8 من شوال 1445    الموافق   Mar 29, 2024

بسم الله الرحمن الرحيم




همسات
"يوم عرفة" .. يوم كمال الدين، والمنهج الإلهي القويم

 

قررت وزارة الأوقاف في الأردن أن تكون خطبة الجمعة الموحدة لتاريخ 9/ 8 / 2019 م بعنوان: (فضل يوم عرفة وثواب الأضحية )
ولنا مع عنوان الخطبة وقفات:
أيها المسلمون إننا في هذه الأيام الفضيلة في رحاب شعائر جليلة، لها دلالات عظيمة وفيها دروس وعبر لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر.


أولاً: يوم عرفة له فضل كبير، فهو يوم من أيام الأشهر الحرم، قال تعالى:﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ﴾، وكذلك كونه أحد أيام أشهر الحج، قال تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾، وأحد الأيام المعلومات ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ﴾.

إن في هذا اليوم يقف الحجّاج على جبل عرفة تأدية لهذا المنسك امتثالاً لأمر وفعل الرسول -ﷺ- حين قال: ( خذوا عني مناسككم )، وهذا خطاب لمن كان معه، ولمن يأتي بعده إلى يوم القيامة، فيجب على كل مسلمٍ أن يقتديَ بالنَّبي -ﷺ- ليس في أداء المناسك فحسب بل وفي حياته كلّها، قال تعالى:" لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا " ... ويجب على كل مسلمٍ أن يتتبّع خطى الرسول -ﷺ-، ومن هذا التَّتبُّع، السير وفق طريقته النبويّة في إقامة الخلافة، لتطبيق فرض الحكم بما أنزل الله، فنحن ملزمون بالوحي الذي أتى به -ﷺ- من عند الله -تعالى-، وليس لنا أن نَبتدع في دين الله أو أن نَحيد عن شرعه وفق أهواءنا.


ثانياً: في حجَّة الوداع نزل قوله تعالى: "...الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا...".
ورد عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن جاءه رجل من اليهود فقال: يا أمير المؤمنين ، إنكم تقرأون آية في كتابكم ، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. قال: وأي آية؟ قال قوله: ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ) فقال عمر: والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت على رسول الله -ﷺ-، والساعة التي نزلت فيها على رسول -ﷺ-، نزلت عشية عرفة في يوم جمعة. هذه أكبر نعم الله -عز وجل- على هذه الأمة حيث أكمل تعالى لهم دينهم ، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم.

يقول ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: (فارضوه أنتم لأنفسكم، فإنه الدين الذي رضيه الله وأحبه وبعث به أفضل رسله الكرام، وأنزل به أشرف كتبه )، ويقول ابن عبّاس فيها: (أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أنه أكمل لهم الإيمان، فلا يحتاجون إلى زيادة أبدا، وقد أتمه الله فلا ينقصه أبدا، وقد رضيه الله فلا يسخطه أبدا.)
نعم، إن ديننا كامل، وشريعتنا كاملة، فلا نحتاج إلى تشريع الأمم الأخرى ولا إلى استيراد أحكامها، ولا إلى تطبيق دساتيرها، فحكم الله وحده هو الحكم الصحيح، ودستورنا القرآن وما استنبط منه يكفينا لتحقيق نهضتنا ونستعيد به عزّتنا ولنسود الأمم ونقودها، يقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: (إنًا قوم أعزنا الله بالإسلام فلن نتلمس العز بغيره)، هذا لمن أدرك واستيقن كمال الإسلام، فيجب أن ننبذ ونلفظ جميع المناهج والأنظمة المخالفة للإسلام، والعمل على إيجاد الإسلام الكامل التامّ حقيقةً على أرض الواقع، فنحقق العزة والتمكين، ورضا الله عنا أجمعين.


ثالثاً: عرفة مثالاً واضحاً بيِّناً على وجوب التسليم لأمر الله، فمجرّد الوقوف على هذا الجبل على مدار العام لا يحدث شيئاً وليس عليه أجر، أمّا الوقوف عليه للحاج في هذا اليوم، فهو ركن من أركان الحج، قال -ﷺ-: (الحجُّ عرفة)، من هنا علينا أن نستسلم لأمر الله ونسلّم له في كل شيء، فلا نجادل في حكمه، ولا نتردد في أمره ونهيه، بل نطبّق وكلّنا يقين واطمئنان، قال -تعالى-: "بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"، وقال -تعالى-: "وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا".
والأضحية أيضاً تذكّرنا وتحيي في نفوسنا مفهوم التسليم، فحينما رأى إبراهيمَ الخليل عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أنه يذبح ابنه { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ﴾ ، عرض هذه الرؤية على ابنه فلم يجد اعتراضاً { قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ }.


رابعاً: قال رسول الله -ﷺ- في حجّة الوداع وهو يخطب في النّاس في عرفة: (...ألا كُلُّ شَيْءٍ من أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ...)، فمن كمال الدين وتمامه أنه وضع كل ما سواه وتركه، واقتداءً بهذا الأمر، علينا العمل على طرح أنظمة الضرار المطبّقة علينا، ووضع كل ما نتج عن الجاهليّة، من فسادها وأفكارها كالديمقراطية والعلمانية، وحدودها التي فرّقت الأمة، والحكم بغير ما أنزل الله الذي جعلنا في ذل لن يزول إلا بإعادة الحكم بما أنزل الله.


والحمدلله ربِّ العالمين



     
07 من ذي الحجة 1440
الموافق  2019/08/08م
   
     
 
  الكتب المزيد
 
  • الدولـــة الإسلاميـــة (نسخة محدثة بتاريخ 2014/12/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الملف) الطبعة السابعة (معتمدة) 1423ه... المزيد
  • من مقومات النفسية الإسلامية الطبعـة الأولى 1425هـ - 2004 م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/10/21م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند فتح الم... المزيد
  • النظام الاقتصادي في الإسلام الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1425 هـ - 2004م   (نسخة محدثة بتاريخ 2014/01/04م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة... المزيد
  • النظام الاجتماعي في الإسلام الطبعة الرابعة 1424هـ - 2003م (معتمدة)   (نسخة محدثة بتاريخ 2013/09/10م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الصفحة عند ف... المزيد
  • نظــــام الإســـلام   الطبعة السادسة (طبعة معتمدة) 1422هـ - 2001م   (نسخة محدثة بتاريخ 2012/11/22م) (للتنقل بين صفحات الكتاب بكل أريحية الرجاء الضغط على أيقونة "Bookmarks" الموجودة في أعلى الجانب الأيسر من الص... المزيد