8 من شوال 1445    الموافق   Mar 29, 2024

بسم الله الرحمن الرحيم




الطائفية والمذهبية السياسية
أمضى الأسلحة بيد أعداء الأمة وأشدها فتكا بوحدتها


لقد ألبست الخلافات السياسية بين بعض التوجهات التي يقال عنها إسلامية لبوس المذهبية الفقهية، وذلك لإضفاء بعض الشرعية على أقوالههم وأفعالهم، والتي هي في أصلها خلافات سياسية غالبا ما تكون موجهة بتوجيه الغرب، أو من ينوب عنهم من دول المنطقة العميلة للغرب. فقد تستر أصحاب هذه التوجهات بأسماء الفقهاء، وخصوصا أصحاب المذاهب، فقد تستر من يسمون بالشيعة بالمذهب الجعفري، وأضافوا على فقه الإمام جعفر الصادق ما ليس منه، بل ما لا يتفق معه، فأصل خلافهم مع غيرهم قديما يقوم على أحقية علي بن أبي طالب في الخلافة الأولى مع أن عليا رضي الله عنه لم يدع أحقيته بالخلافة، بل إنه في الخلافة الراشدة الرابعة قبلها على غير رغبة منه، وقد كان من أقرب التاس إلى الخلفاء رضي الله عنهم جميعا.

وقد كان رضي الله عنه أقرب الناس إلى الخلفاء، وقد حصل الخلاف على أحقيته بالخلافة الأولى بعد موته بزمن، ولا علاقة لهذا الخلاف بالمذهب الجعفري، والذي هو أحد المذاهب الفقهية، وهو لأحد أبرز فقهاء الأمة. وهو الإمام جعفر الصادق، وهو مذهب فقهي يتعبد الله به شأنه شأن بقية المذاهب الإسلامية، وقد أخضعوا هذا المذهب لآرائهم السياسية، وتأويلاتهم التي تتفق مع سياسة التبعية للغرب ليتحول هؤلاء إلى ما يسمى بالطائفة.

وجاء في العصور الحديثة من سموا بالطائفة السنية، ليأتي بعد ذلك وفي القرن الماضي من تسموا بأهل السنة بدءًا بحركة محمد بن عبد الوهاب، وقد تستروا بالمذهب الحنبلي، وهم توجه سياسي ظهر في نجد؛ ليحارب الدولة العثمانية، وليسير في طريق الخروج على الخلافة. ثم ليسيروا بعد ذلك حثيثا في تحالف مع آل سعود وبرعاية بريطانية لبناء الدولة السعودية "مملكة آل سعود" على حساب دولة الخلافة، وليجعلوا من أنفسهم نواة طائفة سموها بـ "أهل السنة" بعد أن قتلوا من المسلمين ما قتلوا، وكان من بين من قتلوا ولاة دولة الخلافة؛ ليصبحوا بعد ذلك طائفة سنية، مقابل الطائفة الشيعية، وتزعموا التنظير لهذه الطائفة مدعين أنهم أصحاب مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وفقه ابن تيمية، وذلك لإضفاء نوع من الشرعية على توجههم. وقد فعلوا كما فعل من قبلهم من الشيعة، فأولوا وزوروا على أحمد بن حنبل.

