8 من شوال 1445    الموافق   Mar 29, 2024

بسم الله الرحمن الرحيم




هل نحن ممن يحبهم الله ويحبونه حقا وصدقا؟

 


طَرَأَ عَلَى ذِهني سُؤَالٌ وَأنَا أستَعرِضُ حَالَ أُمَّةِ الإِسلامِ, وَقَدِ ادلَهَمَّتْ عَلَيهَا الخُطُوبُ وَالمِحَنُ, وَتَكَالَبَتْ عَلَيهَا الأُمَمُ, وَأحَاطَتْ بِهَا المَصَائِبُ وَالنَّكْبَاتُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ, إِحَاطَةَ السِّوَارِ بِالمِعْصَمِ, وَهِيَ تَنتَظِرُ مِنَ اللهِ أنْ يُفَرِّجَ عَنهَا الكَرْبَ, وَأنْ يَكشِفَ عَنهَا الغُمَّةَ, وَأنْ يَنصُرَهَا عَلَى عَدُوِّهَا, وَأنْ يُمَكِّنَ لَهَا دِينَهَا الذِي ارتَضَاهُ لَهَا ... أمَّا السُّؤَالَ فَهُوَ: هَلْ نَحنُ مِمَّنْ يُحِبُّهُمُ اللهُ وَيُحِبُّونَهُ حقًا وصدقًا؛ كَي نَستَحِقَّ عَونَ اللهِ وَنَصرَهُ وَتَأيِيدَهُ, أمْ أنَّ هَذَا الحُبَّ مَحْضُ ادِّعَاءٍ, وَزَعْمٌ بَاطِلٌ فَيَصدُقُ فِينَا قَولُ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ:


تَعصِي الإلهَ وَأنْتَ تَزعُمُ حُبَّهُ ... هَذَا لَعَمْرِي فِي القِيَاسِ شَنِيعُ

لَو كَانَ حُبُّكَ صَادِقًا لأطَعْتَهُ ... إِنَّ المُحَبَّ  لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ


وَقَبْلَ الإِجَابَةِ نَتلُو مِنَ المُحْكَمِ قَولَ اللهِ تَعَالَى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ‌ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ‌ رَّ‌حِيمٌ). (آل عمران 31) وَقَولَهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْ‌تَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِ‌ينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ). (المائدة 54) مِنْ خِلالِ هَاتَينِ الآيَتَينِ يَتَبَيَّنُ لَنَا مَا يَأتِي:


أولاً: الذِينَ يُحِبُّهُمُ اللهُ وَيُحِبُّونَهُ يَتَّبِعُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِندِ اللهِ.

ثانيًا: الذِينَ يُحِبُّهُمُ اللهُ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٌ عَلَى المُؤمِنِينَ أعِزَّةٌ عَلَى الكَافِرِينَ.

ثالثًا: الذِينَ يُحِبُّهُمُ اللهُ وَيُحِبُّونَهُ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ.

رابعًا: الذِينَ يُحِبُّهُمُ اللهُ وَيُحِبُّونَهُ لا يَخَافُونَ لَومَةَ لائِمٍ.


وَأَمَّا الإِجَابَةُ فَنَقُولُ: إِضَافَةً إِلَى مَا سَبَقَ وَرَدَ فِي القُرآنِ الكَرِيمِ أَنَّ هُنَاكَ أصنَافًا مِنَ النَّاسِ ذَكَرَهُمُ اللهُ فِي كِتَابِهِ العَزِيزِ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ. تَعَالَوا بِنَا نَعرِضُ أنفُسَنَا عَلَى كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ بَعدَ أنْ نَتَعَرَّفُ إِلَيهِمْ, عَسَى أنْ نَكُونَ وَإِيَّاكُمْ مِنهُمْ بِإِذنِ اللهِ تَعَالَى ... آمين!!


أولا: المحسنون: حَيثُ وَرَدَ قَولُهُ تَعَالَى: (إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحسنِينَ) خَمْسَ مَرَّاتٍ فِي القُرآنِ، مِنهَا قَولُهُ تَعَالَى: (وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ). (البقرة 95) وَالإِحسَانُ لُغَةً هُوَ إِتقَانُ العَمَلِ وَإِجَادَتُهُ, وَالمُحسِنُونَ هُمُ الذِينَ لا يُسِيئُونَ لأحَدٍ فِي القَولِ أوِ العَمَلِ, وَيَعمَلُون بِحُسْنِ النَّوَايَا, وَيُخلِصُونَ فِي أعْمَالِهِمْ خَشيَةَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَابتِغَاءَ مَرضَاتِهِ. وَأَمَّا الإِحسَانُ الوَارِدُ فِي حَدِيثِ جِبرِيلَ الَّذِي رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ هُوَ أعْلَى وَأرقَى دَرَجَاتِ العِبَادَةِ: فَقَدْ جَاءَ فِي الحَدِيثِ: «الإِحسَانُ أنْ تَعبُدَ اللهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ, فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَراهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ».


ثانيا: التوابون: حَيثُ وَرَدَ قَولُهُ تَعَالَى: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوابِينَ) مَرَّةً وَاحِدَةً فِي القُرآنِ. وَهِيَ قَولُهُ تَعَالَى: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ). (البَقَرَة 222) وَالتَّوابُونَ هُمُ الَّذِينَ يَتُوبُونَ مِنْ ذُنُوبِهِمْ.


