8 من شوال 1445    الموافق   Mar 29, 2024

بسم الله الرحمن الرحيم




وزير الأوقاف الأردني يحرف الكلم عن مواضعه


لم يرد وزير الأوقاف الأردني إلا أن يلبس كلامه لبوس الإسلام، ولما لم يجد نصًا يلوي عنقه، ابتدع النص من عنده، وحرف الكلم عن مواضعه، وأبى إلا أن يستدل كذبًا وافتراء بوثيقة المدينة على المؤاخاة بين المسلمين وغيرهم، من الذين كانوا يعيشون في دار الإسلام (المدينة المنورة) .. ووثيقة المدينة هي أول دستور مكتوب حدد شكل الدولة، وعلاقتها برعاياها من غير المسلمين الذين يحملون تابعية الدولة، التي جعلت المسلمين أمة من دون الناس تربطهم عقيدة واحدة، ويجمعهم نظام واحد، وليست على غرار ما افترى وزير الأوقاف حيث قال: "إن أفرادها مهما اختلفت دياناتهم وأعراقهم أمة واحدة".
وفي كلام له آخر يقول: التقى المسلمون مع النصارى واليهود، ومن شتى الأمم والأعراق في دولة المدينة على دستور واحد"... فوزير الأوقاف يريد تزوير وثيقة المدينة "دستور دولة الإسلام" ويجعل منه عقدًا اجتماعيًا على غرار عقد روسو، يشارك الجميع في وضع أسسه، وتشريع قوانينه.

إن دولة الإسلام الأولى وضعت بنود دستوره بوحي من الله سبحانه وتعالى، وليس لاجتهاد البشر فيها أي دور (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) فالنبي عليه السلام ما كان له أن يضع دستورًا مدنيًا وقانونًا أرضيًا، والله عز وجل يقول: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) ويقول: (إن الحكم إلا لله) فالدستور هو عبارة عن قانون عام يحدد شكل الدولة العام، وعلاقتها برعاياها، وعلاقة الدولة بغيرها من الأمم والدول .. والقسمة في التواضع عليه وكتابته ثنائية فإما أن يضعه البشر بأنفسهم مع نقصهم وعجزهم وأهوائهم المتفاوتة، وإما أن يكون أساسه وحي من الله سبحانه وتعالى، وإن كان ثمة خطأ فيه يسير فإن ذلك عائد لاجتهاد واضعه في فهم الحكم الشرعي من دليله، مع سلامة الأصل الذي أخذ منه الحكم. فالدستور الذي وضعه عليه السلام، وحي من الله سبحانه، وليس عقدًا اجتماعيًا، أو دستورًا علمانيًا، أو حاوية من القوانين، يا وزير الأوقاف.

وكان مما جاء في الوثيقة: [هذا كتاب من محمد النبي عليه السلام بأن المسلمين والمؤمنين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، أنهم امة واحدة من دون الناس] .. [وأن أيديهم على من يغى عليهم، وابتغى دسيعة ظلم أو عدوان، وأن يدهم عليه، ولو كان ولد أحدهم] .. [ولا ينصر كافر على مؤمن] .. [وأن المؤمنين بعضهم مولى بعض دون الناس] .. [وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء، فإن مرده إلى الله عز وجل ومحمد صلى الله عليه وسلم] ..

فهذا بعض ما جاء في وثيقة المدينة ترينا بوضوح الأساس والأصل الذي وضع عليه دستور الدولة "دولة المدينة" وهو أساس شرعي لا غير، وليس لغير المسلمين أي شأن في وضعه، ولا الاجتهاد فيه، وإنما بوصفهم رعايا داخل دولة الإسلام ودار الإسلام، فإن لهم علينا أن تصان دماؤهم وأعراضهم وأموالهم، ويكونون في ذمتنا، وقد عاشوا على ذلك ثلاثة عشر قرنًا في أمن وأمان، ليس أمن بلدك وأمانها يا وزير الاوقاف التي لا يأمن الرجل فيها أن يترك حذاءه حال تأدية الصلاة، بل عاشوا حياة كانوا فيها آمنين مطمئنين .. أما الآن يا وزير الأوقاف، فإننا المسلمين وغير المسلمين، نعيش في ذمة من لا ذمة عنده، في ذمة أمريكا وعملائها ..

ووزير الأوقاف ربما منعه بعض من حياء من الناس أن يقول: من الظلم أن يضع المسلمون القوانين والدستور، بينما يعيش معهم غيرهم في الدار نفسها، وقد افترض وزير الأوقاف -زورا وكذبا- أن الدستور "وثيقة المدينة" أنهت جدلية الصراع الديني، وأقامت الحقوق والواجبات على أساس المواطنة الفاعلة" ومع أن الوزير لم يطالب يومًا أن يشارك المسلمون في الدول الغربية التي يعيشون فيها، بوضع الدساتير أو المشاركة فيها إلا أنه يطالب أن يشارك غير المسلمين في وضع الدستور الذي يحكم به المسلمون .. فوزير الأوقاف يريد أن يجتمع المسلمون مع غير المسلمين ليضعوا دستورًا على غرار الياسق الذي وضعه جنكيز خان أو العقد الاجتماعي عند جان جاك روسو على أساس المواطنة، وبأن هذا هو الأمر الوحيد والاقتراح العبقري الذي ينهي "صراع الأديان"...

وهنا نسأل وزير الأوقاف: كيف عاش غير المسلمين في دولة الإسلام ثلاثة عشر قرنًا ضمن دستور المسلمين وتحت القرآن وأحكامه؟ ولم نسمع ما يسمى الصراع الديني فيما بينهم وبين المسلمين بل إن الكثير منهم ما زال ينتظر ذلك اليوم الذي كان فيه الإسلام مطبقا؛ لما لمسوا من عدل الإسلام وعدالة تطبيقه، حتى إن بعضهم كان يفر من بين ظهراني أهل ملته، لينعم بعدل الإسلام وأحكام الإسلام، وخير شاهد على ما نقول هو وجود النصارى، بل وحتى يهود في بلاد الإسلام حتى بعد زوال سلطان المسلمين عنهم .. فإن صح يا وزير الأوقاف وجود صراع ديني فإنه يكون في غير دار الإسلام، وفي غير سلطان الخلافة في الدول التي تعيش فيها أنت وغيرك. أما في دار الإسلام فإن كل من يحمل التابعية، له من الحقوق ما يرفع عنه الظلم ويصان دمه وعرضه وماله.


كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحريرر في ولاية الأردن
الأستاذ/ محمد عزالدين

 

     
11 من محرم 1438
الموافق  2016/10/12م
   
     
 
  الكتب المزيد
 
  • الدولـــة الإسلاميـــة (نسخة محدثة بتاريخ 2014/12/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الملف) الطبعة السابعة (معتمدة) 1423ه... المزيد
  • من مقومات النفسية الإسلامية الطبعـة الأولى 1425هـ - 2004 م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/10/21م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الم... المزيد
  • النظام الاقتصادي في الإسلام الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1425 هـ - 2004م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/01/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة... المزيد
  • النظام الاجتماعي في الإسلام الطبعة الرابعة 1424هـ - 2003م (معتمدة)   (نسخة محدثة بتاريخ 2013/09/10م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند ف... المزيد
  • نظــــام الإســـلام   الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1422هـ - 2001م   (نسخة محدثة بتاريخ 2012/11/22م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الص... المزيد