8 من ذي القعدة 1445    الموافق   Apr 27, 2024

بسم الله الرحمن الرحيم




مؤتمرات الخلافة في العالم ... تقض مضاجع الغرب الكافر


تتشابه فكرة النبوة والرسالة مع فكرة الخلافة الراشدة في وجهين اثنين: أما وجه الشبه الأول فيظهر من خلال موقف الناس من هاتين الفكرتين على النحو الآتي: إن موقف الناس من فكرة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة يشبه موقفهم فكرة النبوة والرسالة نفسها من حيث القبول والرفض: في بداية البعثة المحمدية كانت فكرة النبوة والرسالة فكرة مرفوضة عند الناس، حتى لقد تساءل بعضهم فقال مستنكرًا: (أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرً‌ا رَّ‌سُولًا؟) وقد ذكر القرآن ذلك الموقف فقال عز من قائل في سورة الإسراء: (قُلْ سُبْحَانَ رَ‌بِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرً‌ا رَّ‌سُولًا * وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ إِلَّا أَن قَالُوا أَبَعَثَ اللَّـهُ بَشَرً‌ا رَّ‌سُولًا * قُل لَّوْ كَانَ فِي الْأَرْ‌ضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَّ‌سُولًا (95). وقد ظل نبينا الكريم عليه السلام يرسخ فكرة النبوة والرسالة في أذهان وعقول الناس حتى لاقت قبولا ورواجًا فيما بينهم، ولم تمض سوى سنوات معدودات، والنبي عليه السلام لا زال يعيش بين ظهرانيهم، حتى ظهر فيهم من يدَّعي النُّبوة، يزعم أنه نبي يوحى إليه.


كذلك كانت فكرة الخلافة الراشدة فكرة مرفوضة عند الناس أول الأمر حين حمل لواء الدعوة إليها الشيخ تقي الدين النبهاني وأتباعه من شباب حزب التحرير، فكان الناس يتساءلون مستنكرين رافضين يقولون لحملة الدعوة: "هل تريدون أن تعيدونا إلى عصر السيف، وعهد الجمل؟". وقد ظل الحزب يرسخ فكرة الخلافة في أذهان وعقول الناس حتى لاقت بحمد الله قبولا ورواجا فيما بينهم، ولم تمض سوى سنوات معدودات أيضًا، وبعض حملة الدعوة لا زالوا يعيشون بين ظهرانيهم حتى ظهر في الناس من يدعي أنه خليفة للمسلمين ويطبق شرع الله تعالى.

وأما وجه الشبه الثاني بين هاتين الفكرتين فيظهر من خلال تدخل العناية الإلهية في تهيئة الظروف والأحوال الملائمة والمناسبة لإيجاد كل منهما في واقع الحياة على النحو الآتي أيضًا.
أما فكرة النبوة والرسالة فقد هيأ الله لرسوله عليه الصلاة والسلام الأجواء الملائمة لنشر دعوته بيوم بعاث الذي حدثت فيه آخر معركة من معارك الأوس والخزرج بيثرب قبل هجرته عليه السلام، حيث كانت يثرب تموج بحروب لا بداية لها ولا نهاية بين الأوس والخزرج، فكان في نفوسهم الشيء الكثير من الثارات والاحتقانات، وكان يوم بُعاث خاتمة لهذه الحروب الأهلية التي أنهكتهم لسنين عديدة ... أنهكت اليثربيين أوسهم وخزرجهم، وبعد يوم بُعاث قرر عقلاء الطرفين وضع حد لهذه الحال فاتفقوا على تنصيب رجل واحد منهم يقبله الطرفان، فوقع الاختيار على عبد الله بن أُبَيِّ بن سلول، وفيما كانا يُجهزان له مُلكُهُ حدثت بيعة العقبة الأولى والثانية، ودخل الإسلام يثرب ثم هاجر إليها النبي، فزال مُلك ابن أُبَيٍّ قبل أن يهنأ به ولو ليوم واحد، فعاش عبد الله بن أُبَي تحت سيادة النبي كأكبر منافق ومعادٍ للنبي عرفه التاريخ الإسلامي، والسبب في هذا واضحٌ؛ فهو كان يرى أن النبي عليه السلام قد انتزع منه ملكه الذي كان يُجَهَّزُ له. وكان يوم بعاث نهاية لحروب يثرب بين الأوس والخزرج حيث أنهم اصطلحوا على إيقاف الحرب، ثم دخلوا في الإسلام جميعًا، وأصبحت سيوفهم تُسلُّ على عدو واحد دفاعًا عن عقيدتهم.

