7 من شوال 1445    الموافق   Mar 28, 2024

بسم الله الرحمن الرحيم




الأردن إلى أين..!؟


الأردن قبل الربيع العربي:
كانت الأوضاع في الأردن متأرجحة، وتلعب على وتر قضايا المنطقة: العربية منها والإسلامية، وعلى وجه الخصوص القضية الفلسطينية، ومع سحب أكثر أوراق اللعبة من يد الأردن تم تقليص الدعم العربي وخصوصًا الخليجي للأردن، وبالذات بعد تبدل رأس الحكم في السعودية، وما رشح من جفاف في العلاقات بين البلدين، وما كنا نرى من سفرات خارجية ذهابًا وإيابًا لرأس النظام، ووزير خارجيته قد تقلص لدرجة تقرب من الصفر، وكل هذا بسبب اشتداد الأزمات في المنطقة من حول الأردن سواءً الشأن السوري أو العراقي أو حماية حدود يهود وتوتر أوضاعهم السياسية والأمنية في منطقة مشتعلة وغير مستقرة.

الأردن بعد الربيع العربي:
لا أحد يستطيع أن يتكهن إلى أين تسير المنطقة بمجملها، فالصراع يشتد أواره، والكل يخشى على مستقبله ووضعه السياسي، وعلى رأسهم النظام الأردني، ولا أدل على ذلك من تحركات السفيرة الأمريكية، وكذلك السفير البريطاني داخل البلد، وزيارات للعشائر وشخصيات سياسية وقطاعات خاصة، ناهيك عن تدهور الأوضاع الاقتصادية، وتملل وتذمر من الشأن السياسي والأمني، واعتقالات هنا وهناك، وتخويف مما سمي بتنظيم الدولة (داعش)، داخليًا وخارجيًا، وهذا بدوره أثَّر على كل مناحي الحياة، فلا الجنوب وحراكه وخصوصًا محافظة معان تنعم بهدوء، ولا الوسط ولا الشمال، فلكل إشكالاته الخاصة، ناهيك عن التوترات على الحدود السورية والعراقية، فالثوار السوريون سيطروا على منافذ الحدود رسميًا، وتوقفت التجارة والذهاب والإياب، وفي أية لحظة قد يتم قطع الحدود مع العراق رسميًا، وذلك بإمكانية سيطرة تنظيم الدولة عليها، فيصبح لا منفذ للأردن إلا من البحر أي من المنطقة الاقتصادية الخاصة "محافظة العقبة"، والتي لها أوضاعها الخاصة، ولا تخدم الناس في الأردن كما ينبغي، وبُعد المسافة بينها وبين الوسط والشمال يشكل معاناة وتكلفة اقتصادية إضافية تشكل عبئًا على الناس، وعليه فكل سياسي ومفكر يترقب بل حتى الإنسان العامي أصبح يترقب، ويعيش غير مطمئن رغم رفع شعارات عديدة لتطمينه، ولكن الماء وعمقه يكذب الغطاس، فمن يرى ويلمس الواقع لا يمكنه تصديق ما يسمع إعلاميًا، فأصبحت مقولة: "على كف عفريت" تتردد على الألسن.

الأردن اقتصاديًا: الفساد يهز كل أركان الحكم في الأردن فالمديونية تقارب الثلاثين مليار:
أصبح الواقع ينطق رغم الصمت المطبق، فالكل يصمت، ويكلم نفسه؛ لما يحس من ضيق ذات اليد بسبب ارتفاع الأسعار في كل مناحي الحياة، فماذا سيحصل لو اسمع كل غيره بما يحدث نفسه؟ فلا زيادة على الرواتب في كل القطاعات: العام منها والخاص، فمجرد التفكير والحديث بصوت مسموع، سيحصل ضجيج يهز كل أركان الحكم في الأردن، وتلك لحظة لا محالة آتية طالما أن الأوضاع الاقتصادية على هذا النحو، وللعلم لا شيء يلوح في الأفق يرجى منه تحسن الأوضاع، فكانت آخر زيارة لمبعوث النظام الأردني باسم عوض الله، والمقرب من نظام الحكم في كلا البلدين إلى السعودية لم يرشح منها سوى مبلغ لا يسد رمق رواتب القطاع العام، وهو ثلاثين مليون دولار من مبلغ موعود يتعدى الملياري دولار، أما المديونية العامة فتزداد سنويًا، ولا يتم سداد سوى الفوائد الربوية، وكان آخرها بيع سندات بضمان وكفالة أمريكية، وما أدراك ما الكفالة الأمريكية، وتكلفتها من الضغط السياسي وإشاراته تحركات السفيرة الأمريكية شمالاً وجنوبًا دون حسيب أو رقيب، وكأنها وزيرة شأن داخلي في الأردن.

