بسم الله الرحمن الرحيم




التعليق الصحفي

مهلا ً يا وزير الأوقاف

 

ورد على لسان وزير الأوقاف في الأردن فيما نقلته جريدة الغد: "وتحدث الوزير أبو البصل عن الزكاة وطرحها ضمن القانون الجديد لضريبة الدخل فمن يدفع الزكاة بشكل مؤسسي تخصم له من ضريبة الدخل، وأنه سيتم إنفاق أموال الزكاة من خلال المساعدات في التعليم والصحة والإسكان، وسيتم تحويلها من الزكاة ما يخفف الأعباء عن المواطن".


لقد بات الجميع في الأردن يدركون أن الحكومات في البلد شكلية الوجود مسلوبة الإرادة، ومجرد ديكور عند النظام لتطبيق السياسيات الإجرامية وتوقيعها وتحمل مسؤوليتها، حتى إذا قامت بما طلب منها ركلها بقدمه محملاً إياها الإخفاقات والتبعات والآثار التي ترتبت على تلك السياسيات، وغضب الناس لتكون كبش لسياسيات النظام، ليقوم بعدها بتعيين حكومة جديدة بدور قذر جديد، ويتم تضليل الناس عن حقيقة المشكلة وأس البلاء في الأدوات والكل يعلم أنها سياسية النظام، وما الحكومات إلا ألعوبة بيده لتنفيذ المؤامرات وتوقيع الإتفاقيات الخيانية نيابة عنه، وبرغم علم الجميع بما سبق وأصبح مدركاً للجميع إلا أن هذه الأدوات القذرة من مجالس نواب وحكومات وهيئات وشخصيات تتحمل وزر خضوعها وقبولها بهذا الدور ولا بد للعاملين السياسيين للإسلام ليس فقط كشف خطط ومؤامرات النظام، بل يجب معها كشف تلك الأدوات وطبيعة الدور المنوط بها وما قامت أو ستقوم به.


ومن أخطر هذه الأدوات دور ما يسمى بعلماء السلاطين الذين يلوون أعناق النصوص لتبرير سياسية خيانية أو شرعنة الأنظمة القائمة في بلاد المسلمين، يتلاعبون بالنصوص تأويلا بمعنى التحريف للنصوص، وهذا ما يقوم به وزير الأوقاف في الأردن في مشاركته قانون الضريبة وإدخال موضوع الزكاة، وللرد على ما نقل عنه نوضح الأمور التالية :

 

أولاً: إن الزكاة هي ركن من أركان الإسلام، وهي معلومة بالدين بالضرورة بخلاف الضريبة التي هي مفهوم رأسمالي من حيث الأصل ومخالفة للإسلام، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة صاحب مكس) والمكس هي الضريبة، قال الإمام الذهبي والمكاس داخل في قوله تعالى: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) والضرائب هي أكل أموال الناس بالباطل، والله تعالى يقول: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم النحر في حجة الوداع: (إنَّ دِماءَكُم، وأمْوالَكم وأعْراضَكُم حرامٌ عَلَيْكُم كَحُرْمة يومِكُم هَذَا، في شهرِكُمْ هَذَا، في بلَدِكُم هَذَا، ألا هَلْ بلَّغْت)، فكيف تربط بين ركن عظيم من أركان الإسلام وبين مكس محرم.

 

ثانياً: الأصل في الدولة أن تقوم بجمع الزكاة من الناس وصرفها في أبوابها، ومسألة جمع الزكاة ليست طوعية كما نقل عنك يا وزير الأوقاف في بعض الأخبار "من دفع الزكاة طوعاً له الحق في خصمها من ضربية الدخل المستحقة" وهذا مخالف لأحكام الإسلام في قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، ولقوله صلى الله عليه وسلم خرج أبو داود عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (فِي كُلِّ سَائِمَةِ إِبِلٍ فِي أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَلَا يُفَرَّقُ إِبِلٌ عَنْ حِسَابِهَا مَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا - قَالَ ابْنُ الْعَلَاءِ مُؤْتَجِرًا بِهَا - فَلَهُ أَجْرُهَا، وَمَنْ مَنَعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ، عَزْمَةً مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ، لَيْسَ لِآلِ مُحَمَّدٍ مِنْهَا شَيْءٌ).