الإيمان نور يقذفه الله في قلوب من يشاء من عباده، والكفر ظلام يملأ قلوب أصحابه وعيونهم .. قال تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ). (البقرة 257). هذا وإن الإيمان بالله هو خير ما في الحياة الدنيا، وإن الكفر بعد الإيمان هو شر ما فيها. إن الإيمان يشد أصحابه إلى الآخرة فتهون عليهم الحياة الدنيا، فإذا عرفوا قيمة هذا الدين، وعملوا له، واعتزوا به، وبذلوا أرواحهم في سبيله، نصرهم الله على أعدائهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد 7). وإذا خالطت حلاوة الإيمان بشاشة القلوب فلا يمكن للعبد أن يتخلى عن دينه، أو أن يرتد عنه مهما كانت الأسباب، ومهما بلغت المغريات، ومهما تنوعت طرق الإغراء أو الإغواء؛ ولذلك قال هرقل لأبي سفيان كما في صحيح البخاري: "وسألتك هل يرتد أحد منهم سخطا على دينه بعد أن يدخل فيه؟ فأجبت: لا، وكذلك الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب". أجل إن الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب فإنه يصنع ما يشبه المعجزات؛ لذلك كانت دولة الإسلام أعظم دولة في العالم، خضعت لها الشعوب، ودانت لها الأمم في مشارق الأرض ومغاربها خلال سنوات قليلة من عمر الزمان.

وأما فكرة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، والتي نعمل جادين لإيجادها في واقع الحياة، قد هيأ الله لها الأجواء الملائمة لقيامها قريبا بإذنه تعالى، فها هي الاشتراكية والشيوعية بحمد الله قد سقطت، وستتبعها الرأسمالية قريبا بإذن الله، وها هي ثورة الشام المباركة قد أُطلِقَ عليها بأنها الثورة الكاشفة الفاضحة؛ لأنها كشفت وعرت وفضحت جميع القيادات والزعامات الزائفة بشتى أنواعها الفكرية، والسياسية، والدينية.
وبحمد الله أيضًا سقطت جميع الشعارات المناوئة لدولة الخلافة من قومية، ووطنية، وبعثية، واشتراكية، ورأسمالية، وديمقراطية. كما وأزيلت من أمامها عقبات كأداء من حكام الضرار في بلاد الإسلام، كانوا يقفون حائلا دون عودتها إلى واقع الحياة بكل ما أوتوا من قوة، كان أولهم جمال عبد الناصر، ثم تبعه حافظ أسد، وصدام حسين، وياسر عرفات، وحسين بن طلال، ومعمر القذافي، وزين العابدين بن علي، وحسني مبارك، وعلي عبد الله صالح، وعبد الله بن عبد العزيز، والله سبحانه جل في علاه على أخذ من تبقى من هؤلاء الطواغيت إذا يشاء قدير.

ليس هذا فحسب، بل إن فكرة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، رغم كل محاولات التكتيم والتعتيم عليها، قد انتشرت في القارات الخمس انتشار أشعة الشمس على الكون، وطبق ذكرها جميع الآفاق، وغدت مطلبًا عالميًا بوصفها مشروعًا حضاريًا هو وحده القادر على أن يخلص وينقذ البشرية من شرور الأنظمة الرأسمالية الجشعة والعلمانية العفنة القذرة، وقد أدرك ذلك العدو قبل الصديق، فها هو رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، دان حالوتس، يدعو إلى عدم السماح بإسقاط نظام بشار الأسد، قائلا: لا تسمحوا لنظام الأسد أن يسقط، ومحذرا من أن العالم بأسره سيدفع ثمن هذا التطور. وخلال مقابلة أجرتها معه الإذاعة الإسرائيلية، نوه حالوتس إلى أن حالة من "الفوضى وانعدام الاستقرار" ستتبع سقوط الأسد، وستنعكس تداعياتها بشكل خاص على كل من إسرائيل والغرب. وتوقع حالوتس أن تشرع عدد من التنظيمات الجهادية العاملة في سوريا حاليا في استهداف إسرائيل، بمجرد الانتهاء من مهمة إسقاط نظام الأسد، مشيرا إلى أن مواجهة هذه التنظيمات ستكون مكلفة ومضنية وطويلة. وزعم بن مناحيم أن سقوط نظام الأسد في الوقت الحالي يعني تهيئة الظروف أمام قيام دولة خلافة إسلامية على أنقاض نظامه. وفي السياق ذاته، كشفت صحيفة "إسرائيل اليوم" النقاب عن أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية باتت تعمل بشكل مكثف من أجل جمع المعلومات الاستخبارية عن التنظيمات الإسلامية السنية العاملة ضد نظام الأسد. وفي ختام مقالتنا هذه نتوجه بأكف الضراعة مبتهلين إلى الله سبحانه وتعالى أن يمن على هذه الأمة الكريمة بالنصر المبين المؤزر وذلك بقيام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه ... آمين آمين آمين ... وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير - الأردن
الأستاذ: محمد أحمد النادي

     
27 من شـعبان 1436
الموافق  2015/06/14م
   
     
 
  الكتب المزيد
 
  • الدولـــة الإسلاميـــة (نسخة محدثة بتاريخ 2014/12/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الملف) الطبعة السابعة (معتمدة) 1423ه... المزيد
  • من مقومات النفسية الإسلامية الطبعـة الأولى 1425هـ - 2004 م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/10/21م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الم... المزيد
  • النظام الاقتصادي في الإسلام الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1425 هـ - 2004م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/01/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة... المزيد
  • النظام الاجتماعي في الإسلام الطبعة الرابعة 1424هـ - 2003م (معتمدة)   (نسخة محدثة بتاريخ 2013/09/10م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند ف... المزيد
  • نظــــام الإســـلام   الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1422هـ - 2001م   (نسخة محدثة بتاريخ 2012/11/22م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الص... المزيد