6 من ذي القعدة 1445    الموافق   Apr 25, 2024

بسم الله الرحمن الرحيم




 

تعليق صحفي

استطلاع نبض الشارع الأردني لا يُعبِّر عن

موقف الشارع بقدر ما يُعبِّر عن نبض النظام.

 

 

في الدول التى تحكمها أنظمة استبدادية طاغوتية لا تكترث للرأي العام للأمة وخصوصاً في البلاد الإسلامية، لا تشهد عادة قياسات صحيحة لتوجهات الرأي العام، لعدم اكتراث النخب الحاكمة برأي الجماهير. وتكمن المشكلة هنا في أن الفئات المستضعفة عادة ما تُؤْثر السلامة، ولا تفصح عن رأيها بصراحة، إذا ما كانت أسئلة استطلاعات الرأي العام متعلقة بالشأن السياسي.


ويمكن وصف هذه الاستطلاعات بأنها غير بريئة، وبعكس ما تعمل نتائجها على إظهاره، من خلال استقراء طريقة طرح السؤال، والجهات التي تقف وراءها، والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، والمواضيع التي تعمل على تسويقها، وتهيئة الرأي العام لتقبل فكرة ما أو عمل سياسي ما أو خيانة ما، وتكون بذلك أداة تلاعب أيضاً، تساعد على تشكيل الأفكار وقلب تصوراتنا للكيفية التي يفكر بها معظم الناس، فيمكن لاستطلاعات الرأي أن تصبح من عناصر الهيمنة، عند إظهار إجماع النخب المفروضة بالقوّة من قبل الأنظمة ووسائل إعلامها وثقافتها المُهيمنة، ليؤدّي بدوره إلى إحداث حالة موافقة بين الناس أنفسهم.


نأتي على آخر استطلاع للرأي العام نفذه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية تحت عنوان "المؤشّر الأردني - نبض الشارع الأردني- 13" خلال الفترة 16-22\2\2020، وأعلن عن نتائجه قبل أيام، ألقى الضوء من خلالها على أبرز القضايا التي تواجه الأردن محلياً، وتواجه الإقليم وتواجه المجتمع الدولي. بالإضافة إلى تركيز الاستطلاع على موضوع خطة السلام الأمريكية (صفقة القرن)، كما ورد في التقرير.


وبطبيعة الحال لا يُعبِّر الاستطلاع عن رأي المركز كما يدّعي عادةً، ولكن للمركز - المموَّل من قِبل الدولة - توجهات تصب في مصلحة النظام الذي يعمل تحت مظلته، من خلال تركيب نماذج الأسئلة المطروحة ومدى ملامستها الحقيقية لـ" نبض الشارع "، وهذا ما يمكن لمسه بسهولة من مضمون أسئلة الاستطلاع ومواضيعها، بالطبع مع إضفاء مسحة من النتائج المعارضة طالما أنها بقيت تحت السقف المسموح ولم ترتفع أكثر من ذلك.


لا بد من الإشارة ابتداءً إلى أن هذه الاستطلاعات بشكل عام كان يمكن أن تكون مفيدةً لو كان السلطان حقيقةً بيد الأمة، فيستفيد منها الحاكم في الأمور المصيرية التي تتعلق بالبلاد والعباد، أما وأن الحاكم لا يستند بسلطانه إلى الأمة وهو مُسلَّط عليها، بل يستند في حكمه إلى المستعمِر الكافر، فعندها تغدو هذه الاستطلاعات مجرد تزيين مزيف لتوجهات النظام.


وبالمرور على نتائج هذا الاستطلاع ومواضيعه، بات من المعروف لكل ذي بصيرة أن السياسة الاقتصادية للبلاد هي سياسة فاشلة وفاسدة كنظام، بكل تفاصيلها، مثل الفساد الشخصي والفقر والبطالة والمديونية، فالسؤال الاستطلاعي عنها يُوحي بالسبب الشخصي وليس بمنظومة الاقتصاد الرأسمالي المدمر وبرامج صندوق النقد الدولي الاستعماري المطبقة منذ 30 عاماً، فالسؤال لم يُوجَّه نحو الأسباب وإنما تعلق بالنتائج، ولم يتطرق للبديل كالنظام الاقتصادي في الإسلام، أو حتى مجرد اقتراح الخروج من صندوق النقد الدولي وبرامجه بعد وصول المديونية إلى أكثر من 96% من الناتج المحلي الإجمالي.


أما حول سؤال ما إذا كانت الأمور تسير في الاتجاه الخاطئ في الأردن، فهذه أصبحت حقيقية تاريخية سياسية منذ نشأة الأردن منسلخاً عن عمقه الاستراتيجي والاقتصادي عندما تم فصله عن بلاد الشام كجزء من الدولة الإسلامية، للقيام بالمهمة الوظيفية التي أُنشئ من أجلها، أما لو كان الاستطلاع جاداً لكان السؤال هو: كيف يمكن للأردن أن يسير بالاتجاه الصحيح؟! فيكون نبض الشارع الحقيقي هو المطالبة بإرجاعه لأصله جزءاً من الأمة الإسلامية ودولة الخلافة.


وعند طرح السؤال التالي بالنص: (من بين القضايا الإقليمية "منطقة الشرق الأوسط" التالية التي سوف أقوم بذكرها، ما هي أهم قضية تواجه الإقليم "منطقة الشرق الأوسط"؟)، تم إعطاء المستجيبين أربع قضايا ليختار منها واحدة وهي: القدس والقضية الفلسطينية، الأزمات والحروب التي تواجه المنطقة، مشكلة الأمن والأمان، وقضية اللاجئين في الأردن.


