7 من ذي القعدة 1445    الموافق   Apr 26, 2024

بسم الله الرحمن الرحيم




المثقفون وغربتهم عن الأمة


لم تعرف الأمة الإسلامية طوال أكثر من ثلاثة عشر قرنًا من تاريخها العظيم معنى للثقافة غير المعنى اللغوي الذي يعني الحذق والمهارة فيقال: ثقف السهم أي إذا سواه وأحسنه. أما المعنى الاصطلاحي فلم يُعرف إﻻ حديثًا في القرن العشرين والذي يعني المعرفة التي تؤخذ عن طريق اﻹخبار والتلقي واﻻستنباط مثل التاريخ واللغة والفقه والفلسفة وسائر المعارف غير التجريبية.


فالمعارف التجريبية يطلق عليها لفظ: "العلوم" كالفيزياء والكيمياء والهندسة وغيرها. والفرق بين العلوم والثقافة أن الأولى عامة لكل الناس، وﻻ تتعلق بأمة من الأمم المتمايزة بحضارتها مثل: قوانين نيوتن في الحركة. بعكس الثقافة اصطلاحًا، فهي معارف خاصة بالأمم وبحضارتها فلا يوجد ثقافة عالمية، وإنما يقال مثلا: "مثقف ليبرالي ديمقراطي" أو "مثقف يساري شيوعي".


قلنا: إن الأمة الإسلامية لم تعرف الثقافة اصطلاحا أو المثقفين، لكنها في تاريخها الطويل لم تعرف غير الإسلام وأفكاره وحضارته، وكانت تزخر بالعلماء والمجتهدين، ولم يوجد فيها علماء أو مفكرون اعتمدوا على غير الحضارة الإسلامية، بل لم يتم ترجمة كتاب واحد من الحضارات الأخرى كالفارسية أو الرومانية. أي بعبارة أخرى لم يكن هناك ثقافة غير الثقافة الإسلامية ولم يكن هناك غير المثقفين.
ظل هذا الحال في الأمة الإسلامية حتى بدأت باﻻنحدار الفكري؛ نتيجة إغلاق باب الاجتهاد مما ترتب عليه شح في العلماء والمفكرين، أدى إلى فراغ فكري في الأمة مما مكن عدوها الأوروبي الذي بدأ ينهض من جديد على المبدأ الرأسمالي الديمقراطي، فشن عليها غزوًا ثقافيًا مستغلاً انهيارها وضعف فهم الفكرة الإسلامية ليملأ هذا الفراغ بأفكاره عن الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والمرأة، والعلمانية.


وقد استغل الغرب الكافر تقدمه التكنولوجي لإضفاء البريق على أفكاره. أدى ذلك إلى ظهور ما يسمى برموز الإصلاح وهم مشايخ يحملون الثقافة الغربية تمامًا باسم الإسلام من مثل: جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده ورشيد رضا، حيث كانوا ينادون باتباع الغرب في أواخر الخلافة العثمانية، بل وصل الأمر بمحمد عبده في تزيين الغرب الكافر للمسلمين بقوله: "وجدت في الغرب إسلامًا، ولم أجد مسلمين، ووجدت في الأمة الإسلامية مسلمين ولم أجد إسلامًا". مع أنه كان يعيش في زمن الخلافة.


