6 من ذي القعدة 1445    الموافق   Apr 25, 2024

بسم الله الرحمن الرحيم




الانتخابات البرلمانية التشريعية الديمقراطية .. إلى أين؟!

قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا). (الأحزاب 36)

للوهلة الأولى يرى الإنسان أنه يمارس واجبًا وحقًا شرعيًا، وأحيانا يسمونه واجبًا وطنيًا، وحقًا إن الانتخاب، وصندوق الانتخاب أسلوبًا ووسيلةً، لا حديث حوله، ولا شبهة فيه، ويبقى جائزًا شرعًا، إلا إذا أدى إلى حرام، فيصبح الانتخاب حرامًا شرعًا؛ لأن القاعدة الشرعية تنص على أن: "الوسيلة إلى الحرام محرمةٌ شرعًا". أي أن ما يؤدي للحرام حرام استخدامه قطعًا، وبما أن الانتخاب في بلاد المسلمين حاليًا يؤدي إلى مجلس نواب يمارس فعليًا تشريع قوانين، يتم الموافقة عليها حسب قانون الأكثرية، وليس حسب المصدر، أي أنه لا يستنبط ويؤخذ من القرآن الكريم، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، أو ما أرشدا إليه من إجماع صحابة أو قياس شرعي، ولذا لا خلاف بين المسلمين حتى الذين يشاركون بالانتخابات الحالية في الأردن بحرمة التشريع الوضعي، أي الموضوع من قبل بشر يأكلون ويشربون، ويرافقهم العجز والنقص والاحتياج طوال حياتهم، وحيثما حلوا وارتحلوا، بل إن الاعتقاد بجواز ذلك وصحته، يدخل المرء في باب الاستتابة من الوقوع بالكفر والشرك بالله تعالى، لأنه قد قام بعمل تشريعي معتقدًا صحته وجوازه، وهو من أخص خصوصيات الخالق المشرع التي لا يشاركه بها أحد من البشر لا حاكم ولا محكوم.

أما موضوع الخلط بين الديموقراطية والشورى والشوراقراطية فكل ذلك أصبح مفهومًا عند من يريد إرضاء الله تعالى وحده، ودون النظر لإرضاء حاكم داخل البلاد أو دول أخرى خارجية مثل أمريكا وأوروبا حيث يجبرون من يريد المشاركة في أي سلطة حاكمة أو الترخيص كحزب عامل أن يقبل بالديمقراطية، وما يسمى اللعبة الديمقراطية، وهي لعبة تقتضي من الضعيف أن يقبل بما يملي عليه القوي، وهي نفسها لعبة قانون المنتصر والمنهزم استعماريًا، فحتى تسير الأمور بنسق مقبول سيرضى المنهزم بما يمليه عليه المنتصر شاء أم أبى، وكل من له أدنى معرفة بالسياسة والتاريخ يعلم أن الأمة الإسلامية أمة استعمرت من قبل الغرب وأمريكا منذ أن سقطت دولة الخلافة العثمانية، وتم تقسيم بلاد المسلمين إلى أكثر من ستة وخمسين مزقة أو دويلة وفق معاهدة سايكس وبيكو.