إن الحديث عن وجود البترول والغاز والصخر الزيت ملء الدنيا، وتحدث به أناس ثقات وأصحاب خبرة وبأرقام تجارية، ولكن لا قرار سياسي يريح البلاد والعباد في الأردن، وهذا نقيس عليه الكثير من المعادن والإمكانات الزراعية، وتوفر المياه سواء للشرب أو الزراعة والصناعة، ولكن لا حياة لمن تنادي، ولا وعي لدى الناس ليجبروا أصحاب القرار لاتخاذ القرارات المناسبة. أما إتخاذ القرارات على أساس المحسوبيات فنأخذ مثالاً عليه إنشاء المؤسسات المستقلة التي أصبحت عبئًا لا يمكن تحمله، وما بين عام 2006م و 2012م استحدث 30 مؤسسة مستقلة، وأصبحت عبئًا على الدولة، ومعلوم لدى المتابع أن تلك المؤسسات يرأسها المتنفذون، وكل ما سبق لا يشكل سوى أمثلة صارخة ومعروفة للقاصي والداني.
الأردن سياسيًا واجتماعيًا:

ما كان للابن أن يُفصل عن أمه وأبيه لا قبل فطامه ولا بعده، فالأردن جزء من بلاد الشام التي قسمها الكافر المستعمر لإضعافها، وجعلها مطية له وليهود، ولتكون خط حماية ودفاع ليهود، وعلى هذا الأساس كانت كل تقسيمات "سايكس وبيكو" لخدمة المستعمر الإنجليزي، وحال نضوج المستعمر الأمريكي وتحكمه بمفاصل الأمور في الأردن، وما حوله أخذ الصراع "الأنجلو - أميريكي" يشتد حتى وصلت الأمور بعد الربيع العربي حد كسر العظم، ولكن لتصفية المنطقة إن أمكن ذلك لصالح النفوذ الأمريكي، وهذا واضح للمتابع السياسي ومدى الضغوط التي تمارس على الأردن ونظامه السياسي، وخصوصًا منذ تبدل نظام الحكم في المملكة السعودية، فالكل لاحظ الركود السياسي الأردني وخصوصًا على مستوى السياسة الخارجية، فالوضع ملتهب ومتوتر على الحدود العراقية والسورية، وركود على الحدود السعودية، بل جمود في العلاقات والزيارات، وذلك بسبب توجه الملك سلمان نحو السياسة الأمريكية، وعلى الجهة الغربية بدأ عباس السلطة يتململ للتفلت من العلاقة مع الأردن، وبدا الجمود على العلاقات البينية، ومما يؤشر على ذلك ما افتعلته السلطة من أحداث الأقصى والفيفا في قضية ترشيح الأمير علي والرجوب.

وعليه نرى أن الوضع السياسي من السوء بمكان لدرجة أن فقدان الثقة بين الناس والمسؤولين، بل تعدى الأمر إلى كل السلطات في الدولة، حتى إن الإنسان في الأردن غسل يديه من مجلس النواب الذي من المفروض أنه تم انتخابه من الإنسان نفسه، فأصبح النواب إلى مصاف الدولة بسبب الأعطيات والتكسب، والمال السياسي وغير ذلك كثير، وهذا بدوره أثر اجتماعيًا إلى انقسام أفقي وعامودي في المجتمع، لدرجة أن أبناء العائلة والعشيرة والبلدة أصبحوا منقسمين على أنفسهم بين موالٍ منتفع، وصاحب سلطة "بلطجي"، ومعارض مقموع، ومقهور فكريًا واجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا، وعليه نقول: الأردن إلى أين ..!؟
فمالم يعقل المسلمون حقيقة إسلامهم، والفرض الذي فرضه الله تعالى عليهم، فلا حل للهاوية التي يسير لها الأردن وأهله، أعاذنا الله تعالى من كل شر، ومن السقوط بالهاوية، ولكن السعيد من يتعظ بغيره، والشقي من لا يتعظ إلا بنفسه، فنرجو الله أن لا نكون أشقياء فنعمل مع العاملين المخلصين لتحكيم شرع ربنا، وتطبيق أحكام الإسلام من ألفها الى يائها، مبتعدين عن الانتقائية، فالإسلام كل لا يتجزأ، فيتم ضم الأردن إلى الأصل الذي فصل منه وهو بلاد الشام، وذلك بإعلان دولة الخلافة على منهاج النبوة التي تطبق الإسلام بعدل ورحمة على كل رعاياها مسلمهم وكافرهم، دولة يهاجَر لها لا يهاجر منها، ويهجر أهلها، فإلى عز الدنيا والآخرة ندعوكم أيها المسلمون في الأردن وخارجها، فالمسلمون إخوة، ولا يعرفون الحدود الإقليمية، ولا الطائفية البغيضة، بل أمة واحدة، وبلد واحد وحاكم واحد يحكم بالإسلام.


كتبه للمكتب الاعلامي لحزب التحرير - ولاية الاردن
الأستاذ وليد نايل حجازات
عضو لجنة الاتصالات المركزية - ولاية الاردن

     
26 من شـعبان 1436
الموافق  2015/06/13م
   
     
 
  الكتب المزيد
 
  • الدولـــة الإسلاميـــة (نسخة محدثة بتاريخ 2014/12/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الملف) الطبعة السابعة (معتمدة) 1423ه... المزيد
  • من مقومات النفسية الإسلامية الطبعـة الأولى 1425هـ - 2004 م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/10/21م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الم... المزيد
  • النظام الاقتصادي في الإسلام الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1425 هـ - 2004م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/01/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة... المزيد
  • النظام الاجتماعي في الإسلام الطبعة الرابعة 1424هـ - 2003م (معتمدة)   (نسخة محدثة بتاريخ 2013/09/10م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند ف... المزيد
  • نظــــام الإســـلام   الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1422هـ - 2001م   (نسخة محدثة بتاريخ 2012/11/22م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الص... المزيد