7 من ذي القعدة 1445    الموافق   Apr 26, 2024

بسم الله الرحمن الرحيم




الإسلام كلٌ لا يتجزأ

روى الحاكم في المستدرك (2421) من حديث بشير بن الخصاصية رضي الله عنه. قال: «أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأبايعة على الإسلام فاشترط عليَّ تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله, وتصلي الخمس، وتصوم رمضان, وتؤدي الزكاة, وتحج البيت, وتجاهد في سبيل الله. قال: قلت: يا رسول الله, أما اثنتان فلا أطيقهما !! أما الزكاة فما لي إلا "عشر ذود" - أي: عشر رؤوس من الإبل - هن رسلُ أهلي وحمولتهم!! وأما الجهاد فيزعمون أنه من ولى - أي هرب من المعركة - فقد باء بغضب من الله، فأخاف إذا حضرني قتال, كرهت الموت وخشعت نفسي. قال: فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ثم حركها. ثم قال: "لا صدقة ولا جهاد فبم تدخل الجنة؟". قال بشير: ثم قلت: يا رسول الله، أبايعك, فبايعني عليهن كلهن!!». قال الحاكم حديث صحيح, ووافقه الذهبي.

إن الإسلام منهج رباني كامل "عقيدة وشريعة" لقوله تعالى (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء). وقوله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا).

وشمولية الإسلام ليست محلا للبحث, فهو المبدأ الوحيد الذي نظم العلاقات جميعها, وهي ثلاثة: علاقة الإنسان بربه، وعلاقته بنفسه, وعلاقته بغيره من الناس.

وهذه الأحكام آخذ بعضها برقاب بعض لا تنفصل ولا تقبل الانفصال, ولا الاختيار, ولا الانتقاء, ولا تقبل الانسلاخ عن عقيدتها, فهي منبثقة عن العقيدة, ومتولدة منها.
والعقيدة - أي القاعدة الفكرية ووجهة النظر- بالنسبة للشريعة كالروح للإنسان لا حياة, ولا قيمة للأحكام بدون العقيدة, لذا يدرك المسلم أنها أساس الالتزام لهذه الأحكام؛ لأنها من الله فله الأمر والحكم. قال تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).

وموقف المسلم من هذه الأحكام هو التسليم المطلق- برضى وطمأنية - لها في كل شأن من شؤونه لقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَة إِذَا قَضَى اللَّه وَرَسُوله أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَة مِنْ أَمْرهمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا). يَقُول تَعَالَى ذِكْره: لَمْ يَكُنْ لِمُؤْمِنٍ بِاللَّهِ وَرَسُوله, وَلَا مُؤْمِنَة إِذَا قَضَى اللَّه وَرَسُوله فِي أَنْفُسهمْ قَضَاء أَنْ يَتَخَيَّرُوا مِنْ أَمْرهمْ غَيْر الَّذِي قَضَى فِيهِمْ, وَيُخَالِفُوا أَمْر اللَّه وَأَمْر رَسُوله وَقَضَاءَهُمَا فَيَعْصُوهُمَا , وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِيمَا أَمَرَا أَوْ نَهَيَا (فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا).

فالاختيار مناف للعقيدة, ومعارض للتسليم المطلق لله جل جلاله, وهذه قاعدة قطعية في الإسلام فالإسلام كلٌ لا يتجزأ, عقيدة ونظامًا, بل اعتبر الإسلام أن ترك جزء من الإسلام هو كفر به, وهذا التعبير تعبير رباني, وليس تعبيرًا بشريًا في قوله تعالى (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ). تهديد عظيم لمن يسلك هذا المسلك خزي في الدنيا, وعذاب شديد في الآخرة. نقول هذا الكلام لمن يترك بعض أحكام الإسلام بدافع التكتيك, والنظرة الواقعية, وكأن النصر يُنال بمعصية الله, وترك بعض أحكامه, ولا حول ولا قوة إلا بالله.

جاء بشير ليختار من الإسلام وهو حديث عهد بالإسلام, ولو كان لنا من رأي لقلنا: نقبل منه, ثم نتدرج معه. لقلنا: نقبل منه, فهو في بداية الطريق. لقنلنا: وحاولنا أن نجد له مبررًا لسلوكه.
ولكن هذا الأمر قاعدة قطعية لا جدال فيها, ومن هنا ندرك رد وموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صدقة ولا جهاد؟ فبم تدخل الجنة؟ حتى أدرك بشير رضي الله عنه وأرضاه أن الإسلام كل لا يتجزأ, فقال بشير: ثم قلت: يا رسول الله، أبايعك فبايعني عليهن كلهن, فَقبِلَ منه صلى الله عليه وسلم وبايعه على جميع أحكام الإسلام.


كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير - الأردن
الأستاذ حسن حمدان

 

     
17 من محرم 1438
الموافق  2016/10/18م
   
     
 
  الكتب المزيد
 
  • الدولـــة الإسلاميـــة (نسخة محدثة بتاريخ 2014/12/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الملف) الطبعة السابعة (معتمدة) 1423ه... المزيد
  • من مقومات النفسية الإسلامية الطبعـة الأولى 1425هـ - 2004 م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/10/21م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الم... المزيد
  • النظام الاقتصادي في الإسلام الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1425 هـ - 2004م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/01/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة... المزيد
  • النظام الاجتماعي في الإسلام الطبعة الرابعة 1424هـ - 2003م (معتمدة)   (نسخة محدثة بتاريخ 2013/09/10م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند ف... المزيد
  • نظــــام الإســـلام   الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1422هـ - 2001م   (نسخة محدثة بتاريخ 2012/11/22م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الص... المزيد