ثالثا: المتطهرون: وَوَرَدَ فِي القُرآنِ أنَّ اللهُ يُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي سُورَةِ البَقَرَةِ. وَهِيَ قَولُهُ تَعَالَى: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ). (البَقَرَة 222) وَالمُتَطَهِّرُونَ هُمُ الَّذِينَ يَتَطَهَّرُونَ مِنَ النَّجَاسَةِ وَالقَاذُورَاتِ، وَيَتَطَهَّرُونَ مِنَ الخَبَثِ الحِسِّيِّ وَالمَعنَوِيِّ.


رابعاً: المتقون: حَيثُ وَرَدَ قَولُ اللهِ تَعَالَى: (إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ) ثَلاثَ مَرَّاتٍ فِي القُرآنِ الكَرِيمِ. وَالمُتَّقُونَ هُمُ الَّذِينَ يَتَّقُونَ غَضَبَ اللهِ وَسَخَطَهُ بِفِعْلِ الأعْمَالِ المَحبُوبَةِ إِلَى اللهِ, وَتَركِ الأعمَالِ المكرُوهَةِ. وَالتَّقوَى كَمَا عَرَّفَهَا الإمِامُ عَلِيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ هِيَ: الخَوفُ مِنَ الجَلِيلِ, وَالعَمَلُ بِالتَّنْزِيلِ, وَالرِّضَا بِالقَلِيلِ, وَالاستِعدَادُ لِيَومِ الرَّحِيلِ". وَعَرَّفَهَا عُلَمَاءُ آخَرُونَ بِأنَّهَا: "أنْ يِجِدَكَ اللهُ حَيثُ أمَرَكَ, وَأنْ يَفتَقِدَكَ حَيثُ نُهَاكَ".


خامساً: الصابرون: حَيثُ وَرَدَ قَولُ اللهِ تَعَالَى: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِ‌ينَ). مَرَّةً وَاحِدَةً فِي القُرآنِ الكَرِيمِ. قَالَ تَعَالَى: (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِ‌بِّيُّونَ كَثِيرٌ‌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِ‌ينَ). (آل عمران 146) وَالصَّابِرُونَ هُمُ الَّذِينَ يَصبِرُونَ عَلَى القِتَالِ مَعَ أنبِيَائِهِمْ, وَيَتَحَمَّلُونَ آلامَ القِتَالِ وَالجِرَاحِ. وَالصَّابِرُونَ عَلَى البَأسَاءِ وَالضَّرَّاءِ.


سادساً: المتوكلون: حَيثُ وَرَدَ قَولُ اللهِ تَعَالَى: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ) مَرَّةً وَاحِدَةً فِي القُرآنِ. قال تعالى: (فَبِمَا رَ‌حْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ‌ لَهُمْ وَشَاوِرْ‌هُمْ فِي الْأَمْرِ‌ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ). (آل عمران 159) وَالمُتَوَكِّلُونَ هُمُ الَّذِينَ يَفعَلُونَ مَا أمَرَ اللهُ بِهِ مَعَ عَدَمِ التَّفكِيرِ فِيمَا سَوفَ يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذِهِ الأعْمَالِ مِنْ نَتَائِجَ وَيُفَوِّضُونَ الأمْرَ للهِ تَعَالَى.


سابعاً: المقسطون: حَيثُ وَرَدَ قَولُ اللهِ تَعَالَى: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقسِطِينَ). ثَلاثَ مَرَّاتٍ. وَالمُقسِطُونَ هُمُ الَّذِينَ يَحكُمُونَ بِالعَدْلِ وَيُنصِفُونَ فِي أحْكَامِهِمْ.


ثامنًا: المقاتلون في سبيل الله صفًا: بِالإِضَافَةِ إِلَى السَّبعَةِ السَّابِقِ ذِكْرُهُمْ, فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًا كَأنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرصُوصٌ.


جَعَلَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ الذين يَستَحِقُّونَ عَونَ اللهِ وَنَصرَهُ وَتَأيِيدَهُ, وَأكْرَمَنَا وَإِيَّاكُمْ فِي القَرِيبِ العَاجِلِ بِقِيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ, وَجَعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنْ جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِهَا آمِينَ آمِينَ آمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ!!


 

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير

الأستاذ محمد أحمد النادي - الأردن

 

     
28 من شوال 1436
الموافق  2015/08/13م
   
     
 
  الكتب المزيد
 
  • الدولـــة الإسلاميـــة (نسخة محدثة بتاريخ 2014/12/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الملف) الطبعة السابعة (معتمدة) 1423ه... المزيد
  • من مقومات النفسية الإسلامية الطبعـة الأولى 1425هـ - 2004 م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/10/21م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الم... المزيد
  • النظام الاقتصادي في الإسلام الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1425 هـ - 2004م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/01/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة... المزيد
  • النظام الاجتماعي في الإسلام الطبعة الرابعة 1424هـ - 2003م (معتمدة)   (نسخة محدثة بتاريخ 2013/09/10م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند ف... المزيد
  • نظــــام الإســـلام   الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1422هـ - 2001م   (نسخة محدثة بتاريخ 2012/11/22م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الص... المزيد