وبناء عليه أزيلت الأحكام الشرعية الإسلامية من الحكم، ومن المحاكم سوى المحاكم الشرعية، وتم وضع دساتير وقوانين مستمدة من الغرب ومن تشريعات في مجالس النواب التشريعية وعلى أسس غربية أي حسب التصويت للأغلبية، حتى لو كان نص القرآن قطعيًا في ذلك مثل شرب الخمرة، وفعل الزنا، وقتل القاتل، وحرمة الربا، فكل ذلك خضع للتصويت ورفع الأيدي ونظام الأكثرية والضغوط الأمنية، وعليه وصلت حال المسلمين إلى ما نراه اليوم من فوضى في سن القوانين، وتسلط الحاكم، وجعله مصانًا من أي تبعات قانونية، وما يصلح ذلك في حق واحدٍ من البشر كائنًا ما كان وضعه، وخصوصًا من المسلمين، فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فخَْطَبَ ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا». (متفق عليه) ناهيك عن ما يتم تشريعه على أساس ديمقراطي يخدم مصالح أهل السياسة وأصحاب رؤوس الأموال ومراكز القوة في البلاد، فيصبحون يعيثون في الأرض فسادًا، وينهبون أموال البلاد، ويستعبدون الناس بدكتاتوية وجبروت، وكل ذلك ضمن أسس دستورية وقانونية، لا يستطيع القضاء إدانتهم عليها، وتلك هي الديمقراطية التي يشرعون على أساسها القوانين، ولذلك نجد الدولة، وحسب ظروفها السياسية تُفصِّل قانونًا انتخابيًا يخدمها ومخططاتها ومشاريعها لتوصل من تريد من النواب الذين هم من زمرتها، ويسيرون ضمن مخططها ورغباتها، وخير مثال ما نعيش اليوم بما يسمى يقانون القوائم الحالي، وقبله كان قانون الصوت الواحد، وكل ذلك يسمح لمعارضة أشبه بتكملة ديكور، لا تقدم ولا تؤخر في اتخاذ القرارات التي تخدم النظام، بل إن المعارضة تقوم بدور تزيين للقرار المتخذ ومصدر قوة له، فقرار الموافقة الذي أتخذ بالموافقة على معاهدة وادي عربة أي الصلح مع يهود كان أهم ما فيه من ديكور هم شيوخ وأصحاب لحى معارضين، ولهم ثقل ووزن شعبي، فذاك جعل يهود يقبلون على الصلح لأن له وزن شعبي، والقول: إن المعارضة آنذاك لم تصوت، بل امتنعت عن التصويت، فكل ذلك يعني حسب قانون الديمقراطية الامتناع الإيجابي، والمشاركة بالجريمة حسب حكم الإسلام، ولو كانو فعلاً يريدون العمل الجاد لانسحبوا، وقدموا استقالاتهم من المجلس حتى تسقط المعاهدة برمتها؛ لأن المجلس الذي ينوب عن الشعب بحكم المنحل، ولكن الاتفاقات التي تحت الطاولة تجبر جميع النواب على السير حسب ما سمي باللعبة الديمقراطية لخدمة الديمقراطية، وليس لخدمة أهل البلد المسلمين، والمعروف أنهم يرفضون الصلح مع يهود الذين يحتلون ثالث الحرمين الشريفين، والتي يوجب الإسلام تحريرها لا الصلح معها، وللعلم قد يكون هذا المجلس مُقدمًا على كارثة تخدم يهود وعملاءهم، وإتمام الصلح لحماية يهود، ولذا نرى استطلاعات بجواز وصول ما يسمى إسلاميين إلى قرابة الخمسة عشر من النواب، ليكونوا ديكورًا يمثل ما يسمى طيف الاعتدال الإسلامي.


تلك هي الديمقراطية التي تم خلطها مع الشورى بشكل تمجه اللغة العربية ولا تسيغه، وتقشعر منه أحاسيس المسلمين الأحرار المخلصين لدينهم، والذين يتمثلون قول ربهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ). (البقرة 105)
لقد نهى الله عباده المؤمنين أن يقولوا كلمة "راعنا" لما في كلمة راعنا من سلبية وسوء؛ لأن يهود استعملوها، وكانوا يقصدون الإساءة، وهي بالفعل تتضمن معنى الإساءة، وتحمل معنى الرعونة، ولذلك يؤخذ المعنى الاصطلاحي حسب مفهوم أهله له، فلا يجوز تدجين الشورى، ولا الشوراقراطية لتدخل تحت قبة برلمانات تشريعية ديمقراطية، يرضى عنها الغرب وعملاؤه، ويسمحون لنا بالعمل تحت مظلته، فلعلنا نحدث تغييرًا لصالح الإسلام، ومنذ عام 1950م من القرن الماضي والمشايخ يشاركون في تلك المجالس، ولم نصل لا بالتدرج، ولا بالتزحلق لما نصبو اليه، بل تسير الأمور من سيئ إلى أسوأ، فمن بعد الصلح مع يهود ووادي عربة تتالت المصائب باسم حكم الأكثرية المصطنعة، والديمقراطية الغربية، فتم إقرار وتنفيد مقررات مؤتمري المرأة التي اتفق عليها في بكين والقاهرة، وثالثة أثافيها مؤتمر سيداو، وها نحن نعيش بعض من مخرجاتها، سواء مراكز حماية الأسرة التي جعلت بعض النساء يسرحن ويمرحن بحمايتها لهن، والقانون يسجن الأب والأخ والزوج؛ لأنه يريد لها الستر والاستقامة والالتزام الديني، بل يمنع الرجل من إلزام ابنته وعرضه بارتداء الزي الشرعي، إن هي رفضت واشتكت على والدها لمركز حماية الاسرة.

