8 من شوال 1445    الموافق   Mar 29, 2024

بسم الله الرحمن الرحيم




مقال :

 

الخلافة الإسلامية ليست نموذجاً تاريخياً بل حقيقةٌ آن أوانها.

 

 

عند حديثنا عن الخلافة كنظام حُكم في الإسلام يُقام عن طريق إيجاده في الكيان السياسي التنفيذي؛ أي الدّولة، يجب أن يُلفت النظر إلى أن حديثنا ليس مجرد الإشارة إلى نموذج تاريخيٍّ طُبِّق ومن ثُمَّ عفا عليه الزمن، بل هو حديث يَتطلَّعُ إلى إيجاد هذا النظام على أرض الواقع وفي سدَّة الحكم! وما هذا بالظنون البعيدة، بل جميع الحقائق، من سياسية وفكرية وغيرها تشير إلى أن المنظومة العالمية في انحدار وسقوط وأُفُول، ولابد من وجود نظام عالميّ جديد بحلول جديدة، ينقذ البشرية من الضياع، وهذا ما نقطع بوجوده في التشريع الإسلامي، ونوقن بأن "الخلافة" قادمة لا محالة، وهي النظام الذي سيشرق من جديد على العالم بنوره وهداه، بالعدل والحق.


أما عن أمتن دعامة لنظام الإسلام وتشريعاته، وعن الثقة بأن الخلافة قادرة على حل جميع المشكلات العالمية على مستوى الدول والمجتمعات، أنَّ هذا كلَّه وحيٌ من عند الله، جاء به رسوله الكريم -ﷺ-، وحيٌ منبثق عن العقيدة الصحيحة، لذلك هذا المبدأ وحده فقط الصالح للبشرية فهو من عند خالقها العليم الحكيم، إذ هو -سبحانه- الحاكم المشرّع، ولا ينبغي لأحد من العالمين أن يتجرَّأ لأن ينحّي هذا القانون الإلهي واضعًا قانونًا من العقول البشرية القاصرة، وهذا هو الحاصل الآن في جميع الأنظمة الحاكمة، سواء في بلاد الكفر الأصيل، أو في البلاد الإسلامية التي تأمّر عليها الغرب الكافر المستعمر واضعًا عملاءه في الحكم! قال تعالى:"أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"، في سؤال استنكاري لمن نصَّب نفسه ورضي بأن يكون التشريع والتقنين من عند غير الله. وخلاصة هذا الكلام، أن المبادئ غير الصحيحة -التي تحكم العالم اليوم-، هي حتمًا غير قادرة على حل المشكلات الناتجة عن العلاقات البشرية، فضلاً عن أنها مُنتجة للمشاكل أيضًا، وما كان هذا واقعه يستحيل بقاؤه، على خلاف نظام الإسلام، فهو وحي من الله، والخلافة هي نظام الحكم فيه، وهي وحدها القادرة على حل المشكلات حلًّا صحيحًا. 

شرعي على كل مسلم، بإيجاد الكيان السياسي الذي يقيم الشرع وأحكامه وحدوده، إن حديثنا عن الخلافة هو حديث عن مشروع متكامل ينهض بالأمة لترجع إلى مكانتها في القيادة، قال تعالى:"كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ"، إن حديثنا عن الخلافة ليس حديثًا عن الماضي والأمجاد الغابرة، بل عن حاضرٍ قد آن آوانه، وعن مستقبلٍ مليء بالعزِّ، عن إنقاذ للبشرية من الشقاء والضنك الذي فرضته الشرائع الخاطئة والمبادئ الوضعية، هو حديث كالذي قاله الصحابيّ ربعي بن عامر -رضي الله عنه- عندما سأله ملك الروم رستم:"ما جاء بكم؟ فقال له: لقد ابتعثنا اللهُ لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة".

فإن سُئل واستُشكل على البعض، إذ كيف نقول بكل ثقة بأن الخلافة قادمة، وقد أُسقطت من قبل! فالجواب سهل هيّن، إذ أن سقوطها سابقًا لا يشكِّك بما ثبت عقلاً بشكل قاطع، أي العقيدة الإسلامية، لذلك كل ما ينبثق عنها صحيح بلا رَيب، وبُشرى عودة الخلافة لا مرية فيها، وهذا يعني بأن ما حصل لها كان لأمر خارج عنها.