وقد قاتل الخليفة الراشد مانعي الزكاة حيث قال أبو بكر رضي الله عنه:
(والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه)، فكيف تكون طواعية؟ فالخطاب موجّه للنبي صلى الله عليه وسلم ولكل من يتولى أمر المسلمين من بعده. والذي جاء به القرآن الكريم أكدته السنة النبوية والواقع التاريخي الذي جرى عليه العمل في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده، حيث أنه عليه الصلاة والسلام كان يبعث الجُباة إلى أطراف الجزيرة العربية كافة، ويحاسبهم حين عودتهم على ما جبوه، وهذا كله يدلنا بوضوح على أن أمر الزكاة منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، من شؤون الدولة واختصاصها. يأخذ من أغنيائهم الزكاة ويفرقها على مستحقيها، وكذلك فعل خلفاؤه من بعده. هذا جانب ومن جانب آخر، تجبى الزكاة من المسلمين وتؤخذ على الأموال التي عين الشرع الأخذ منها من نقد وعروض تجارة ومواش وحبوب، ولا تؤخذ من غير ما ورد الشرع به. وتؤخذ من كل مالك سواء أكان مكلفاً كالبالغ العاقل أم غير مكلف كالصبي والمجنون، وتوضع في باب خاص من بيت المال، ولا تصرف إلا لواحد أو أكثر من الأصناف الثمانية الذين ذكرهم القرآن الكريم.

 

وسنقف عند الأبواب التي تصرف فيها لعلاقتها بالموضوع وهو كونها لا تصرف إلا لأشخاص مخصوصين محددي الصفة والعدد؛ فلأن الله قد عين من تصرف إليه الزكاة، وحصر صرفها في هؤلاء الذين عينهم قال تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ) فقد جرى حصرهم في لفظ "إنما" وهي أداة حصر، فلا يحل أن تصرف لغيرهم مطلقاً، ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ) أخرجه الترمذي عن عبد الله بن عمرو وحسنه، وأخرجه الحاكم عن أبي هريرة وصححه. ويقول صلى الله عليه وآله وسلم عن الزكاة: (وَلا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ) أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وقال الذهبي حديث صحيح ورواته ثقات. فهذا دليل على أنها لا تصرف لغير هذه الثمانية مطلقاً، فكيف تجيز صرفها في السكن والتعليم وبناء المنتزهات والحدائق وغيرها؟

 

ثالثاً: ونسألك ما الذي جعلكم تفرقون بين الصلاة والزكاة والجهاد مثلًا وكل أحكام الإسلام؟ أليست الصلاة عامود الإسلام والجهاد ذروة سنامه؟ فلماذا الزكاة دون غيرها!!؟ قال تعالى: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ )، أم هي السطو على أموال الناس بحجة الزكاة؟ والأدهى من هذا ربطها بضريبة محرمة!!.

 

أيها الوزير لقد بلغ منك الأمر مبلغاً خطيراً، فالأمر لا يقف عند المشاركة في أنظمة لا تحتكم إلى الإسلام بل وتحاربه وتمنع كلمة الحق في بيوت الله، وتعاقب الأئمة على الصدع بكلمة الحق، بل وضعت لهم خطبة بمقاييس أمنية مُلزمة لهم تحت طائلة المسؤولية، وتراقب المتحدثين في بيوت الله وملاحقتهم، وإلا أين أنت من اتفاقية وادي عربة الإجرامية؟ وأين أنت من الحرب على الإسلام بحجة إلارهاب؟ وأين أنت من إملاءات صندوق النقد الدولي؟ وأين أنت من تعطيل الجهاد وما يحدث في فلسطين والمقدسات؟ وأين أنت من بيوت الدعارة والخمارات والأندية الليلة والفساد والفاسدين وبيع الملكيات العامة؟ وأين وأين.....؟.

 

أيها العلماء ويا أئمة المساجد والخطباء: إن الله حرم عليكم كتم العلم وعدم الصدع بالحق، قال تعالى: (إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ)، وبيَّن خطورة وحرمة من يشتري في قوله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۙ أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).


وأنتم تدركون حجم الهجمة البربرية على دينكم وأحكام ربكم من رأس الكفر أمريكا وأدواتها حكام المسلمين ، وتشاهدون أنهار الدماء وانتهاك الأعراض والمقدسات، فأين هي مواقفكم من هذا كله تجاه أمتكم؟ وأين أنتم من مواقف سلفكم الصالح مواقف الحق أمثال العز بن عبد السلام وأحمد بن حنبل وغيرهم من عظماء الإسلام؟ .


أما من يعلم الحق ويقف مع الباطل فنذكره بقوله تعالى:
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ * سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُون *َ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ).

 

 

المكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية الأردن

 

 

     
15 من محرم 1440
الموافق  2018/09/25م
   
     
http://www.hizb-jordan.org/