وها نحن باسم المجالس التشريعية نعيش هذه الأيام فظائع التعديلات التربوية للمناهج الدراسية، والتي تركزت على مادة التربية الإسلامية واللغة العربية، وحذف الآيات القرانية، والأحاديث النبوية الشريفة، واستبدال الصور التي تعطي معاني الفجور والعري بالصور المحتشمة والمهذبة، وكأننا نعيش في بلاد لا صلة لها بالإسلام رغم أن جُلَّ أهلها نسبيًا مسلمين.

وكذلك وباسم الديمقراطية تم افتتاح مقرات للشواذ جنسيًا، وإباحة التزاوج المثلي، ومنح الترخيص لبيوت العري والدعارة، وما يسمى محلات المشروبات الروحية أي الخمور والمسكرات، ولا يتسع المقام لتعداد نتائج الديمقراطية، والمشاركة في المجالس التشريعية والانتخاب والترشح لها من قبل مسلمين يصلون ويصومون، ويذهبون للحج، ويفعلون كل ما يرضي الله تعالى باستثناء ما يغضب الحاكم وأسياده الغربيين، فهم لا يرون بأسًا من المشاركة فيها، ولو أغضبوا الله تعالى قليلاً، فكما يقول المتهكمون: "اجعل ساعة لربك، وأخرى لقلبك" أي اجعل ساعة لآخرتك، وأخرى لدنياك، والله تعالى لا يقبل شريكًا معه؛ فهو الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، وله الحكم في الأولى، وله الحكم في الآخرة، وفي كل شأن من شؤون العباد.


أيها المسلمون: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين» فلقد جربتم العديد من المجالس، ومئات بل الآلاف من النواب ومن كل الأطياف، فما أفلحوا لا بتحسين أوضاعكم السياسية، ولا أحوالكم الاقتصادية والمعاشية، ولم يعملوا لما فيه عزتكم وكرامتكم، وقد تردى وضع أحوال مساجدكم، ومشايخ هذه المساجد، وتدنى مستوى التعليم الديني، وذلك آت من الضغوطات على دور القران، والمساجد. لقد تهاونا في البداية، وإن استمر تهاوننا فسيكون البلاء أعظم، وستكون النهاية سيئة، والعاقبة وخيمة - لا قدر الله تعالى - وكل ذلك بفعل الديمقراطية، والانتخابات، ومشاركة المشايخ وأصحاب اللحى، فاحذروا أيها المسلمون فإن الله سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل، حتى إذا تمادى العبد بعصيان الله تعالى كشفه، وفضحه على رؤوس الأشهاد، وعذبه في الدنيا قبل الآخرة، وناله خزي الدنيا، وعذاب الآخرة، أعاذنا الله تعالى وإياكم وأجارنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، إنه ولي ذلك والقادر عليه، هو مولانا، نعم المولى، ونعم النصير.


كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية الأردن
الأستاذ: وليد نايل حجازي

 

     
16 من ذي الحجة 1437
الموافق  2016/09/18م
   
     
 
  الكتب المزيد
 
  • الدولـــة الإسلاميـــة (نسخة محدثة بتاريخ 2014/12/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الملف) الطبعة السابعة (معتمدة) 1423ه... المزيد
  • من مقومات النفسية الإسلامية الطبعـة الأولى 1425هـ - 2004 م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/10/21م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الم... المزيد
  • النظام الاقتصادي في الإسلام الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1425 هـ - 2004م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/01/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة... المزيد
  • النظام الاجتماعي في الإسلام الطبعة الرابعة 1424هـ - 2003م (معتمدة)   (نسخة محدثة بتاريخ 2013/09/10م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند ف... المزيد
  • نظــــام الإســـلام   الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1422هـ - 2001م   (نسخة محدثة بتاريخ 2012/11/22م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الص... المزيد