8 من شوال 1445    الموافق   Mar 29, 2024

بسم الله الرحمن الرحيم




 

من هو رجل الدولة؟

 

يحتاج الناس والشعوب في حياتهم لرجال دولة يفزعون إليهم في الملمّات، يُسيّرون قضاياهم ويدافعون عن حقوقهم كقول الشاعر:


لا يَصلُحُ الناسُ فَوضى لا سَراةَ  لَهُم

وَ لا سَراةَ  إِذا  جُهّالُهُم  سادوا

تُلفى الأُمورُ  بِأَهلِ الرُشدِ ما صَلَحَت

فَإِن    تَوَلَّوا    فَبِالأَشرارِ    تَنقادُ

إِذا  تَوَلّى    سَراةُ    القَومِ  أَمرَهُمُ

نَما  عَلى ذاك  أَمرُ القَومِ فَازدادوا


وأمام هذه الأهمية لوجود رجال الدولة في الأمم والشعوب، لا بد من توصيفٍ دقيقٍ لصفات وسمات رجل الدولة، حتى يكون واضح المعالم، محدد الصفات، فلا تخدع الشعوب برجالٍ يدّعون أنهم رجال دولة وما هم بذلك، فمن هو رجل دولة؟ وما هي صفاته وسجاياه وأعماله ومستلزماته؛ لكي يكون مقياساً يُفرَز على أساسه رجال الدولة بحق عن المدّعين والملَّمعين به؟


رجل الدولة هو القائد السياسي المبدع، وهو كل رجل يتمتع بعقلية الحكم، وهو يستطيع إدارة شؤون الدولة ومعالجة المشاكل والتحكم في العلاقات الخاصة والعامة، إذن لا بد من أن تكون هناك قيادة، وأن تكون هذه القيادة سياسية، وأن تكون هذه القيادة السياسية مبدعة.


أمّا كونه يجب أن يكون قائداً، فذلك أمرٌ طبيعي لأن القود والقيادة هي من أمام، فحتى تكون رجل دولة وصاحب عقلية حكم يجب أن تكون أمام الركب وقائداً له لا خلفه ومقوداً، وإن من أهم ما يجب أن يتميز به هو قدرته على أن يشيع في الناس -ولا سيما جماعته التي يقودها- قيماً رفيعة تستأهل التفاني والتضحية ممن يعتنقها، وبالطبع لكي تتوفر لديه القدرة على أن يشيع في الناس القيم الرفيعة فلا بد من أن يتمثل بها هو طبيعياً وتصبح سجية من سجاياه، فإن فاقد الشيء لا يعطيه، ومن يرغب بنفسه عن نفوس الناس فهو ليس قائداً لهم وإنما هو مثلهم بل هو خلفهم.


أمّا كون القائد يجب أن يكون سياسياً، فذلك أن الحكم وأفكاره هي سياسة وفكر سياسي، فالقائد رجل الدولة أصل فيه أن يكون سياسياً، أي يتعلق تفكيره برعاية شؤون الناس، وبالتالي لا بد أن يدرك ما هو فن السياسة بمعناها اللغوي والشرعي وهو رعاية شؤون الأمّة، ومن ثم يمارسها عملياً، فالرعاية هي رعاية ناس ومعرفة شؤونهم وتسييرهم نحو الوضع الصحيح، لذلك إن رجل الدولة لا يتجاهل الواقع، ولكنه لا يخضع له، بل يحاول استخدامه للسير بالمجتمع والدولة نحو الوضع الصحيح الذي يرسم في مخيلته تصاميم عن إدراك وتدبر، وهو الذي يقود الدولة أو المجتمع فعلاً.


أمّا كونه يجب أن يكون قائداً سياسياً مبدعاً، فذلك أن القيادة المبدعة لا تكون إلا قيادة فكرية ليعتنقها شعب أو شعوب، لأن واقع القيادة المبدعة أنها تقود الفكرة فينقاد الناس لها ثم ينقادون بها ويقودونها فتكون قيادتها في حقيقتها قيادة للفكرة، إذ كيف يتأتي لشخص لا يتغذى بالمفاهيم القيادية ولا الأفكار السياسية أن يسمى رجل دولة؟ ومن أين يأتيه الإبداع وهو يركض لاهثاً وراء التقليد والمحاكاة؟ ومن أين تأتيه أفكار الحكم وهو يرى الحكم وظيفة لا مسؤولية، ومغنماً وليس رعاية، وفي رضا الدول الكبرى لا في مزاحمتها والتصدي لها؟


ومقارنة بسيطة بين صفات وواقع رجل الدولة، وما يوجد اليوم من طبقة سياسية في بلادنا الإسلامية يظهر انعدامه فيهم، فهم لا يملكون القدرة على التفكير والتخطيط وقضاء مصالح الناس، فيلقون كل ذلك على عاتق الدول الكبرى لتتولى هي عنهم هذه الأمور ويمكّنونها من التصرف في مقدرات بلادهم، فلم تعد أحكام الإسلام هي الأساس الذي يستندون إليه في التفكير والسلوك والمعالجات، وعكفوا على الأفكار الغربية حتى صار هؤلاء كالموظفين والأُجراء.


وقد آن لهذه الأمة أن تستعيد مكانتها وتعيد وصل ما انقطع من مسيرتها، فحين أظلّتكم الخلافة الإسلامية نبت فيكم الألوف ممن يتصفون بوصف رجل الدولة، قادوا الأمة من نصر إلى نصر، وحري بنظام حكم الإسلام (خلافة على منهاج النبوة) أن يُعيد جحافل رجال الدولة الذين تثقفوا بالثقافة الإسلامية وتشكلت لديهم عقليات الحكم، أن يتسلموا دفة الحكم، وأن يكون وجودهم وجوداً قوياً ومؤثراً، فنعود مرة أخرى لنكون دولة كبرى وأمة عظمى نرفع راية الإسلام عالياً، وتعود جحافل الفتح وفيالق النصر تضرب في الأرض من جديد، حاملة الإسلام والحضارة إلى هذا العالم المريض، وما ذلك على الله بعزيز.



كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير/ولاية الأردن

الأستاذ عمر محمد الفاروق

 

 

     
07 من ربيع الثاني 1441
الموافق  2019/12/04م
   
     
 
  الكتب المزيد
 
  • الدولـــة الإسلاميـــة (نسخة محدثة بتاريخ 2014/12/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الملف) الطبعة السابعة (معتمدة) 1423ه... المزيد
  • من مقومات النفسية الإسلامية الطبعـة الأولى 1425هـ - 2004 م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/10/21م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الم... المزيد
  • النظام الاقتصادي في الإسلام الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1425 هـ - 2004م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/01/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة... المزيد
  • النظام الاجتماعي في الإسلام الطبعة الرابعة 1424هـ - 2003م (معتمدة)   (نسخة محدثة بتاريخ 2013/09/10م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند ف... المزيد
  • نظــــام الإســـلام   الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1422هـ - 2001م   (نسخة محدثة بتاريخ 2012/11/22م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الص... المزيد