وما إن هدم الكافر الغربي الخلافة، واحتل بلاد المسلمين، ومزقها، ووضع أنظمته وأفكاره ومفاهيمه القائمة على الأساس العلماني، حتى بدأ ظهور المثقفين بالثقافة الغربية من الجامعات والمعاهد وبرعاية الإعلام وتُرجمت كتبُ المثقفين الغربيين، ودُرس التاريخ الأوربي، ونهضته، والثورة الفرنسية ورجالاتها، ونزع الإسلام من التدريس في المدارس والجامعات، إﻻ ما تعلق بالعبادات فنشأ جيل من المثقفين، المنبهرين بالتقدم العلمي، أخذوا يفكرون بالطريقة الغربية، وأرادوا أن يتبعوا الغرب حتى ينهضوا كنهضته، وغاب عنهم أن النهضة ﻻ تتم إﻻ بمبدأ يؤمن الناس بعقيدته، ويطبقون الأنظمة التي تنبثق عن هذه العقيدة، وأنهم هم أنفسهم ظلت عقيدتهم خلاف الأفكار الغربية التي ينادون بها كما أن الأمة الإسلامية رغم تمزقها، وسيطرة الغرب عليها فكريًا وسياسيًا ظلَّت هذه الأمة عقيدتها الإسلام، فحصلت الغربة بين المثقفين والأمة بل بين المثقفين وأنفسهم "هناك جزء من المثقفين انسلخوا عن عقيدتهم". فغالبية المثقفين ظلوا يدينون بالإسلام، ولم يكفروا به رغم ثقافتهم الغربية، ورغم أنهم ساهموا في ضياع الأمة وكانوا سببًا في انحطاطها.


لقد آن لهؤﻻء المثقفين أن يدركوا أن هذه الأمة لن تنهض بأي مبدأ غير الإسلام؛ لأن العقيدة الإسلامية إن ﻻمست العقول والقلوب ﻻ تستطيع قوى البطش كلها أن تزيلها. ثمانون عامًا من بطش الشيوعية وظل مسلمو اﻻتحاد السوفيتي على دينهم. بل إن الأمة بدأت التحرك والتحرر باتجاه مبدئها بإقامة دولتها دولة الخلافة بعد أن أكرمها الله في منتصف الخمسينات من القرن العشرين بدعوة حزب التحرير والمخلصين من هذه الأمة فأزالوا الغشاوة عن عينيها وأسقطوا معها كل الأفكار الغربية من ديمقراطية وعلمانية وقومية ووطنية التي تربى عليها المثقفون.


وإن نهوض الأمة أصبح بحكم الواقع الفكري متحققًا، ولم يبق إﻻ إعلان الخلافة الحقيقية. إن المثقفين عليهم أن يدركوا هذا؛ لأن واقعه الفكري ملموس لهم. ومالم يغير هؤﻻء المثقفون ثقافتهم الغربية؛ لينهلوا من عقيدة هذه الأمة، عقيدة الإسلام العظيمة، ومالم يفعلوا ذلك، ويسارعوا؛ فإنهم لن يبقوا خلف الأمة وحسب، بل ستدوسهم بأقدامها بعد أن داست أفكارهم. أما المثقفون الذين انسلخوا عن عقيدة هذه الأمة بعد أن انسلخوا عن فكر الإسلام، وتبنوا وآمنوا بالرأسمالية الديمقراطية عقيدة ونظام حياة، نقول لهم: آن لكم أن تحزموا حقائبكم، وترحلوا إلى أسيادكم الروم؛ فقد فشلتم في إعادة بلادنا إلى حظيرة أسيادكم الروم؛ لأن الخلافة أصبحت على الأبواب.


كتبه للمكتب الإعلامي رئيس لجنة الاتصالات المركزية في حزب التحرير- ولاية الأردن

الأستاذ: بلال القصراوي


 

     
06 من جمادى الثانية 1436
الموافق  2015/03/26م
   
     
 
  الكتب المزيد
 
  • الدولـــة الإسلاميـــة (نسخة محدثة بتاريخ 2014/12/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الملف) الطبعة السابعة (معتمدة) 1423ه... المزيد
  • من مقومات النفسية الإسلامية الطبعـة الأولى 1425هـ - 2004 م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/10/21م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الم... المزيد
  • النظام الاقتصادي في الإسلام الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1425 هـ - 2004م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/01/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة... المزيد
  • النظام الاجتماعي في الإسلام الطبعة الرابعة 1424هـ - 2003م (معتمدة)   (نسخة محدثة بتاريخ 2013/09/10م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند ف... المزيد
  • نظــــام الإســـلام   الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1422هـ - 2001م   (نسخة محدثة بتاريخ 2012/11/22م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الص... المزيد