7 من شوال 1445    الموافق   Mar 28, 2024

بسم الله الرحمن الرحيم




الأنظمة العربية والإسلامية القمعية .. إلى أين؟؟

منذ سقوط دولة الخلافة الاسلامية العثمانية عام 1924م، وتقسيم بلاد المسلمين إلى دويلات وأشباه دول، والأمة الاسلامية تُضرب ضربًا قاسيًا مبرحًا في عقيدتها، وفي كل مناحي الحياة، سواء منها أنظمة حياتها الاجتماعية، والمعاملات الاقتصادية والفكرية. ومما هو معلوم كان قبل ذلك التاريخ الحروب الصليبية والهجمة الاستشراقية، الغربية والتي حاولت تفتيت الأمة وتشويه ثقافتها، بل وسلخها عن دينها، فأدى ذلك إلى الضعف الفكري للإسلام بوصفه منهج حياة، إذ لا تستقيم الحياة إلا بتطبيق الإسلام وحمله دعوة للناس أجمعين. وبالفعل قد تمكن الغرب من مفاصل بلاد المسلمين سواء إبان الاستعمار العسكري قبل ما يسمى استقلال بلاد المسلمين، أو بعد ذلك بإيجاد جيش من العملاء في كافة الأصعدة، سواء منها العسكرية والسياسية والإعلامية والاقتصادية والدينية والاجتماعية، وحتى بعض الأفراد من كتاب ومفكرين وقادة شعبيين، وتم لهم التحكم بشكل قوي بتلك المفاصل فكانوا أحرص من أسيادهم لقتل أمتهم الإسلامية من الوريد للوريد، وما ذلك إلا ابتغاء مصالح دنيوية أو مناصب سياسية وإدارية زائلة، لا تسمن ولا تغني من جوع، وقد يكون الثمن يومًا حياة العميل نفسه وأهله، ومن قِبل أسياده سواء للتخلص منه، أو انتهاء دوره أو الاستغناء عن خدماته لوجود بديل أفضل، فباعوا أنفسهم وأمتهم بثمن بخس دراهم معدودة، فلا عز دنيا، ولا سيرة خير تذكر للأجيال، ولا عمل خير يقابل به رب العالمين يوم لا ينفع مال ولا بنون.

