7 من شوال 1445    الموافق   Mar 28, 2024

بسم الله الرحمن الرحيم




الغريب في طرح الدكتور ارحيل الغرايبة


في مقال له في صحيفة الدستور يوم الأربعاء 19/4/2016 بعنوان "نحو مزيد من الوضوح" تقدم بنا الدكتور ارحيل الغرايبة أستاذ الفقه وأصوله خطوات نحو دائرة الوضوح كما أسماها فزاد الأمر علينا غموضًا ﻻ يزيله إﻻ الوقوف بشكل أكثر وضوحًا ودقة عند بعض النقاط المهمة التي وردت في مقاله.. فحين يقول: "إن ما يجري على الساحة اﻷردنية يتطلب منا خطوات نحو دائرة الوضوح من أجل اﻹسهام في صياغة المرحلة الجديدة بمشاركة جماعية من أصحاب الرؤى والفكر والسياسة". فهذا يعني بالنسبة له هو على اﻷقل أن هناك مرحلة جديدة تتطلب صياغتها يعرفها هو على وجه التحدبد، لكنه لم يكن واضحًا على اﻹطلاق في توصيف طبيعة تلك المرحلة، فهل حسم النظام أمره باتجاه تحول إلى نظام ملكي دستوري؟ أم أن النظام يتجه إلى الوراء لتكريس نظام ملكي مطلق ﻻ يسأل عما يفعل؟ شاهدنا على ذلك تلك التعديلات الدستورية والصلاحيات المطلوبة للملك فوق ما يملك، وما يشاع عن أسباب استقالة وزير الداخلية، والتعديل الوزاري على حكومة عبد الله النسور؟ أم أن هناك استشرافا لطبيعة المرحلة القادمة وموضع اﻹسلام السياسي فيها واستباق بتكييف وضعهم بشكل يلائم من ﻻ يرغبون في تغيير حقيقي، يشهد على ذلك التركيز على تسويق فكرة تحول تحاكي في شكلها ومضمونها التجربة التونسبة بعد ثورتها على نظام بن علي.. أم أن هناك توصيفا آخر لطبيعة تلك المرحلة في ذهن الدكتور الغرايبة؟!!

وإن تعجب فعجب قوله: إن صياغة هذه المرحلة الجديدة تتطلب مشاركة جماعية من أصحاب الرؤى وأهل الفكر والسياسة الذين يحملون الهم الوطني، أما الدين فلا بواكي له، بمعنى أن الذين يحملون الهم الديني غير معنيين بدعوة الدكتور الغرايبة، وهنا نوجه عناية أستاذ الفقه وأصوله الدكتور الغرايبة إلى أن رسولنا محمد عليه السلام الذي حقق باﻹسلام مجدًا هو فخر لقريش التي أخرجته من بيته، بل فخر لمكة التي أخرجوه منها، وفخر للحجاز والعرب وجزيرتهم كلها، لكنه أقام دولة إسلامية، ﻻ هاشمية أو قرشية وﻻ مكية أو مدنية وﻻ حتى حجازية أو عربية بل إسلامية وحسب، تتسع للعربي من حيث أتى، وللحبشي بلال، وللفارسي سلمان الذي صار من أهل البيت والدولة، وللرومي صهيب رضوان الله عليهم جميعا، وكأن حبيبنا محمدًا شطب من قاموس إسلامه أيما علاقة تنشأ بين الناس على أساس القومية النتنة أو الوطنية البغيضة، وبهذه الطريقة الرائعة ينظر الواحد منا للآخر في هذا البلد وغيره على أنهم إخوه في الدين ﻻ يكتمل إيمانه إﻻ إذا أحب له ما يحبه لنفسه، وﻻ تجادلني في شأن غير المسلمين ﻷن محمدًا عليه الصلاة والسلام قال: من آذى ذميًا فقظ آذاني... فبأي ذنب تئدون حكم اﻹسلام وأحكامه، ﻻ بل عن أي دولة مدنية ديمقراطية حديثة تتحدثون؟! أفي قاموس اﻹسلام أسماء كهذه التي تروجون لها؟! أم هي أسماء سميتموها أنتم ولم يسمها حتى آباؤكم من قبل، (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)؟!

ثم تحددون وبثقة بالغة وكأنكم جزء من المرحلة، تصفون أطرها ومقتضياتها وشرائطها، وتشترطون على الأحزاب أن تكون جزءًا من الدولة لتكريس الواقع الديمقراطي، وإبعاد أي رائحة للدين من أن تقتحم أو تحيط بدولتكم العلمانية التي تنشدون وبرلمانها، ومع أننا مع ابتعادها التزاما منا بالحكم الشرعي لكي تبقى فكرة اﻹسلام نقية تقية ﻻ تلوثها الأفكار الدخيلة على ديننا الذي اكتمل ورضيه الله لنا، وﻻ ندري ما الذي يجعلكم ترون اﻹسلام دين تنقصة أفكار لم تجدوها إﻻ عند ذلك الكافر المستعمر الذي احتل بلادنا ونهب خيراتنا، وها هو يتطاول على عقول النخبة من أبناء أمتنا ليروجوا له، باسم اﻹسلام المعتدل والوسطية، وقبول اﻵخر بطريقة تميع الخطاب الديني؛ فيزعزع ثقة المسلمين بإسلامهم ومفاهيمه، ولكن هيهات هيهات، فالله غالب على أمره، ومتم لنوره ولو بعد حين ....

نعم صحيح إن حزب التحرير منسجم مع نفسه، ثابت على فكرته وطريقته، إﻻ أن حزب التحرير لا يقبل أبدًا أي تصور فيه تضييق على المسلمين، وهم يتحركون نحو إسلامهم، فلماذا كل هذه القسوة على إخوة لكم في الدين لتصادروا حتى حقهم في انتزاع حقوقهم عن طريق التعبئة والتجييش الشعبي أو اﻹثارة اﻹعلامية، فلمصلحة من تحرمهم هذه الحقوق؟! ﻻ بل ومن المقصود من هذا كله؟! ...
أما مسألة الشرعية التي ترددت في مقالكم فعن أي شرعية نتحدث؟! ونحن نعلم جميعًا أن كل اﻷنظمة في عالمنا العربي هي نتاج الاتفاق المقبورين: سايكس، وبيكو، الذي قضى على وجود الشرع والشرعية في معترك حياتنا، نسأل الله أن يردنا وإياكم إلى دينه ردًا جميلاً، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين سببًا للهدى والفلاح، وأن يرينا الحق حقًا ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ... إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين.

كتبه عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير ولاية الأردن
الأستاذ: عبدالرؤوف بني عطا

 

     
18 من رجب 1437
الموافق  2016/04/25م
   
     
 
  الكتب المزيد
 
  • الدولـــة الإسلاميـــة (نسخة محدثة بتاريخ 2014/12/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الملف) الطبعة السابعة (معتمدة) 1423ه... المزيد
  • من مقومات النفسية الإسلامية الطبعـة الأولى 1425هـ - 2004 م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/10/21م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الم... المزيد
  • النظام الاقتصادي في الإسلام الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1425 هـ - 2004م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/01/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة... المزيد
  • النظام الاجتماعي في الإسلام الطبعة الرابعة 1424هـ - 2003م (معتمدة)   (نسخة محدثة بتاريخ 2013/09/10م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند ف... المزيد
  • نظــــام الإســـلام   الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1422هـ - 2001م   (نسخة محدثة بتاريخ 2012/11/22م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الص... المزيد