إذا صحّت المعادلة التي تقول بأن زوال الأنظمةِ يتناسب تناسبًا طرديًا مع استعمال القوة، والبطش لتحقيق الأمن بمعنى أن الدولة كلما استخدمت الاعتقال، والتنكيل في تكميم أفواه الناس، وإسكاتهم عجّل ذلك بزوال النظام، وزوال القائمين عليه، فالدولة إذا أصبحت تستند في وجودها إلى سند غير طبيعي، وولت ظهرها للسند الطبيعي- وهو هنا الأمة - فإنها تكون بذلك قد وقفت على شفا جُرف هار سينهار بها في أيّة لحظة، والأمثلة على ذلك من دول ما يُسمى "الربيع العربي" ليست ببعيدة، فسرعان ما أسلم الجيش والأجهزة الأمنية زين العابدين في تونس، وسرعان ما تخلى الجيش المصري، والقوى الأمنية عن ثلاثين عامًا كانت فيها سندًا لمبارك ... والداعي لهذا الموضوع، والموجب له هو تلك الحملة الهوجاء التي يقوم بها النظام الأمني في الأردن بسبب، ودون سبب بمبرر، وبغير مبرر حتى إنه لم يعد يفرق بين أصدقائه وأعدائه، فهو قد وصل في استهتاره، وعدم مبالاته باعتقال من كانوا بالأمس القريب صمام أمان له، ويعدون ثبيت النظام عبادة يتقربون بها إلى الله زلفى!!

ويبدو أن النظام قد ضُرب على عقله، فلم يعُد يدري ما يفعل، فمرةً يتحدث عن الأمن الناعم كما يقول الذي مَرّ عبْر ما يُسمى "الربيع العربي" فهو لم يستعمل العنف في إسكات الناس طوال السنوات الخمس الماضية بزعمه، ومرةً يستعمل اليد الحديدية التي يتقن استعمالها على حد وصفه، ويخبط بها خبط عشواء، فيَهدم خيمةً على رؤوس أهلها بناها عاطلون عن العمل في ذيبان، لا لشئ إلا لأنهم يطالبونه بوظيفة، أو بعمل يقتاتون منه وأبناءهم، فيَعتقل ويَسجن ... ويَعتقل والد طفلٍ لا لشئ إلا لأن الطفل ما انفك يذكر الناس في المساجد بالأقصى، ثم يُتبعِ الطفل والده ... ويُعتقل ويُضرب مَن يُوزع التمر والقهوة على المصلين صبيحة عيد الفطر، ولربما كان التحقيق من أين أتيتم بالتمر؟!! ويَعتقل كذلك مدرّسين للشريعة، وأكاديميين، فيَحسبُ كل صيحةٍ عليه ...

إن النظام في الأردن قد وصل إلى حالةٍ لا ينفعه فيها أحد، وإن سياسة التخويف والاعتقال التي يستعملها في إسكات الناس لن تغني عنه شيئًا، وإن أيّ نظام في الدنيا لا دوام له ولا بقاء إلا إذا حقق العدل بين الناس، وأنصف مظلومهم مِن ظالمهم، وضعيفهم من قويهم، وهذا لا يكون إلا بتطبيق النظام الذي انبثق عن عقيدة المسلمين، وهو الإسلام لا غير، فالقانون ليس مجموعةً من اللوائح والفرمانات التي تطبق على الناس بالبطش والاعتقالات، وتكميم الأفواه إنما القانون هو الذي يطبقه الناس بدافع من تقوى الله، ويكون تنفيذه عبادةً يُتقرب بها إلى الله، ويكون حسب قول مَنْ قالت: "إن لم يكن عمر يرانا فربُّ عمر يرانا"...

فهل يرعوِي هذا النظام، ويعود عن غيّه؟؟ - ولا أظنه يفعل - ويُدرك أن الحل الوحيد بل والأوحد هو بجعل القرآن والسنة دستور حياة وطريقة عيش، فبهما وحدهما عزّت الأمة وعلا شأنها، وبتركهما ذلّت الأمة، وهانت وهان أمرها وشأنها، فأصبحت بفضل هؤلاء من أذل الأمم وأوهنها!! قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّـهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ). (الأنفال 24).

كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير- ولاية الأردن
الأستاذ/ أبو معتز الأشقر