ومن المعلوم المشاهد أن النُظُم التي أتت وغدت قد ماتت عند أهلها، فالحديث عنها حديث عن أنظمة مندرسة لم يبق منها إلا الشكليات، أما الإسلام ونظامه، فالحديث هنا مختلف عن باقي النظم والمبادئ اختلافًا تامًّا، فكما أسلفنا الذكر عن صحة وقطعية عقيدة الإسلام، فإن هذا الأساس الذي يميز الخلافة التي بُنيت عليه، فيجعل من العقيدة حيَّةً في النفوس مهما تعاقبت الأزمنة، ويجعل الأمَّة حيَّة بحياة هذه العقيدة ولو فقدت وجودها العملي على أرض الواقع ودولتها، فكما قال في نصيحته وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر لرئيس وزراء كيان يهود "مناحيم بيغين" عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد، قال : "إنّي أسلِّمك أمَّةً نائمة، والمشكلة أنّها تنام ولا تموت، فاستثمر فترة نومها ما استطعت، لأنّها إذا ما استيقظت فإنّها تعيد في سنوات قليلة ما ضاع منها في قرون".


فهاهي أجيال من أمة الإسلام التي لم ترَ تطبيق الإسلام، ولم تشاهد الخلافة أبدًا، بل ومُورس عليها شتَّى أشكال التغريب والتشويه لفكرها، ومع كل ذلك بقيت عصيَّة على الأعداء والطغاة الظالمين الماكرين، مُحافظَةً على عقيدتها في صدورها، داعيةً إليها، حاملةً دعواتها، مُنافحة عنها... كل هذا وأكثر مما يشير إشارة ساطعة على أن هذه العقيدة هي مُحرِّك لا يمكن إيقافه، ولا الوقوف بوجهه، وأنه كل ما مضى من الزمان عليها زادت وضوحًا في قلوب حملتها، واقتربت من إيجادها على أرض الواقع.


أما عن الأسباب الخارجة عنها والتي أدت إلى سقوطها، فالأخطاء المتراكمة والمتراكبة في الإساءات بالتطبيق، مع تآمر خونة العرب والترك عليها بالاستعانة بالغرب الكافر الحاقد المستعمر، مع حالةٍ من الضعف والجهل بالدّين، كل هذا شكَّل فرصةً ذهبيةً لانقضاض الأمم علينا، فكان السقوط، والتقسيم لدويلات تضمن منع إقامتها من جديد، ولكن هذا لن يطول، ويؤكد جميع ما سبق شهادات أقرّها قادات من الغرب الكافر نفسه.

كل هذا وغيره مما ينبئ بالعودة القريبة لدولة الخلافة، فالله نسأل أن يمكن لنا ديننا، وينصرنا على من عادانا، وأن ينكّسهم وأذنابهم من العملاء وحاشيتهم في بلادنا... إنه ولي ذلك والقادر عليه.


والحمدلله رب العالمين.

كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير/ ولاية الأردن:

الأستاذ عبد الله ياسين.


27 رجب 1442 هجري

الموافق 11/3/2021 ميلادي

     
27 من رجب 1442
الموافق  2021/03/11م
   
     
 
  الكتب المزيد
 
  • الدولـــة الإسلاميـــة (نسخة محدثة بتاريخ 2014/12/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الملف) الطبعة السابعة (معتمدة) 1423ه... المزيد
  • من مقومات النفسية الإسلامية الطبعـة الأولى 1425هـ - 2004 م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/10/21م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الم... المزيد
  • النظام الاقتصادي في الإسلام الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1425 هـ - 2004م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/01/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة... المزيد
  • النظام الاجتماعي في الإسلام الطبعة الرابعة 1424هـ - 2003م (معتمدة)   (نسخة محدثة بتاريخ 2013/09/10م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند ف... المزيد
  • نظــــام الإســـلام   الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1422هـ - 2001م   (نسخة محدثة بتاريخ 2012/11/22م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الص... المزيد