وقد كانت دولة آل سعود هي الدولة الطائفية الأولى في العصر الحديث، ثم لتنشأ في بداية ثمانينات القرن الماضي دولة أخرى طائفية شيعية بعد نجاح الثورة الإيرانية، وهي ما سمي بالجمهورية الإسلامية، وهي دولة فارسية تتستر بالمذهب الجعفري زورا وبهتانا، وكلا الدولتين موجهة بتوجيه الغرب، فمملكة آل سعود كانت تابعة للإنجليز، وهم الذين أنشؤوها، وإيران تابعة لأمريكا فهم صانعوها. فتوسعت دائرة الخلاف بين المسلمين على أساس طائفي، وجرت ولا زالت تجري دماء المسلمين على مذبح الطائفية أنهارا. ثم نشأ بعد ذلك داخل ما سمي بالطائفة الواحدة خلافات سياسية أخذت طابع الخلاف الفقهي والمذهبي تضليلا، مع أنها خلافات على التبعية إما لأمريكا أو لأوروبا، وهذا ما عبرنا عنه بـ"المذهبية السياسية" فهي في حقيقتها خلافات سياسية كان للغرب وأتباعه من الحكام الأثر الأول والأهم في إنشاء هذه الظاهرة، وإيجاد هذه التوجهات، وذلك بالدعم المادي، وبتسخير وسائل الإعلام لإظهار هذه التوجهات وإبرازها، فنشأت التنظيمات المذهبية السياسية، المسلحة وغير المسلحة؛ لتزيد من فرقة المسلمين وتشتتهم، وكأن الأمة لم تكتف فرقة بالقومية والوطنية والدولة القطرية، فجاءت المذهبية السياسية بعد اضمحلال القومية والوطنية، وأفول نجمها، وهي الأشد ضرواة والأقسى فتكًا بوحدة الأمة التي باتت لا ترى سبيلا لنهضتها ووحدتها إلا الإسلام ممثلا بتاج فروضه وأم فرائضه "الخلافة الإسلامية" والتي تعمل بعض هذه التوجهات على تشويهها والإساءة إليها واستعداء الناس عليها. وكما أريقت دماء المسلمين على مذبح ما سمي بـ "الطائفية المنتنة" ها هي تراق دماؤهم على مذبح "المذهبية السياسة" داخل الطائفة الواحدة، وخصوصا ما سمي بـ "الطائفة السنية" مغلفة بالخلافات الفقهية، فيقوم مسعرو الحرب الطائفية والمذهبية السياسية بإصدار فتاوى التكفير والتفسيق، وهم ليسوا بفقهاء، بل أدعياء الفقه والعلم، وإذا كانت الخلافات الفقهية قديما سببا في إثراء الناحية الثقافية عند المسلمين، وإيجاد المذاهب الفقهية التي ما زادت الناحية الفكرية إلا علما وعلماء، وفقها وفقهاء، فإن ما سميته بـ "المذهبية السياسية" ما زادت الأمة إلا جهلا وتعصبا أعمى، وغباء سياسيا، وقتلا وذبحا وتكفيرا وتفسيقا، حتى داخل التوجه الواحد، بل والتنظيم الواحد؛ لأنها في أصلها خلافات سياسية وجهت بتوجيه الغرب وعملائه من الدول القائمة في العالم الإسلامي، واستغل فيها بسطاء المسلمين الراغبين في الجنة وفي الخلاص من ظلم هذه الأنظمة التابعة والعميلة للغرب، عدو الأمة ودينها. وقد زود مسعرو الحرب الطائفية والمذهبية السياسية المسلح منهم وغير المسلح بما يلزم من تمويل ورعاية، وقيادات مشبوهة، وعموا أعينهم وأخذوا بأيديهم نحو ضرب مشروع أمتهم الحضاري ممثلا بدولة الخلافة على منهاج النبوة.
• خلافة الرحمة؛ لأنها على منهاج نبي الرحمة.
• خلافة يفر الناس إليها طلبا للعدل والأمن، لا أن يفروا منها.
• خلافة صلحت بها هذه الأمة في أولها، ولا تصلح بغيرها في آخرها.
• خلافة على منهاج النبوة تعيد للأمة سلطانها المسلوب منها؛ فتكون الأمة صاحبة السلطان، تعطيه لمن تختاره هي؛ ليقيم فيها شرع ربها؛ فتعود السيادة للشرع، ويحكمها خليفة واحد، يقاتل من خلفه، ويتقى به فهو جنة، وهو صاحب الحق في تبني الأحكام الشرعية وإنفاذها كقوانين يلتزم الناس بها.
• خلافة على منهاج النبوة يأمن فيها المسلم والذمي والمعاهد على دينه ودمه وماله وعرضه، لا خلافة القتل والذبح والحرق.
• خلافة على منهاج النبوة يتولى الحكم فيها خيرة المسلمين وأتقاهم لا مسعرو الفتنة الطائفية والمذهبية السياسية الذين نشروا ظاهرة التكفير بالظن؛ ليستحلوا الدم الحرام تحت أي شبهة كانت.
• خلافة على منهاج النبوة ليس فيها طائفية ولا مذهبية سياسية؛ لأنها خلافة ما قبل الطوائف والمذاهب السياسية.
تلك هي الخلافة على منهاج النبوة التي نريد وإما أن تقوم أو نهلك دون ذلك.

كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير - الأردن

الأستاذ: إسماعيل عمير "أبو البراء"

     
07 من جمادى الثانية 1436
الموافق  2015/03/27م
   
     
 
  الكتب المزيد
 
  • الدولـــة الإسلاميـــة (نسخة محدثة بتاريخ 2014/12/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الملف) الطبعة السابعة (معتمدة) 1423ه... المزيد
  • من مقومات النفسية الإسلامية الطبعـة الأولى 1425هـ - 2004 م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/10/21م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الم... المزيد
  • النظام الاقتصادي في الإسلام الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1425 هـ - 2004م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/01/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة... المزيد
  • النظام الاجتماعي في الإسلام الطبعة الرابعة 1424هـ - 2003م (معتمدة)   (نسخة محدثة بتاريخ 2013/09/10م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند ف... المزيد
  • نظــــام الإســـلام   الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1422هـ - 2001م   (نسخة محدثة بتاريخ 2012/11/22م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الص... المزيد