوسط السياسي والثقافي, ولذا يعد صمود أوروبا بحلف شمال الأطلسي أمرًا ضروريًا لحل بناء الأزمة بين روسيا أوكرانيا.

خامسها/ الصحوة السياسية العنيفة عند بعض المسلمين معتبرًا أنها ردة فعل على الحقبة الاستعمارية القديمة الوحشية, وما خلفه من معاناة هذا الشعور, وإن كان متأخرًا, ولكنه شعور عميق بالظلم مع وجود الدافع الديني بالتوحد ضد العالم الخارجي، ولكن يصاحبه انشقاقات طائفية تاريخية في الإسلام لا دخل للغرب بها.


هذه الحقائق الخمس تعتبر في نظره منطلقًا لأمريكا التي أصبحت في مرحلة ما بعد عصر الهيمنة, وهو عصر آذن بالأفول، مما يستدعي منها أن تبادر, وتأخذ زمام المبادرة بإعادة تنظيم القوى الدولية العالمية بحيث يتم احتواء العنف المتفجر في الداخل القطري, وخارج العالم الإسلامي, وربما في أجزاء من العالم الثالث، ولكن عليها أن لا تدمر النظام العالمي القائم, وبالتالي يبدأ بوضع الخطوط العريضة لهذه السياسة الأمريكية القادمة, ولذا لا بد أن تكون أمريكا فعالة في تعاملها مع العنف المنتشر في الشرق الأوسط, وهذا لا يكون إلا إذا صاغت تحالفًا ينطوي تحته روسيا والصين, وذلك بجعل روسيا دولة قومية فاعلة في منطقتها, ورزينة في استخدامها لقوتها, وإخراجها من تشنجها, بحيث تستطيع التعامل مع جيرانها الاتحاد الأوروبي كجزء منه.

وأما الصين فعليها أن تتخلى عن عقلية التاجر الذي يستغل الأحداث الجارية في الشرق الأوسط والعالم الثالث فقط للكسب, ولذا لا بد من تخليها عن السلبية الأنانية في نظرتها للأحداث, وتوجيهها لرؤية بعيدة النظر, بحيث يتم استغلال قوتها الصاعدة في تحقيق مصالح أمريكا؛ ولذا لا بد من إيصال رسالة واضحة لروسيا والصين إن لم تكونا فاعلتين في هذا التحالف, فإن نظرتهما وسلوكهما القاصر ستكون عواقبه وخيمة عليهما.

إن تنامي قوة الصين الاقتصاديه والعسكريه يجعلها في وضع لا بد من ترشيده وتوجيهه الوجهة الصحيحة الفاعلة إقليميًا ودوليًا, ولكن لتحقيق مصالح الدولة الأولى, وهي أمريكا بحيث تخرج عن دائرة المنافسة, وبالتالي لا بد من إعادة النظر للمعاهدات غير المتكافئة التي فرضتها موسكو على بكين أخيرًا, ولذا لا بد للصين من أن تدخل في شراكة مع أمريكا في احتواء الفوضى العالمية التي تمتد في منطقة الشرق الأوسط, وإلا فإن هذه الفوضى ستعم الجمهوريات المحاذية للصين وروسيا, وحتى لا يتم ذلك لا بد من تحسين علاقة الصين مع جيرانها, واستغلال هذه القوه الاقتصادية فيها، أي أن تكون تسوية صينية أمريكية لكل القضايا في المنطقه. ولا بد من ترشيد القوى العسكرية المحلية, ولأنها تعتبر محرضة على العنف, ولا يمكن أن يكون ذلك إلا على قاعدة تعاون بين أمريكا وروسيا والصين, وذلك باستخدام قوى مخالفة في دول المنطقة, وهي إيران وتركيا واسرائيل ومصر والسعودية بعد تخليها عن الفكر الوهابي وهي سائرة في ذلك.


كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية الأردن
الأستاذ سالم أبو سبيتان

 

     
13 من ربيع الاول 1438
الموافق  2016/12/12م
   
     
 
  الكتب المزيد
 
  • الدولـــة الإسلاميـــة (نسخة محدثة بتاريخ 2014/12/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الملف) الطبعة السابعة (معتمدة) 1423ه... المزيد
  • من مقومات النفسية الإسلامية الطبعـة الأولى 1425هـ - 2004 م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/10/21م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الم... المزيد
  • النظام الاقتصادي في الإسلام الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1425 هـ - 2004م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/01/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة... المزيد
  • النظام الاجتماعي في الإسلام الطبعة الرابعة 1424هـ - 2003م (معتمدة)   (نسخة محدثة بتاريخ 2013/09/10م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند ف... المزيد
  • نظــــام الإســـلام   الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1422هـ - 2001م   (نسخة محدثة بتاريخ 2012/11/22م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الص... المزيد