فهو من الأسئلة الضمنية، فلا خيار للمستجيب إلا من هذه الخيارات، فيكون الجواب على مقاس المستطلِع لصالح النظام، وهي في هذه الأيام ستكون القدس والأزمات والأمن بالتتابع.


أما لو كانت خيارات الأجوبة هي قضايا تتعلق بـالنفوذ الغربي الكافر العسكري والاقتصادي للمنطقة، وتبعية الحكام للغرب، والأهم من ذلك إقصاء الإسلام عن الحكم وعلمانية الدولة، لسقطت الخيارات الأخرى آنفة الذكر، ولكن هيهات لأصحاب الاستطلاع أن يجرؤوا على طرح مثل هذه الخيارات في استمارات الإجابة.


ونتجاوز أسئلة الاستطلاع السطحية من مثل: "هل سمعت عن  الخطة الأمريكية للسلام أو بين هلالين صفقة القرن؟" "من الخاسر الأكبر ومن الفائز الأكبر من صفقة القرن؟" نتجاوزها إلى السؤال التالي: "إلى أي درجة أنت راضٍ عن موقف الحكومة الأردنية تجاه الخطة الأمريكية للسلام (صفقة القرن)؟ وإذا كنت غير راض ما هو الموقف الذي يجب ان تتخذه الحكومة اتجاه الخطة الامريكية للسلام؟".


فالسؤال تضليلي بامتياز، لأنه لم يكن هناك أي موقف محدد من الحكومة الأردنية تجاه صفقة ترامب سوى تأكيد وزير الخارجية على حل الدولتين ورؤية الملك بأن حل الدولتين هو السبيل الأمثل. فالاستطلاع هنا يفقد مصداقيته تماماً، وهو يعلم ويريد أن يلبس على جمهور الاستطلاع بموقفٍ للحكومة لم يصدر، وحقيقته أنه مواقف للنواب والأعيان وقاضي القضاة والإفتاء، فلم تجرؤ الحكومة ولا النظام بالإفصاح عن موقف صريح تجاه صفقة ترامب وهي تنوي تنفيذ بعض بنودها على الأرض من مثل مشروع سكة حديد حيفا - إربد.


أما ما يتعلق بالسؤال الأخير عن موقف الحكومة الذي يجب أن تتخذه تجاه الخطة الأمريكية للسلام في حال عدم رضاك عن موقفها (المزعوم)، فقد عبر من خلاله المشاركون بالاستطلاع غير الراضين، عن آراء صيغت نتائجُها بشكل مبهَم وغامض من مثل:  "التصدي لصفقة القرن" و "إلغاء اتفاقية الغاز وجميع الاتفاقيات" و "قطع العلاقات مع (إسرائيل) وطرد السفير" و "اتخاذ موقف حاسم وجريء"، فهل كان المقصود من التصدي "القتال والجهاد لتحرير الأراضي المحتلة"؟! وهل كان المقصود من اتخاذ موقف حاسم وجريء هو الحل العسكري بتحريك الجيوش؟!، ولماذا لم يكن خيار الحرب مع يهود مطروحاً بخيارات الإجابة من وجهة نظر المستطلعين وخصوصاً بعد ما ظهر من صفقة ترامب سقوط خيار الدولتين وإعطاء القدس كاملة لليهود بل وإعطاء كل فلسطين لليهود وسقوط خيار عودة اللاجئين؟!


إن إستطلاعات الرأي هذه لا تسعى في حقيقتها لمعرفة نبض الشارع ولا تعبر عنه تعبيراً حقيقياً، بل هي موجهة توجيهاً مضللاً لترسيخ الرأي والسياسة التي يتبعها النظام في تعامله مع القضايا المفصلية للأمة سواء أكانت قضية فلسطين أو الحالة الاقتصادية أو قضيته المصيرية بإعادة تطبيق الإسلام ضمن مشروع الأمة الإسلامية التي تسعى لاستعادته وهو الخلافة الراشدة على منهاج النبوة وقد مضى على غيابها ما يقارب القرن.


وإذا كانت استطلاعات الرأي في الدول السيادية التي يأتي حكامها عن طريق الانتخابات والاقتراع - وإن كان معظمها يشوبه التلاعب بالعقول- هي بالنسبة لصانعي القرار، مثل العطور التي تشمّها ولكن لا تشربها، فإن استطلاعات الرأي في دول سايكس بيكو المفتّتة، أي البلاد القطرية الوطنية المصطنعة هي مثل الروائح التي تزكم الأنوف فلا تستطيع حتى شمّها، ناهيك عن الوثوق بها.

 

 

 

المكتب الإعلامي لحزب التحرير/ ولاية الأردن.

 

 

     
07 من رجب 1441
الموافق  2020/03/02م
   
     
 
  الكتب المزيد
 
  • الدولـــة الإسلاميـــة (نسخة محدثة بتاريخ 2014/12/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الملف) الطبعة السابعة (معتمدة) 1423ه... المزيد
  • من مقومات النفسية الإسلامية الطبعـة الأولى 1425هـ - 2004 م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/10/21م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الم... المزيد
  • النظام الاقتصادي في الإسلام الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1425 هـ - 2004م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/01/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة... المزيد
  • النظام الاجتماعي في الإسلام الطبعة الرابعة 1424هـ - 2003م (معتمدة)   (نسخة محدثة بتاريخ 2013/09/10م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند ف... المزيد
  • نظــــام الإســـلام   الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1422هـ - 2001م   (نسخة محدثة بتاريخ 2012/11/22م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الص... المزيد