أما وقد نهض واستفاق من الأمة رجال نذروا أنفسهم وحياتهم ومماتهم لله رب العالمين، وانقدحت فكرة نهضة الأمة بفكرهم، فانبروا للعمل لإنهاض أمتهم بفهم العقيدة الإسلامية وأحكامها، وبثها في الأمة حتى تحيا حياة عز وكرامة، ولو كلفهم ذلك أرواحهم وأموالهم وأبناءهم، وبالفعل حصل لهم ما نهضوا له بعد عقود من العمل الفكري المضني، فكانت الفكرة تسير في الأمة سيرًا طبيعًا بين البطء والسرعة، ولم ييأس حملة الدعوة من بث الفكر بين أبناء الأمة لوعيهم أن حياة المسلمين بفهم الإسلام فهمًا نقيًا مبلورًا، ومن فضل الله تعالى أن أثمر تحركًا فكريًا في الأمة أنهى كل فكر مغاير لعقيدة الإسلام سواء الفكر الشيوعي أو القومي والوطني، وها هو الفكر الرأسمالي الديمقراطي يترنح بأزمات اقتصادية وعسكرية، حدث كل هذا بعد أن ظن الغرب وأذنابه أنهم سيطروا على المسلمين، وأحكموا سيطرتهم عليهم، فجن جنونهم بصحوة الأمة وتمسكها بدينها، وما أن ثارت الأمة في وجه حكامها الجلاوزة وأسقطت بعضهم، حتى استفاقت مراكز الدراسات الاستراتيجية، وأهل السياسة بأن الأمور تتفلت من أيديهم، فمكروا مكرهم ونادوا سحرتهم، فعسكروا الثورات، وبطشوا بالمسلمين تقتيلاً وسجنًا وخطفًا وتجويعًا اقتصاديًا، يسومونهم سوء العذاب، وهذا ما نشاهده ونحسه ونعيشه يوميًا، ومع ثورة الاتصالات، ووسائل التواصل الاجتماعي تفلَّتت كثيرًا من أيدي الجلاوزة، وأصبحت قضية الأمة وتحررها من قيدهم بين شد وجذب بين الأمة من جهة، والكفر وعملائه من جهة أخرى، وها نحن هذه الأيام نعيش بين عمل وأمل، ووعد رب عظيم، ننتظر من الله تعالى القادر القاهر والناصرالعظيم أن يمن علينا بنصر من عنده فهو القائل: (إن تنصروا الله ينصركم) والقائل: (وما النصر إلا من عند الله). إن الناظر في أعمار الأمم والشعوب يرى أنها كأعمار البشر نهايتها كهولة وضعف ثم موت، فهل يتعظ العميل وسيده، ويرتجع ويرعوي، فذاك ما لم يحصل لأن البشر أعطوا طول الأمل، فأعطى الجلاوزة لأجهزتهم الأمنية الأمر والتصريح بالقمع تارة، والتقتيل تارة أخرى، وكلما زاد البطش وشدته تزداد الأمة إصرارًا على فك القيود، والعودة للمطالبة بحقوقها وأولوياتها، وإن كانت في بداية ثوراتها المباركة لم تفصح عن سمو مطلبها لغشاوة بين الفكر والأمة لن تُزال دون دفع ثمن العملية القيصرية، فسيل دماء الأمة، ومعاناتها ومعسها معسًا، وسحقها سحقًا هو الثمن للمولود الشرعي المبارك، فمخاض الأمة مبارك، وسيهزم الكفر وجلاوزته، ولذا فإن العاقل يتعظ من مصائب غيره فيرعوي، وأشك في أن يكون العميل عاقلاً، فيرعوي ويعود لدينه وحضن أمته، ولكن أعوان العملاء والظلمة هم أبناء الأمة وحراسها، فلهم أن يتداركوا أنفسهم، ويرتجعوا وينصروا دينهم، ويتخلوا عمن سيَّدوا أنفسهم عليهم بدراهم قليلة معدودة، أو مناصب دنيوية زائلة زوال الشمس في رابعة النهار، فأمة الإسلام تخسر معركة أيها العملاء ولكنها لن تهزم، وذاك وعد رب العالمين، وواقع نعيشه وإياكم أيها الطغاة وأذنابكم العلمانيين الذين باعوا آخرتهم بعرض رخيص من متاع دنيا زائل، فلا أنتم ولا هم مخلدون، ولا أخذون شيئًا من متاع دنيا رخيصة، ولو كانت تعدل دنياكم عند الله تعالى جناح بعوضة ما سقى منها الله العظيم كافرًا شربة ماء، فماذا أخذ فرعون وزبانيته من دنياهم؟ وماذا أخذ معمر القذافي مما ادَّخر من ذهب ومليارات؟ لا بل أين يعيش أبناؤه، فهل أنتم متعظون؟ ولا يتعظ إلا عاقل وأشك أنكم أصحاب عقل وفكر، ولذا فانتظروا فإنا عاملون لنهضة ديننا، ومنتظرون شفاء صدورنا وصدور قوم مؤمنين، ومنتظرون لنفرح بنصر ربنا ورؤية مصيركم كمصير أصحابكم وأعوانهم، فإنا وإياكم منتظرون حكم رب العالمين ووعده ونصره لعباده العاملين والمخلصين لدينهم. نعم إن سنن الله تعالى ظاهرة للعيان يراها العاقل رأي العين ولذا قيل: "العدل أساس الملك"، فمن يسوم أمته سوء العذاب، ويفسد فيها كل أنواع الفساد، ويضعف أمام عدوها، بل ويتعامل معهم ضد الأمة ودينها، فماذا ينتظر غير سوء عاقبة لا يعرف شكلها ولا نوعها ولا مكانها ولا زمانها؟؟ انتظروا إنا معكم منتظرون!!

فاستبشري خيرًا أيتها الأمة الإسلامية، فإن نصر الله آتٍ، فإنه لا يخلف وعده، فهو يمكر بالكفر وأهله، وهو خير الماكرين، فكل بقاع الأرض يتحرك فيها المسلمون بدرجات متقاربة لنصرة دينهم، والمطالبة بالعودة لتحكيم شرع الله تعالى، فكلما اشتدت الأزمة قرب الفرج والنصر، فالكفر يترنح لتثبيت أقدامه وعملائه في بلاد المسلمين، ويمد في أمد الصراع (الشام والعراق واليمن وليبيا) لعله ينجح بقهر صحوة المسلمين، والأمة تصحو، وتدحر الكفر وأفكاره وعلمانيته للتقهقر إلى الوراء، نعم، إن الثمن غالٍ والمخاض صعب، ولكن المولود عزيز، والمسيرةُ مباركةٌ بعون الله تعالى، وإن غدًا لناظره قريب. قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ). (النور 55)

كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية الأردن
الأستاذ وليد حجازي

 

     
14 من محرم 1438
الموافق  2016/10/15م
   
     
 
  الكتب المزيد
 
  • الدولـــة الإسلاميـــة (نسخة محدثة بتاريخ 2014/12/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الملف) الطبعة السابعة (معتمدة) 1423ه... المزيد
  • من مقومات النفسية الإسلامية الطبعـة الأولى 1425هـ - 2004 م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/10/21م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الم... المزيد
  • النظام الاقتصادي في الإسلام الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1425 هـ - 2004م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/01/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة... المزيد
  • النظام الاجتماعي في الإسلام الطبعة الرابعة 1424هـ - 2003م (معتمدة)   (نسخة محدثة بتاريخ 2013/09/10م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند ف... المزيد
  • نظــــام الإســـلام   الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1422هـ - 2001م   (نسخة محدثة بتاريخ 2012/11/22م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الص... المزيد